الذين يحبون الشوك.. صراع اليابان مع الحداثة

Saturday 21st of February 2015 08:24:08 PM ,

ملحق اوراق ,

كاظم عبد الحليم
في النصف الاول من القرن العشرين انشغل اليابانيون في قضية الحداثة الى درجة الانقسام. وكان غونشيرو تانيزاكي احد الذين تصدوا لهذه القضية بشراسة. فروايته المعنونة"الذين يحبون الشوك"والتي قامت"المدى"بطباعتها بترجمة الدكتور عابد اسماعيل تدافع بقوة عن الحداثة والتغيير في المجتمع الياباني من خلال رصد علاقة زوجية في منعطف خطر حيث يظهر بجلاء الصراع بين القديم والجديد، فميساكو الزوجة مأخوذة بكل ما هو اجنبي وجديد، وزوجها كانيم منجذب أكثر فأكثر لكل ما هو تقليدي.

في عام 1923 دمر زلزال مدينتي طوكيو ويوكوها فقال غونشيرو تانيزاكي عن هذا"الان سوف يجعلون من طوكيو مدينة محترمة. لم استطع ان اخفي هذا الخاطر السعيد". وقتها لم يكن تانيزاكي يملك من خيار سوى هدم الماضي وبناء مدن حديثة تتماشى مع العصر. ان هذا الحلم بالحداثة هو الذي خلق قوة اليابان بعد ذلك وجعلها تظهر كقوة كبرى في الحرب العالمية الثانية. لكن نظرة تانيزاكي ليست بالسذاجة التي تنجذب الى كل ما هو براق فهو يؤمن باصالة اليابان ولا يريدها ان تبقى أسيرة الخرافة وانما ان تنهض بنفسها وتطور رؤيتها وتعرف مكانها من العالم.
رواية (الذين يحبون الشوك) هي سيرة تانيزاكي نفسه وتتحدث عن زواج غير سعيد بين شخصين يشعران بحيرة بشأن ما يجب فعله. الكاتب يتميز باسلوب حاذق شأنه شأن الاسلوبيين اليابانيين الذين يسعون الى نثر حالم ورقيق وهو لا يحب ان يكون لطيفا مع قارئه ويقدم له كل الجوانب بوضوح، فاليابان من وجهة نظر غونشيرو تانيزاكي تحتقر الحقيقة العارية وتحب ان تضع فاصلا رقيقا بين الشيء وحقيقته. هذه النظرة الفنية التي يتمتع بها غونشيرو تانيزاكي صنعت شهرته في بلاده كما انها ميزته ككاتب يريد قول أشياء بطريقة أصيلة وبدون اللجوء الى ثقافات متعاكسة وهذا بالتحديد ما جعل تانيزاكي شخصية أدبية فاعلة في المجتمع وقيادية نجحت في استمالة الشباب.
على الياباني ان يكون يابانيا حتى العظم. هذه هي حكمة رواية (الذين يحبون الشوك). وغونشيرو تانيزاكي لا يرى في الشخصية اليابانية التقليدية التي تجمع المال وتتمتع بمباهج الترف والامتيازات اي فرصة في النجاح ما دامت تفكر وتنتج برخاوة بعيدة عن روح اليابان وقريبة من الغرائز والميول الشرهة. انه في هذه الرواية كما في اعماله الاخرى يدعو الى اعادة النظر بالشخصية اليابانية وتحديثها انطلاقا من الهوية اليابانية نفسها وعدم ترك الطبقات الاجتماعية المترفة تدمر بنزعتها المتكبرة الروح اليابانية الأصلية.
الأدب الياباني ثر وفيه الكثير من التنوع وهو حتى في تأثره بالأدب الصيني أو بالآداب الأجنبية الأخرى فانه يعبر عن نمو الاختلاف عند اليابانيين وبطريقة لا تتقاطع مع الارث الثقافي المشيد من ابداعات باهرة. ان غونشيرو تانيزاكي هو واحد من ابرع كتاب اليابان الذين ساهموا بشكل فعال في رصد المتغيرات في الشخصية اليابانية وهي تنمو لتظهر بجلاء للعالم وتنال استحقاق الاحترام.