زراعة البيوت البلاستيكية.. إلى أين؟

زراعة البيوت البلاستيكية.. إلى أين؟

تحقيق / علي الكاتب
تعتمد اقتصاديات الكثير من البلدان على القطاع الزراعي الذي أخذ يواكب التطورات العلمية ليتمكن من إدخال الوسائل التكنولوجية في أساليب وطرق الزراعة التقليدية من اجل تحقيق وفرة الناتج الزراعي وتقليل الكلف وكميات المياه المستخدمة في السقي، ونموذج الزراعة المحمية بالبيوت البلاستيكية إحدى الطرق الحديثة التي تعول عليها الكثير من الدول في زيادة إنتاج الغلة الزراعية طوال الموسم الزراعي وعلى مدار السنة.

(المدى الاقتصادي) بحثت في أسباب تراجع الزراعة البلاستيكية عبر التحقيق الآتي:
الزراعة المحمية..الزراعة البلاستيكية
يقول الخبير الزراعي سعد راسم من الممكن تعريف الزراعة المحمية:إنها إنتاج الخضار والفواكه ونباتات الزينة وغيرها ضمن أنفاق أو بيوت زراعية (بلاستيكية) مدفأة بالأشعة الشمسية أو بوساطة جهاز تدفئة ولاسيما في غير مواسمها العادية، لاسيما أن الخضار على سبيل المثال ذات قيمة غذائية عالية نظراً لاحتوائها على كميات كبيرة من الأملاح المعدنية والكربوهيدرات والبروتينات والدهون والفيتامينات التي تعد من العناصر الرئيسة في غذاء الإنسان،ومن هنا يأتي اهتمام كثير من دول العالم بموضوع إنتاج الخضار تحت الأغطية بعناية فائقة.
ويضيف: أهلا قبل البدء بإنشاء البيوت (البلاستيكية) يفضل أن تكون التربة المستخدمة في الزراعة ذات قوام رملي، ومن خصائصها تأمين الوسط المشجع لنشاط المجموع الجذري للنبات كجودة الصرف والتهوية وسرعة اكتساب الحرارة، حيث تتم حراثة التربة باستخدام جرار صغير، كما إن حماية البيوت البلاستيكية من الرياح القوية عمل أساس وضروري لإنجاح هذه الزراعة،إذ يمكن أن تكون هذه المصدّات طبيعية من الأشجار كالسرو و الصنوبر والحور والصفصاف والدلب الشرقي، أو من مصدّات للرياح اصطناعية من الجدران الإسمنتية وغيرها.

تراجع في مستويات الإنتاج الزراعي
يقول الخبير الاقتصادي فائز سلمان: إن البلاد تعاني تراجعا في مستويات الإنتاج الزراعي وضعف قدرة القطاع الزراعي على توفير جميع الاحتياجات الضرورية لسد حاجة السوق من المواد الزراعية, والذي يعود إلى أسباب عدة من أهمها، انفتاح الحدود أمام شتى أنواع المزروعات الواردة من دول الجوار والدول الأخرى, ما اثر سلبا على نمو الواقع الزراعي في البلاد، وكذلك غياب الدعم المالي الحكومي والمتمثل بالدعم الفني والإرشادي من قبل وزارة الزراعة، ما تسبب بهجرة الفلاحين إلى المدينة، والتناقص الواضح في حصص العراق المائية من دول الجوار المتقاسمة معه بنهري دجلة والفرات،الأمر الذي تسبب بموجة الجفاف التي عصفت بالعديد من المحافظات والقرى.
ويضيف:أن ذلك يتسبب بنتائج كارثية على البلاد التي تخسر بنحو 100 ألف دونم سنويا من الأراضي الصالحة للزراعة، بسبب استمرار المشكلات التي يعانيها القطاع الزراعي، فضلا عن انخفاض إنتاجيتها إلى مستويات متدنية لاسيما إن المشكلة الأساسية التي تقف عقبة بوجه تطوير القطاع الزراعي هي مشكلة تملح التربة وتغدقها أو ما يعرف بـ(النزيز) في هذه الأراضي، والتي تكون على شكل مساحات كبيرة في وسط وجنوب العراق.

ويتابع:سلمان أن مدى الفائدة المتحققة من استخدام الزراعة المحمية في رفد الأسواق المحلية بكامل الاحتياجات واغنائها عن استيراد أصناف معينة من الخارج، أصبح واضحا للعيان بعد الاستخدام الواسع لتجربة البيوت البلاستيكية في عموم المحافظات والمناطق الزراعية وتحقيق النجاحات المتواصلة في زيادة الإنتاج ووفرة الحاصل الزراعي، حيث تشير الإحصائيات المعتمدة إلى اتساع استخدام هذا النوع من الزراعة في محافظات عدة، وكمثال على ذلك في محافظة كربلاء، إذ تشير الأرقام إلى ارتفاع عدد مستخدمي البيوت البلاستيكية الى اكثر من 2000 بيت بلاستيكي،الأمر الذي يتطلب تعميم تجربة الزراعة المحمية في المناطق التي شهدت في الآونة الأخيرة هجرة ريفية واسعة الى المدينة، أو فتوراً زراعياً لبعض الأصناف المهمة،الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات الطلب على البيوت البلاستيكية بشكل كبير إذ تم تسويق أكثر من 7000 بيت بلاستيكي إلى القطاع الخاص خلال السنوات الماضية.

وزارة الزراعة
- مصدر في وزارة الزراعة يقول: إن الزراعة المحمية في طريقها نحو الانتشار في عموم المحافظات،حيث تزداد أعداد البيوت البلاستيكية مع مرور الوقت،إذ تعد هذه الطريقة المثلى في الإنتاج لما لها من أهمية كبيرة في زيادته وإمكانية استمرار الاستفادة من الأرض بالمحصول السابق طيلة مدة إنتاج الشتلات، وإمكانية انتخاب الشتلات السليمة والخالية من الإصابات الحشرية والفطرية واستبعاد الشتلات غير المرغوبة، وكذلك الاقتصاد في كمية البذور وكمية المبيدات المستعملة والأسمدة الكيماوية وكلف العمل الخاصة برعاية الشتلات، مع إمكانية توفير الظروف البيئية (ضوء وحرارة ورطوبة ووسط زراعي)، ملائمة وبشكل مثالي لإنبات البذور.

المبادرة الزراعية
يقول الخبير الزراعي فؤاد العبيدي: إن الحكومة من خلال المبادرة الزراعية تتجه نحو تحقيق مزيد من الانجازات على الصعيد الزراعي، ففي وقت اقر فيه مجلس الوزراء قانوناً يحد بموجبه استيراد أنواع معينة من الفواكه والخضر , تسعى هيئة المستشارين واللجنة العليا للمبادرة الزراعية الى تفعيل العمل بالبيوت الزراعية البلاستيكية كخطوة تهدف الى زيادة المنتج المحلي والوصول الى مرحلة الاكتفاء الذاتي ورفد الاسواق المحلية بالمنتجات الزراعية.
ويضيف:هناك أهمية لإدخال الأسس العلمية الرصينة في رفع الإنتاجية الزراعية, بدلالة كفاءة الزراعة المحمية المتحققة في رفد السوق العراقية بأصناف معينة من المنتجات والأصناف التي يتم استيراد اغلبها من بلدان اخرى، مع تحقيق نجاحات ملموسة وتصاعد واضح في وتائر العمل والانتاج الوفير، الامر الذي ادى الى توفير الخضر المحلية، خاصة بعد ان اعلنت وزارة الزراعة تحديد استيراد جميع محاصيل الخضر من خارج العراق في اكثر من مناسبة.
- ان الخطوة التالية ستكون للمحافظة على المنجز الزراعي وحماية المنتج المحلي مع المضي قدما نحو توسيع قاعدة الزراعة المحمية على أسس علمية والإدارة الحديثة للإنتاج المحلي، و ضرورة دعم وتنشيط مصانع التعليب وعمليات التوظيب والتغليف، اضافة الى دعم شركات التسويق والتخزين المبرد الى جانب دعم المنافذ التسويقية (علاوي الخضر)واعتماد البذور المنتجة محليا كبذور الباذنجان وغيرها وهي لن تتحقق بمجملها من دون وجود الدعم الحكومي المناسب لتطوير تجربة الزراعة في البيوت البلاستيكية أنموذج الزراعة المحمية في العراق.

الإنتاج وحاجة السوق
الدكتور مالك التميمي أستاذ علم الإدارة في جامعة بغداد يقول: من الضروري إيجاد دراسة دقيقة عن كميات الانتاج،مع وضع معالجات حقيقية للمشكلات التي يعانيها السوق المحلي على وفق إجراء تحريات واستبيانات لحاجة السوق الفعلية في الوقت الراهن،واعداد دراسة دقيقة حول الانتاج وحاجة السوق،لاسيما ان الارقام والجداول الصادرة عن الجهات الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة روتينية وغير دقيقة، كما أشرت وجود ضعف كبير في التدريب، مع أهمية إعداد خارطة استثمارية بالمساحات الزراعية المطلوب استثمارها في الزراعة المحمية والعمودية.
ويضيف: أن هناك جملة من الحلول التي بمقدورها إنعاش القطاع الزراعي في عموم المحافظات والمناطق, وجعل هذا القطاع قادرا على رفد السوق المحلية بعدد كبير من الاحتياجات التي يضطر العراق الى استيرادها حاليا من دول الجوار ولكي يكون رافدا مهما وحيويا في دعم موازنات البلد المالية المقبلة،وعدم الإبقاء على المردودات المالية المتأتية عن طريق بيع المشتقات النفطية، لاسيما ان العراق يضطر الى دفع اموال طائلة بغية استيراد اصناف عدة من المزروعات ما تسبب بخسائر فادحة لهذا القطاع المهم، مع اهمية ان تقوم الدولة بشراء انتاج الفلاح عند انخفاض الاسعار من اجل الاطمئنان على مستقبله وزراعته، خاصة مع وجود ضعف في الارشاد الزراعي، ولا بأس هنا ان يصار الى تدريب الطالب المتخرج من كلية الزراعة سنة واحدة في الحقل مع الفلاح لكي يكون ناجحا في عمله أسوة ببعض الدول المتقدمة.
ويتابع: من اجل النهوض بالواقع الزراعي في البلاد فلابد من التشجيع على زراعة الاشتال الجاهزة (الدايات واستخدامها في الزراعة بدلا من البذور)،و اعتماد الإدارة الحديثة في إنتاج محاصيل الخضر، و وضع دراسة في تقليل كلف النقل والخزن، و وضع دراسة عن التصنيف والتوظيب والتعبئة والتغليف للخضر المحمية، و النهوض بالبذور المنتجة محليا مثل الباذنجان وغيرها، و توفير مستلزمات الإنتاج (بذور ذات إنتاجية عالية، أسمدة ورقية، مبيدات فطرية والذبابة البيضاء)، و تنشيط المعامل القائمة حاليا (التعليب والمعجون) ودراسة معوقات الإنتاج ودعم إنشاء معامل التعليب الصغيرة والمتوسطة بالقروض الزراعية، و ربط قروض المبادرة الزراعية بخطة الحفاظ على إنتاج الزراعة المحمية وحماية المزارع، و دعم وتوفير منظومات النمو والنحل الخاص بتلقيح الأزهار.