التناص الأسطوري في المسرح

Saturday 7th of June 2014 07:52:56 PM ,

ملحق اوراق ,

بشار عليوي
(منذ اكثر من عقد من الزمان وهذه الدراسة أسيره رفوف المكتبة الخاصة في البيت حيث كنت حريصا عليها كأنها طفل ملفوف بورق ناعم لا أريده ان يرى النور خوفا وحرصا لأنها البكر المنجز، وبعد هذه الفترة التي ليست بالقصيرة وجدت لزاما علي وبعد إلحاح اكثر من صديق ان أحولها الى كتاب وفعلا رايتها في البدء مجازفة، ولكن حركية المجتمع واطلاعي على بعض ماهو منجز في هذا الاتجاه

وجدت واجبارا ان أحولها الى كتاب لأني كنت أرى فيها الرسالة افضل من الكتاب) , بهذهِ المُقدمة يفتتح الكاتب د. أياد كاظم السلامي مؤلفهِ البكر (التناص الأسطوري في المسرح , والصادر حديثاً عن مؤسسة الصادق الثقافية للطباعة والنشر والتوزيع في بابل ودار الرضوان للنشر والتوزيع في عمان. الكتاب يقع في 240 صفحة من الحجم الكبير في ستة فصول. حمل الفصل الأول عنوان (تأصيل المفاهيم) وقد عُنيَّ بتوضيح مفاهيم مهمة في ساحة النقد الادبي الوافد وتحديدا التناص الذي شغل العرب ولم يسموه بعينه وجاء النقاد الأوربيون فوضعوا له بعض التعريفات التي اشار اليها المؤلف في سياق هذا الفصل ومن ثم تم تحديد الأسطورة والتعرف على بعض التعاريف ويعرفها المؤلف بـ(هو كل العقائد والشعائر والممارسات التي يتناولها الإنسان القديم في التعبير عن حاجته ودوافعه النفسية والاجتماعية والدينية) ومن ثم يتساءل هل لها يوجد ارتباط (تناص) فكري بنائي ووظيفي بين الأساطير البابلية القديمة (الأكدية) المدونة منها والمترجمة عن اللغة المسمارية مع نصوص مسرحية عراقية؟ حيث إن عملية الكشف عن المضامين الأسطورية القديمة وكيفية تحديثها على وفق مشكلات العصر وهمومه بأطر جمالية وإبداعية على وفق عناصر الدراما الرئيسة من خلال كتابة نصوص مسرحيه تتعالق و تمتص من رحيق الأساطير، وهنا يمكن إن يفيد الباحثين (دارسي النص المسرحي) ومرجعياته الفكرية والبنائية.
أما الفصل الثاني فقد تعنون بـ(مفهوم التناص والموروث العربي القديم) شاملاً على الموروث العربي القديم الذي يعد اللفظ والمعنى جوهر الأدب وعموده الأساسي ولا يتم إنتاج نص من دون استعمالهما ويبقيان مؤطرين بأشكال محددة ومدى ارتباطه بالسرقة والتضمين والاقتباس والانتحال والتثاقف. وتأصيلاً لمصطلح التناص في ساحة الخطاب النقدي العربي فقد تم التعرف على جذوره العربية بوصف اللغة العربية عالية البلاغة ولم تخل من باحثين في المنطق والنحو والصرف والبلاغة، فالتمهيد التاريخي كان مسحةً سريعة لبعض الآراء والمسميات للمصطلح. فنلاحظ استعماله دون تدوينه الحرفي، وهذا يقودنا إلى تطابقه مع ما ظهر حديثاً في استعمال المصطلح بمكوناته الشكلية والموضوعية ولا يمكن تخطي المنتج والمتلقي كونهما منتجي النص، فالأول يعتمد على مرجعيات شكلية وموضوعية، والثاني على ما يحمله من ثقافة راسبة سابقة ومتزامنة. وبعدها يمكن معرفة أنواع التناص ومرجعياته الفكرية وآليات اشتغاله وأنواعه وصولاً إلى معرفة ما التناص. إما الفصل الثالث فقد جاء تحت عنوان (المنظرون الاجانب المعاصرون) اذ كتب المؤلف عن البدايات أو المهادات الأولى لتشكيل مفهوم التناص من خلال بعض الأسماء والمنظرين الأجانب بدءا بميخائيل باختين مرورا بمؤسسة المفهوم بصورته النهائية الباحثة البلغارية الأصل الفرنسية الجنسية جوليا كريستيفا وما تلاها من منظرين منهم وبارت تودوروف , فباختين عين أنماطاً محددة للحوارية تشير إلى"نوعين من (التحويل) أحدهما بسيط، ظاهر والآخر معقد وخفي أو مستتر فقد نمّطَ باختين التداخلات النصية في الخطاب الأدبي إلى:
1. التهجين: وهي عملية"المزج بين لغتين داخل ملفوظ واحد، وهو ايضاً التقاء وعيين لسانيين مفصولين بحقبة زمنية [وبفارق] اجتماعي أو بهما معاً، داخل ساحة ذلك الملفوظ.
2. تعالق اللغات القائمة على الحوار: لقد قسم التعالق إلى الأسلبة والتنويع. فالأسلبة لا يوجد فيها نظام واحد مباشر للغتين داخل ملفوظ واحد. بل هي لغة واحدة مسحوبة لغرض التحيين واللفظ، باستخدام اللغة الاخرى التي تبقى خارج فلك الملفوظ ولا تحضر ولا تتحين فهي تختلف عن الأسلوب المباشر عند المنتج بأسلوبيته المعاصرة وما يحدث عند المتلقي و"الذي يعاد على ضوئه خلق الأسلوب المؤسلب ومن خلاله يكتسب دلالة واهمية جديدتين"، وهنا تتم محاكاة الموضوع بصورته المعاصرة الطافحة في النص اسلوبياً، أما التنويع فهو عند اخذ جزء من نص يعطي غير ما يعطيه عندما يكون نصاً كاملاً.
3. الحوارات الخالصة: وهي لغة خالصة، لغة المرسل (المنتج) الآني فتنعدم الحوارية الداخلية بين المرسل المعاصر والمرسل القديم والمثال هنا قصيدة القناع. فأما ان يتغلب صوت الشاعر المعاصر أو تطغى الشخصية التي تقنع بها. وهذا يشغل حيزاً كبيراً في المتن الحكائي للنص المسرحي، فتارة يتحدث منتج الحوار في النص (المؤلف) بلغته واسلوبه، وتارة يقوم بالتحدث بلغة الشخصية كي يعطيها بعدها الحياتي والجسماني والنفسي من خلال التصريح بحواراتها.
وفي الفصل الرابع الذي عنون بـ(مفهوم التناص لدى العرب المحدثون) بعض من أمثال سعيد يقطين وصبري حافظ وشجاع العاني وتماهت الأفكار بل وكانت تحاكي لما طرحه الأجانب بخصوص التعالق النصي بنائيا ومفهوميا.
إما الفصل الخامس فقد عرج فيه المؤلف على مفاهيم الباحثين في عالم الأسطورة على وفق مناهج ومدارس فكرية تركت اثأرا أو مفاتيح للدارسين والباحثين لاكتشاف الطبقات العميقة والأغوار التي تميزت بها الأسطورة. بسبب التداخل الحاصل في أسبقية منهج على أخر، فقد تم الكشف عن بعض الأفكار التي طرحها الرواد في المناهج الأسطورية وفقاً لأسبقية مراحل حياتهم وهي(المنهج التطوري: جيمس فريـزر، المنهج الدينـي:مرسيا إلياد،المنهج الوظيفـي مالينوفسكي، وفي المنهج النفسـي: الذي تناولنا فيه سيغموند فرويد وكارل كوستاف يونغ واريش فروم وفي المنهج البنـائي: كلود ليفي شتراوس.
وفي الفصل السادس والاخير نطالع تطبيقات عملية تحليلية لنصوص مسرحيه حددت بـ (22) نصا مسرحيا تناولت الأسطورة البابلية القديمة من أجل كشف مفهوم التناص للمسرحيات فيما تركزت التطبيقات على (3) نصوص مسرحية هي (آدابا/معد الجبوري) و(الخليقة البابلية/ثامر عبد الكريم) و(الليالي السومرية/لطفيه الدليمي)، أما الفصل السابع فقد اشتمل على النتائج التي توصل إليها المؤلف من خلال الكشف عن العلاقة التناصية بين الأسطورة البابلية والنص المسرحي العراقي المعاصر ومدى هذه العلاقه،وظهرت استنتاجات مبنية على ما ظهر من نتائج، وأوصى الباحث بتوصيات تدخل في لب تطوير المنتج الإبداعي البابلي الأسطوري والنص المسرحي العراقي المعاصر , جدير بالذكر أن المؤلف د. السلامي , هو من مواليد بابل 1961 , دكتوراه تربية مسرحية وتدريسي في كلية الفنون الجميلة _ جامعة بابل , مبارك للكاتب د. أياد كاظم السلامي , صدور مؤلفهِ الأول , الذي هوَ في الأصل رسالتهِ في الماجستير , وهو جُهد معرفي يُحسب له.