المياه والصراع العراقي مع دول الجوار

المياه والصراع العراقي مع دول الجوار

علي عبد الكريم الجابري
المعهد العراقي للإصلاح الاقتصادي
يقع العراق جغرافياً وسياسياً وحضرياً في نقطة الاحتكاك المكاني والزماني بين ثلاث حضارات كبرى هي العربية والفارسية والتركية، كما يقع العراق سياسياً وجغرافيا على حدود منطقة انقسمت خلال القرن العشرين من الناحية السياسية بين الولاء للغرب والعداء له.

وتختلف حرب 2003 عن حرب 1991 كون الولايات المتحدة شنت هذه الحرب لا لتدعم واقعاً راهناً، وإنما لتغيره ولتوجهه رسالة إلى المنطقة تفيد بها أنها تريد إن تستخدم التغيير في العراق لإحداث تغيير في المنطقة وذلك عبر فرض الديمقراطية وكان هذا واضحا خلال هذا العام بتساقط الحكومات ورياح التغيير.
ففي ظل الظروف الداخلية التي تحيط بالعراق وعدم التقدم في جميع مفاصل الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، تتزايد أيضا الضغوط الخارجية ومنها التدخل التركي والقصف المستمر على القرى الحدودية في إقليم كردستان وأيضا مسالة المياه ومنع دخولها إلى نهر دجلة والفرات.
وأيضا القصف الإيراني لحدود إقليم كردستان ومنع دخول المياه إلى الأراضي العراقية في الشمال والجنوب بالرغم من وجود هناك اتفاقيات ومعاهدات ولجان مع الدولتين حول المياه المشتركة.
إذ لم تكتف إيران بقطع مياه الأنهار التي تصب في الأراضي العراقية من أراضيها فراحت تلوث ما تبقى من مياه الجنوب وبخاصة شط العرب في البصرة الذي بات كارثة بيئية مؤكدة واقعية.
وأيضا بالنسبة إلى الكويت وميناء مبارك وما له من إضرار اقتصادية على العراق الذي يريد إن ينهض ويحسن البنى التحتية المتهشمة، كما إن الكويت تنشر كتائبها على الحدود بذريعة هجوم المتظاهرين العراقيين على الحدود الكويتية.
ممكن إن نقف عند نقطة مهمة وندقق بشكل متمعن لماذا اختارت هذه الدول للتأثير على العراق مسالة المياه؟ وهل هذه خطط متفق عليها من قبل هذه الدول أم أنها مجرد وسيلة ضغط على الحكومة المنشغلة بالحراك السياسي الداخلي والخلافات في ما بينهم؟ وما هو موقف الولايات المتحدة من هذا التهديد الذي يمس سيادة العراق الديمقراطي؟
إن دول الجوار تحاول إن تنتقم من العراق كبلد وشعب على خلفية إرث الماضي البغيض، وما شهده من تغيير، وقد اتبعت في ذلك وسائل وطرق شتى، تمثلت بإرباك الوضع الأمني، ومحاولة إفشال العملية السياسية عن طريق دعم بعض الجماعات المتطرفة التي لا تؤمن بالمشروع السياسي الجديد، ولم تكتف بذلك فأخذت تعمل على إيذائه اقتصاديا ً عندما جعلت من ورقة المياه والموانئ أداة ضغط وابتزاز في تعاملها مع هذا البلد، ولكن بالمقابل علينا إن لا نحمل كل تبعات ما حصل لجيراننا، فلو لم يجد هؤلاء الجيران أرضا ً رخوة لما استطاعوا القيام بكل هذا العبث، وتتمثل هذه الرخاوة بغياب الموقف السياسي الموحد والمتفق عليه وطنياً في تعاملنا مع دول الجوار الإقليمي، فقد تشتت مواقف الأطراف السياسية بين من يبرر لهذه التدخلات ويلتمس لها الذرائع وبين من يعارض ذلك لدوافع سياسية تكتيكية. لذا لم تكن ردود الأفعال بالمستوى المطلوب الذي يتماشى مع خطورة هذه التدخلات والاستفزازات.
فعلى الحكومة العراقية والأطراف السياسية الفاعلة أن تدرك مسؤوليتها في تعاملها مع محيطها الإقليمي، وعدم التفريط بأمن وسيادة العراق تحت أي مبرر كان، وأن تعي بأن ما تملكه من شرعية دستورية وقانونية تؤهلها للعمل بندية مع حكومات هذه البلدان على اعتبار أنها الحكومة الوحيدة في المنطقة التي انبثقت من رحم العملية الديمقراطية، كما عليها إن توحد صفوفها في تقييم علاقتها مع دول الجوار، وبالتالي اتخاذ المواقف والقرارات الموحدة تجاه الطرف الآخر. فقد شاهدنا وسمعنا حالة من التذبذب بل والتناقض أحيانا ً في المواقف بين أطراف حكومية وسياسية في تقييمها للعلاقات مع هذا الطرف أو ذاك، وهذا ما ظهر بشكل جلي في تقييم العلاقة مع دولة الكويت على خلفية إنشاء ميناء مبارك الكبير وأيضا تركيا وإيران، وبطبيعة الحال إن عدم الانسجام بين إطراف الحكومة والجهات السياسية سوف يلقي بظلاله على موقف العراق الرسمي.