العواقب الاقتصادية لثقافة المكونات

العواقب الاقتصادية لثقافة المكونات

ثــامــــر الهيمــــص
لكل مكون ثقافته وفي الغالب تتقاطع مع البقية ولذلك كان مولودها البكر (المحاصصة) يجد ذلك. فقد جاءت هذه العملية كحل لمشكلة السلطة بعد سقوط النظام تحت ضغط الأحداث ترافقها خريطة سياسية عراقية جاهزة لذلك. وبعد نفاذ صلاحية هذا التشكيل تحولت الى مصلحة شخصنة لصالح الاطراف المتشاركة بالمباشر.

ولكن أحد المكونات له تجربة رائدة لا بأس من تتبع نجاحها واخفاقها وهو المكون الكردي. وهذه التجربة هي ممارسة السلطة قبل باقي المكونات حيث واجه اغلب مشاكل المركز والذي تنفرد به كردستان أن خريطة طريقها أوضح من باقي المكونات. لذلك نتعرض الى المشاكل كما حصلت في المركز والاقليم وكيف اثرت المحاصصة من خلال ثقافة المكونات في الحاق الضرر بالاقتصاد العراقي في المجالات الآتية:
أولاً) مسألة النفط: كانت كردستان سباقة في تشريع قانون النفط والغاز وتنفيذه رغم عدم صدور قانون المركز لحد الان ومعارضته لقانون كردستان. وكان من ذلك إفرازات كثيرة سواء بعدم التكامل مع كردستان نفطياً أو تأخر تأسيس شركة النفط الوطنية ومواصلة هدر الغاز ونتيجة الخلاف الدستوري مع الإقليم في تفسير المواد (115 و 113) و (110، 111) مع الخلاف القانوني حول المصادقة بين مجلس الوزراء ووزارة النفط وكذلك الخلافات الفنية والاقتصادية التي أخذت طابعاً سياسياً. كل هذه الخلافات كانت وما زالت المحاصصة سيدة الموقف ولنا أن نتصور الهدر اليومي نتيجة التأجيل والمناكفات السياسية مما دفع بحصول مشاكل في العقود الأخيرة مع برتش بترليوم B P.
ثانياً) مسألة الكهرباء: لدينا ستة محطات مقامة على السدود وثلاثون محطة بخارية وغازية. تتوزع بين عاطلة أو العمل بنصف طاقتها. وإدارتها مركزية من قبل الكهرباء الوطنية ولم توفر الوزارة سوى 38% من الطاقة المتاحة في المحطات الوارد ذكرها. وهذه الوزارة تعاقب عليها أربعة وزراء لحد الان وهي وزارة سيادية فلذلك الوزير بالإضافة لاختصاصه فهو منتمٍ وان لم ينتم. بينما كردستان ومن خلال إمكاناتها استطاعت توفير كحد ادنى عشرين ساعة بالإدارة الجيدة غير المخترقة والمشلولة من كتل أخرى. علماً أن الصرف والإمكانات المركزية أكثر وأيسر مثلاً لم تتم الاستفادة من تورنيات حنيزال الكتر الغازية الخمسين ولم يتم تشيد أي من تور نيات سمينز الغازية بما مجموعة 9800 ميكاواط (د. نزار احمد مجلة حوار عدد \ 27 تموز 2011) هذا التقصير لا يمكن أن يعزى للفساد فقط وأن كان كذلك فأن الفساد بعد تسييسه كان سبباًأساسياً وهذا التسييس يعود الى قاعدته الأساسية وهي ثقافة المكونات أو المحاصصة.
فكم من المصالح تعطلت وخسارات تتراكم لاشك أنها خرافية نتيجة غياب الكهرباء شهيدة المحاصصة. هذا اذا ما دفع بنا الظن التقليدي بالأجندة الخارجية وهي أيضاً محاصصة بامتياز.
ثالثاً) الترهل في الجهاز الإداري: حسب مسؤولين كبار أننا لا نحتاج الى أكثر من ثلثه وسبب هذا الترهل معروف في البداية كان لاعتبارات إنسانية (امتصاص البطالة) ولكن كأي مشروع أسس استغلاله ليكون هدفاً سياسياً وهو كسب الناخبين للدورات القادمة بحشدهم في دوائر الدولة. فقد عاد كثير من المتقاعدين إضافة للفاسدين تزويراًوتبع ذلك نظام التوازن بين المكونات في الدرجات الخاصة لكي يكون طلقة الرحمة على الرجل المناسب ومكانه. لذلك ترهل الجهاز وانخفض الأداء أما كسلاً لغياب سلطة القانون أو فساداً لنفس السبب. أما التجربة الكردستانية فهي أحسن حالاً بكثير نظراً لتجربة التوازنات وظهور معارضة حقيقية في البرلمان. ورغم كل ذلك الترهل ما زال (23% من العراقيين تحت خط الفقر و10% معوقين ومثلهم أرامل وأيتام) مما يعني أن التوظيف مسيّس وانتقائي بامتياز في حين هناك إمكانات هائلة للاستثمار لامتصاص البطالة. لقد كانت العواقب وخيمة أيضاً.
رابعاً) الأداء البرلماني: هذا هو الميدان الاسطع للمحاصصة وثقافة المكونات فقد ترتب الكثير من العواقب الوخيمة اقتصادياً على الشعب العراقي. فقد كان مسرحاً لتعطيل القوانين نتيجة عدم اكتمال النصاب والغيابات وتأخر هذه القوانين هي عملياً تعطيل مصالح. وأصبح بعضهم مجرد محام عن قائمته أو مكونة فقط حيث أن تسعة عشر نائباً فقط حصل على العتبة الانتخابية لذلك يكون الولاء غير اعتيادي للقائمة وليس غيرها. ونتيجة ذلك تعطلت مئات القوانين المفروض ان تنبثق من الدستور اولها قانون النفط والغاز والتي أدرجت بتسلسل حسب الموسم والصراع والمساومة على المواقف والمناصب.
هذا من حيث الأداء، اما من ناحية الكلفة (رواتب وامتيازات) فانها استثنائية عالمياً وعندما نترجمها الى أرقام فأنها تصبح فلكية ومتفاقمة مع كل دورة لزيادة عدد البرلمانين جدداً ومتقاعدين.
فعندما يكون البرلمان هو المعزز الأكبر للتفاوت الطبقي وهو في قمته فكيف يكون حال المعوقين ومكون الفقر بأرامله وأيتامه التي ندفع ثمنها أيضاً جريمة وإرهاب وفساد وما يقابلها من تضخم في الجهاز البوليس المكلف جداً. وليست هذه الكلف محصورةً في البرلمان بل امتدت يد المحاصصة لنشرها الى مجالس المحافظات والاقضية والنواحي أيضاً بنظام فريد من حيث الكلفة (تقاعد ورواتب) في سنين قليلة وتبدأ من ستة أشهر خدمة بالتمام والكمال.
ومع ذلك فقد كانت المحاصصة تحمي نوابها فماذا كان الإجراء برفض 214 نائبا تقديم كشف المصالح المالية في دورة 2010 و 63 نائباً في دورة 2006،أي زيادة مباركة في الرافضين رغم الامتيازات المشروعة. ناهيك عن التهرب فكيف نفسر ذلك واللبيب تغنيه الإشارة. هذا ناهيك عن المستشارين والمدراء العامين بما فيهم رئيس الديوان في مجلس النواب لعام (2010) حيث (بلغت النسبة الكلية 2 ر 78 %) (1) الم تكن الكتلة أو المكون سنداًعظيماً وإلا كيف نفسر كتلة او مكونا يضحي بسمعته من أجل فرد ليس عظيماً ولنا أن نتصور الخسائر المتراكمة أما برلمان كردستان فيبدو أن مشاكلهم أقل بكثير حيث ظهر العمران والكهرباء وقلة الفقراء قياساً بشعب المركز.
خامساً) ملف البطالة: تسييس هذا المطلب كان نتيجة الترهل المؤدي للفساد والتزوير ولم تحسم المشكلة وكأنه حلقة مفرغة تعبر عن قصر نظر لدينا (192 مشروعا وشركة حكومية معطلة أو شبة معطلة) و (719 مشروعا أهليا تحتاج لتمويل، هذه كافية لامتصاص البطالة بشكل غير مسيس ولكن المحاصصة منعت رئيس الوزراء عن تنفيذ كثير من المشاريع لكي لا يحسب نجاحها له وكتلته وهذا أمر معروف. والبطالة ندفع ثمنها (فساد وإرهاب وجريمة) يقابلها جهاز بوليس يتضخم طردياً معها كلف ومتاعب.
فالمعالجات الناتجة عن المناكدة والكيديات والتقاسم المتوازن تدور في حلقة مفرغة وليس حباً بموسى بل كرها بفرعون المنافس ولا حباً بموسى الذي هو العاطل عن العمل. وفي كردستان أيضاً كان الوضع أفضل بسبب عدم تجسد المحاصصة برلمانياً أو وزارياً بل معارضة حقيقية برلمانية أصولية لحد ما.
سادساً) ملف الفساد: لاشك أن ثمنه باهظ جداً قد يكون كافياً للقضاء على البطالة أو تخفيض نسبة 23% من مكون الفقر على الاقل من حيث الاعانات الى نسبة معقولة أو مقبولة.
المشكلة في فسادنا أنه مسيس أيضاً اذ طالما أغمضت جهات سياسيه أو دافعت عن فاسديها كما لمسناها في جلسات الاستماع البرلمانية أو الاستدعاءات وتضارب التصريحات في المؤتمرات الصحفية.
المشكلة الأساسية في الفساد هي في الوزارات السيادية أي المحسوبة مباشرة على الكتل المتحاصصة. فقد بلغت 29 ر 19% نسبة المحكومين في وزارة الدفاع و 9ر7% في الداخلية (حسب تقرير النزاهة سنة 2010 (19).
حسب ذات التقرير وفي مقدمته الذي جعل ملف مكافحة محدوداً جداً لا يتناسب مع حجم المشكلة، هو الضغوط السياسية والعشائرية مع الفساد الصعوبة البالغة في ملاحقة الفساد الكبير بسبب التهديدات والمخاطر والنفوذ السياسي وشبه استحالة توفير الأدلة لعدم وجود شفافية في تعامل كبار موظفي الدولة وإحاطة نفسه بالأقارب والمنتفعين والمستفيدين.
هذا أيضاً كانت وما زالت المحاصصة وغياب معارضة حقيقية في البرلمان وراء عدم الشفافية والوضوح وتسرب القضايا الرئيسة لحفظ اللجان ومساوماتها. ومع ذلك الحال أفضل في التجربة الكردستانية لوجود حد أدنى من القواسم المشتركة الرئيسة بين القوى السياسية هناك ويواجهون نفس التحدي في حين كل مكون في المركز له تحدياته الخاصة ولذلك تختلف الأهداف.
فـــي الختــام.. وفي ضوء العواقب الوخيمة جداً لثقافة المكونات وابنتها البكر المحاصصة وحفيدتيها الشراكة الوطنية والتوازن في الدرجات الخاصة وغياب معارضة حقيقية في البرلمان.
لابد من مراجعة لقانون الانتخابات وتحويل العراق لمنطقة انتخابية واحدة ليكون لنا برلمان بعيد عن الحصص والمكونات والمناطقية التي بدأت فعلها في الفدرلة كامتداد لهذه المحاصصة وتفرعات لها.
أو المراهنة على مجلس السياسات والمفروض أن يكون حلاً للملفات الأساسية برؤية واحدة.
وهذه مستبعد كونه طرفاً أساسياً في ثقافة المكونات.