اخر لحظات الثورة في لبنان..

Monday 16th of February 2015 06:04:54 PM ,

كان زمان ,

بيروت – من جميل عارف:
انتهت الثورة في لبنان.. وتشكلت وزارة جديدة برئاسة رشيد كرامي.. وتضم اربعة وزراء فقط يمثلون كل الاتجاهات السياسية.
وزارة كل مهمتها ان تعود بلبنان الشقيق إلى حياته الطبيعية..
وفي هذا التحقيق الصحفي السريع يروي جميل عارف قصة اللحظات الاخيرة في الثورة..

عشت في بيروت في اللحظات التاريخية التي انتهت معها ثورة لبنان.. كانت لحظات حاسمة في تاريخ شعب لبنان..
وعرفت سر الاتصالات التي قام بها الجنرال فؤاد شهاب رئيس الجمهورية الجديد لتهدئة الحالة.
ان الفضل يعود اليه وحده في انقاذ لبنان الشقيق من الفتنة الطائفية التي كادت ان تعصف باستقلاله.. وتحطم كيانه ووحدته..
والفضل يرجع اليه وحده ايضا في السيطرة على الموقف.. والقضاء على مؤامرات العناصر الاستعمارية التي حاولت اثارة هذه الفتنة الطائفية.
واسمعوا قصة الدور المثير الذي قام به الجنرال فؤاد شهاب لتهدئة الحالة في لبنان من اولها..
لقد كانت كل التقارير التي تصل اليه تؤكد ان الحالة تتدهو من سيئ إلى أسوأ وكانت بعض هذه التقارير تقول:
الموقف يمكن ان يفلت في اية لحظة.. كانت الاعصاب كلها متوترة..
وكانت بيروت تعيش في حالة رعب مثير..
كانت الكتائب تخطف انصار المقاومة الشعبية..
وكانت المقاومة الشعبية تنتقم لنفسها ولم يعد اي واحد يأمن على نفسه عندما يخرج من بيته.
كان عليه ان يضع في اعتباره دائما احتمال عدم عودته الى البيت مرة اخرى.. وكانت نفس التقارير تقول ايضا: ان محاولة اثارة الفتنة الطائفية في لبنان ليست سوى جزء من مؤامرة رهيبة تدبرها بعض العناصر الاستعمارية حتى تجد القوات الامريكية مبرراً لبقائها فترة اخرى من الوقت في لبنان.
تمثال العذراء في بيته!
وأذكر انني ذهبت الى ضابط في وزارة الدفاع اللبنانية.. ويعتبر من اقرب الناس الى الجنرال فؤاد شهاب..
وفهمت رأي الجنرال في الموقف.. انه كرجل عسكري يعتبر نفسه محدداً لإنقاذ بلاده من المحنة التي كادت تعصف بكيانه واستقلاله..
والشيء الذي لا يعرفه كثيرون عن الجنرال انه رجل متدين الى حد كبير..
وهو يحتفظ الى جوار سرير نومه في بيته بتمثال صغير للسيدة العذراء.. وفي كل يوم عندما يصحو من النوم يقوم من سريره ويصلي.
انه يبتهل الى الله ان ينقذ لبنان من محنته..
ويحتفظ الجنرال بهذا التمثال في بيته منذ كان ضابطا صغيراً.
حكومة عسكرية.. أو!
نعود الى الدور المثير الذي قام به الجنرال شهاب لتهدئة الحالة في لبنان.. لقد قام باتصالات مستمرة.. واول هذه الاتصالات بدأ مع زعماء الجبهة الوطنية.. لقد دعاهم الى اجتماع عقده في بيته واستغرق نحو الاربع ساعات.
وفي هذا الاجتماع تكلم الجنرال بصراحة قال: ان الموقف لم يعد له سوى حل واحد من حلين!
* ان تشكل حكومة ائتلافية برئاسة رشيد كرامي على ان تتمثل فيها كل وجهات النظر بعدد متساو من الوزراء.. ويطلق عليها اسم حكومة الاتحاد الوطني.
وتكون مهمة هذه الحكومة تهدئة الحالة وجمع الاسلحة حتى تعود الحياة في لبنان الى حالتها الطبيعية..
* او ان تستقيل حكومة رشيد كرامي.. وتحل مكانها حكومة عسكرية برئاسة ناظم عكاوي مدير غرفة رئاسة الحكومة اي سكرتير عام مجلس الوزراء.. وتضم ثلاثة او اربعة من ضباط الجيش كوزراء عسكريين وكان ناظم عكاوي يشغل نفس المنصب الذي يشغله الآن.. وقد اسندت اليه رئاسة الحكومة المؤقتة التي شكلت في اواخر سنة 1952 بعد استقالة الشيخ بشارة الخوري من منصب رئيس الجمهورية..
إعلان الأحكام العرفية!
لقد ظل زعماء الجبهة الوطنية اربع ساعات يتداولون مع الجنرال في الموقف وكان صائب سلام قد خرج من معقله في حي المعيطية لاول مرة منذ نشبت ثورة لبنان وذهب الى بيت الجنرال ليشهد هذا الاجتماع..
ولا يعرف كثيرون ان الطريق بين بيروت وضاحية جونيو حيث يعيش الجنرال يسر في منطقة عرفت بانها من معاقل الكتائب.. وقد قامت سيارات الجيش اللبناني المصفحة بحراسة سيارات زعماء الجبهة الوطنية في طريقهم الى بيت الجنرال وفي هذه الليلة.. استقر الرأي على ان يستقبل رشيد كرامي..
لقد كان الموقف خطراً للغاية.. واراد زعماء الجبهة الوطنية ان يفوتوا الفرصة على العناصر الاستعمارية التي كانت تعمل جاهدة لإثارة الفتنة الطافية في لبنان..
وتقرر ان يتم تشكيل الحكومة العسكرية في نفس الليلة. واتفق في هذا الاجتماع على ان تبادر الحكومة الجديدة بحل المجلس النيابي.. واعلان الاحكام العرفية..
وتم الاتفاق ايضا على اسماء الضباط الذين وقع عليهم الاختيار للاشتراك في الحكومة الجديدة كوزراء عسكريين..
عدل عن الاستقالة!
وعاد رشيد كرامي الى بيته في بيروت.. ولم يكن قد مضى عليه اكثر من 12 يوما كرئيس للحكومة.. وفوجئ بالبيت كله يهتز تحت هتافات رجال المقاومة الشعبية الذين حاصروا البيت من كل ناحية.. واندفعوا في ارجائه يطالبونه بعدم الاستقالة.. وكانت انباء استقالة الحكومة قد انتشرت في جميع انحاء بيروت..
وتصور رجال المقاومة الشعبية ان استقالة رشيد كرامي يمكن ان تصيب الثورة بنكسة لم يتوقعوها وخاصة بعد ان استجابوا لنداءاته ورفعوا المتاريس. وقالوا له: اذا استقلت اعدنا المتاريس في دقائق.. واضطر رشيد كرامي حتى لا تعيد المقاومة الشعبية المتاريس ان يعلن انه لن يستقيل!
أول اجتماع منذ 3 سنوات!
ومرت ستة ايام بعد عدول رشيد كرامي عن الاستقالة.. وكان الموقف قد اخذ يتدهور بسرعة وخاصة بعد ان اغتيل وحيد الصلح، من عائلة سامي الصلح.
وكان الجنرال شهاب لايزال مستمرا في اتصالاته..
بادر بالتدخل، ولكن بصورة اخرى طلب الى بيير جميل ان يزور رشيد كرامي لمحاولة ايجاد حل للازمة.. ورحب رشيد كرامي بالفكرة. كان يريد ان يجد حلا للموقف بأي ثمن حتى يفوت على العناصر الاستعمارية مؤامراتها ومناوراتها.
وحتى ينقذ لبنان من الفتنة الطائفية التي كادت تعصف بكيانه.
وأذكر انني كنت موجودا عندما جاء بيير جميل الى وزارة الدفاع اللبنانية حيث كان رشيد كرامي في انتظاره.
لقد وصل في سيارة تحرسها احدى مصفحات الجيش اللبناني. وقد رأيته وهو يدلف مسرعا الى مبنى الوزارة.. ورأيته وهو يهرول ويصعد درجات السلم الى الطابق الثاني حيث كان رشيد كرامي في انتظاره.
ودام الاجتماع بين الاثنين ساعتين كاملتين.
وتم الاتفاق في هذا الاجتماع على اشتراك بيير جميل في الوزارة وكانت اول مرة يلتقي فيها الاثنان منذ اكثر من ثلاث سنوات!
خلاف بين الكتائب والقوميين!
بقي شيء واحد..
لقد اثار اشتراك بيير جميل في الوزارة الجديدة خلافا مثيرا في صفوف القوميين السوريين.. والمعروف ان ثورة لبنان كشفت عن الصراع الخفي الذي كان يدور بين اسد الاشقر زعيم هؤلاء القوميين السوريين في الوقت الحاضر، وجورج عبد المسيح الذي عزل من زعامتهم منذ عدة سنوات.
وزاد في حدة هذا النزاع!
* أن اسد الاشقر اعلن انه يفضل ان يقف موقف التحفظ من الفتنة الطائفية التي كادت تهدد كيان لبنان.,
وكان في موقفه يخشى ان ينفضّ بعض القوميين السوريين من حوله. وعلى العكس اعلن جورج عبد المسيح ان الفرصة مواتية امام القوميين السوريين للمساهمة في اعمال العنف والتخريب.
وجورج عبد المسيح سبق ان حكمت عليه المحكمة العسكرية في لبنان في عهد المغفور له رياض الصلح بالاعدام، وقد جاء الى بيروت في عهد سامي الصلح، ليعيش في لبنان بحرية، وفي حماية حكومة سامي الصلح!
وحكمت عليه المحكمة العسكرية في دمشق ايضا بالاعدام في قضية اغتيال عدنان المالكي..
واخيرا..
لقد انتهت الثورة في لبنان انتهت الثورة، والمفروض الآن ان تعود الحياة فيها الى حالتها الطبيعية.
انتهت الثورة، ولكن بعد ان فشلت كل مؤامرات العناصر الاستعمارية لاثارة الفتنة الطائفية في لبنان.
لقد فشلت كل هذه المؤامرات.. والفضل كله يرجع الى وعي شعب لبنان والدور الذي لعبه الجنرال فؤاد شهاب رئيس الجمهورية..

آخر ساعة /
تشرين الاول- 1958