استجلاء قضية ( اجتماع الكاظمية ) وافشاء سر الاجتماع ..

Sunday 26th of April 2015 05:55:49 PM ,

ذاكرة عراقية ,

■اسراء خزعل ظاهر
شعر بعض الضباط الأحرار بضرورة تشكيل قيادة تتولى تنظيم عمل جماعة الضباط الأحرار، وبعد اتصالات فردية جرت بين أعضاء التنظيم تقرر الدعوة إلى عقد اجتماع عام 1956 ، وبالفعل تم عقد الاجتماع في مشتمل يعود إلى المحامي صفاء إبراهيم العارف، شقيق إسماعيل إبراهيم العارف، في الكاظمية (كانت هذه الدار تقع على قطعة ارض مسيجة في ضاحية الكاظمية في مزرعة لم يكن قد بني عليها أي سكن حتى ذلك الوقت وكانت مكتظة بأشجار النخيل وبعيدة عن المارة والمراقبة يطلق عليها اسم " بستان ألجلبي".



لدراسة حالة التنظيم ولوضع أسس العمل وقد حضر الاجتماع كل من المقدم رفعت الحاج سري والعقيد الركن عبد الوهاب الأمين وكان يشغل منصب مدير شعبة الحركات العسكرية في وزارة الدفاع والعقيد الركن إسماعيل العارف سكرتير رئيـس أركان الجيش والمقدم صالح عبـد المجيـد السامرائي آمر سرية دبابات (أشار صبيح علي غالب إلى أن المحامي صفاء العارف ومحي الدين عبد الحميد كانا حاضرين, فعلق على ذلك رجب عبد المجيد بالعبارة الآتية: " لم يكن صفاء ولا محي الدين عبد الحميد حاضرا الاجتماع ) وقد اعتذر عن الحضور كل من عبد الكريم قاسم وعبد الوهاب الشواف ومحي الدين عبد الحميد لعدم تمكنهم من المجيء إلى بغداد وترك مقرات عملهم بالنظر لما أبداه البعض من الصعوبات الإدارية والمحاذير الشخصية .
كانت الجلسة غير فاعلة ولم يحاول أي من الحاضرين البدء بالحديث إذ لم يكن النصاب كاملا إذ لم يحضر الاجتماع ثلاثة من الضباط الذين يعدون أكثر أعضاء الهيئة العليا أهمية لان اثنين منهم يقودان قطاعات فعالة منفذة فهم أجدر بالحديث وإبداء الرأي في الثورة من الثلاثة الحاضرين الذين سبق لهم أن اشبعوا الخطة المقترحة بحثا عدا عبد الوهاب الأمين المنضم حديثا كما أضفى وجود الأخير شيئا من الوجوم والتلكؤ في الحديث فحاول إسماعيل العارف في البداية صرف الحديث عن الموضوع مستطلعا رأي الحاضرين في صلاحية هذه المنطقة لسكنى الضباط إذ كانوا يبحثون عن ارض سكنية لشرائها لجمعية بناء المساكن التعاونية للضباط والتي كان إسماعيل العارف عضوا في هيئتها التأسيسية المؤلفة حديثا.
وبعد ذلك جرت مناقشة عامة حول أهداف تنظيم الضباط الأحرار ومستقبل وشكل الحكم المنتظر بعد نجاح عملية التغيير وكان الحديث في البداية حذرا بالنظر لكون حضور عبد الوهاب الأمين كان لأول مرة معهم ولم يسبق له الاجتماع بأي واحد منهم سوى رفعت الحاج سري وربما كان تعيينه بمنصب مدير شعبة الحركات بعد نقل إسماعيل العارف هو الذي دفع برفعت الحاج سري وبصالح مهدي عماش لمفاتحته في أواخر سنة 1955 نظرا لأهمية منصبه في نقل وتعيين الضباط المنتمين إلى الحركة وقد أثيرت بعض الأسئلة أثناء الاجتماع عن مصير الحكم بعد نجاح الثورة وعن اشتراك بعض القوى السياسية الوطنية وطرح عبد الوهاب الأمين سؤالا على إسماعيل العارف عما إذا كان متأكدا من انضمام عبد الكريم قاسم إلى الحركة وقد أثار سؤاله هذا لدى إسماعيل العارف شيئا من الريبة فتحاشى الأخير الإجابة المباشرة.وتم عرض مجمل الخطة على المجتمعين دون الدخول في تفاصيلها نظرا لعدم حضور بقية الأعضاء.فقد تطرق المجتمعون لدراسة إمكانية القيام بحركة بمناسـبة تأسيس الجيش بمناورات في المنصورية التــي سيحضرها
الملك فيصل الثاني وعبد الإله ونوري السعيد .وذكر أن الخطة تتلخص في إلقاء القبض على الملك وأعوانه واعتقالهم هناك ثم ينفذ الجيش خطته بمساعدة الضباط الأحرار الموزعين في بغداد وأنحاء العراق الأخرى وتذاع البيانات من دار الإذاعة لإعلان الثورة.وانتهى الاجتماع دون الوصول إلى نتيجة على أن يعقد بأقرب وقت ممكن وترك تحديد ذلك والتأكيد على حضور جميع الأعضاء إلى رفعت الحاج سري وإسماعيل العارف.
اختلفت المصادر في تحديد تاريخ انعقاد اجتماع الكاظمية,فبعضهم أشار إلى انه انعقد في تشرين الأول عام 1956 ومن هؤلاء إسماعيل العارف الذي أكد انه عقد في يوم الجمعة الموافق الخامس من تشرين الأول 1956 في حين أشار آخرون إلى أن الاجتماع عقد في صيف عام 1956 وفي كل الأحوال لابد أن يكون الاجتماع قبل أيلول 1956، وذلك لان رئيس أركان الجيش رفيق عارف قام بالتحقيق مع رفعت الحاج سري، وتقرر اثر ذلك نقله إلى منصب ضابط تجنيد في قلعة صالح في لواء العمارة، حيث صدر قرار النقل في التاسع عشر من أيلول عام 1956.
وفي اليوم التالي لاجتماع الكاظمية وصل نبأ الاجتماع إلى رئيس أركان الجيش الفريق رفيق عارف إذ اخبره بذلك احد المجتمعين لكن رئيس أركان الجيش آثر أن يكتم اسم المخبر فأستدعي رفعت الحاج سري إلى وزارة الدفاع للاستجواب واخبره الفريق الركن رفيق عارف فورا انه يعرف بوجود المؤامرة وهدفها الحقيقي.وانه يملك ما يثبت كونه مذنبا، وانتهى إلى تهديده بتقديمه أمام المحكمة العسكرية، هو ورفاقه المتآمرين إلا أن رفعت نفى كل ما نقل إلى رئيس أركان الجيش من معلومات بصدد العمل السري وانه ليس متورطا في شيء كهذا على الإطلاق وان الأدلة زورت ضده من قبل أعداء بدافع الخبث ولأسباب شخصية وأكد له أن اللقاء مع الثلاثة الآخرين كان لقاءا اعتياديا بين أصدقاء وليس له أي علاقة بالتهمة الموجه إليه.
اقتنع رئيس أركان الجيش بعدم وجود أي تنظيم وليس هناك أي خطر يهدد نظام الحكم وفضل كتمان الأمر لتفاهة القضية في رأيه وتجنبا لعتاب ولي العهد أو رئيس الوزراء أو وزير الدفاع وهكذا اكتفى بنقل الضباط وإبعادهم.
أما نوري السعيد الذي وصله هو الآخر خبر الاجتماع فما كان منه إلا أن أمر بمراقبة إسماعيل العارف ومراقبة المكان الذي عقد فيه الاجتماع وقد اخذ مدير الأمن بهجت العطية هذا الأمر على عاتقه ورفع تقريرا إلى نوري السعيد بأسماء اثنا عشر ضابطا يتهمهم فيه بالأفكار اليسارية فأستفسر نوري السعيد من مرافقه في ذلك الوقت العقيد عبد الرزاق عبد الرحمن الجدة عن أولئك الضباط وعما إذا كانت لهم اتجاهات شيوعية فنفى العقيد عبد الرزاق الجدة التهمة المذكورة عن الضباط الموما إليهم، ولكن نوري السعيد لم يقتنع بذلك إنما اتصل برفيق عارف رئيس أركان الجيش وأمره أن يشدد الرقابة على سكرتيره إسماعيل العارف ويستوضح منه عن اجتماع الكاظمية وعن الضباط الذين حضروا الاجتماع.
جاء إسماعيل العارف كالمعتاد وباشر في عمله وعند وصول رئيس أركان الجيش دخل عليه وفي نيته أن يطلب منه الموافقة على نقله إلى منصب آمر كتيبة الدبابات المقرر تشكيلها حديثا من دبابات"سنتورين" المتطورة التي وافقت الحكومة البريطانية على تجهيز الجيش العراقي بها. وكان غرضه الاستفادة من السيطرة على الكتيبة في تنفيذ مخطط الثورة وهو ما كان قد تحدث به مع رفعت الحاج سري من قبل. وبعد أن وقع بعض الأوراق أبدى له إسماعيل العارف رغبته في أن يستلم قيادة تلك الكتيبة والإشراف على تشكيلها واختيار ضباطها, بدا رئيس أركان الجيش وكأنه كان يتوقع ذلك فأطلق ضحكة وقال بلهجة يشوبها المزاح والتهكم الدفين " أتريد قيادة كتيبة دبابات فقط إن لواء مدرعا قليل في حقك, نعم انك قادر على ذلك وتتمكن من استخدامها بمهارة كما تشاء وتنوي"
فأثار جوابه هذا الشكوك لدى إسماعيل العارف لما احتواه من غموض كما لو انه اكتشف سرا وزاد من تلك الشكوك التوتر الذي انتشر في وزارة الدفاع والإجراءات الاستثنائية التي أحاطت بدائرته حيث شعر بأنه مراقب من قبل مديرية الاستخبارات العسكرية وقد عزل عزلا تاما عن ممارسة أعماله اليومية فبدلا من أن يقدم المسؤولون بريد وحداتهم العسكرية إليه لعرضها على رئيس أركان الجيش اخذوا يتجهون إلى غرفته المجاورة مباشرة دون أن يحاول احد منهم الاتصال به.وبعدما اتضح الموقف لديه اتصل على الفور بالمقدم رفعت الحاج سري وأخبره بما أحس به من احتمال علم السلطة بالاجتماع ليتسنى له الاتصال ببقية الأعضاء لاتخاذ ما يلزم من أسباب الحذر. وبعد أيام بدأت الأوامر تصدر بنقل الضباط الذين حضروا الاجتماع الواحد تلو الآخر.
فنقل رفعت الحاج سري إلى منصب ضابط تجنيد في قلعة صالح في لواء العمارة، ونقل إسماعيل العارف إلى منصب ملحق عسكري في واشنطن، ونقل صالح عبد المجيد السامرائي إلى منصب ملحق عسكري في الأردن، وكان الوحيد الذي لم يشمله النقل هو عبد الوهاب الأمين.
تضاربت الأقوال حول الشخص الذي أفشى سر الاجتماع واتهم الحاضرون احدهم الآخر، ومهما يكن من أمر فأن غازي الداغستاني، وكان آنذاك معاونا لرئيس أركان الجيش، قد ذكر قبل وفاته أن عبد الوهاب الأمين هو الذي اخبر رئيس الأركان. ويؤيد هذه الرواية إبقاء عبد الوهاب الأمين في منصبه في وزارة الدفاع. أما إسماعيل العارف وصالح عبد المجيد السامرائي فيشير البعض أنهما أدليا باعترافات كاملة فكوفئا بتعيينهم في مناصب مهمة.
وقد أشار رفعت الحاج سري أن لديه ما يدعوه إلى الظن بان إسماعيل العارف هو الذي خانه، ولكن آخرين ظنوا بعبد الوهاب الأمين وظن غيرهم بصالح عبد المجيد السامرائي من ناحيتهما جعلت الحكومة من أمين ضابطا عاملا في إدارة التموين في وزارة الدفاع وأرسلت السامرائي إلى عمان مساعدا للملحق العسكري هناك.
لقد قيلت أقوال كثيرة واتهامات عديدة بهذا الخصوص وذكرت القرائن مع الاتهامات التي نسبت لإسماعيل العارف والاثنين اللذين ذكرا معه فمن القرائن التي ذكرت فيما يخص إسماعيل العارف ما يلي:-

1- إرساله إلى الولايات المتحدة في مهمة غير محددة وجعله بعد خمسة اشهر ملحقا عسكريا في واشنطن، وكاد هذا يدينه في أعين العديد من الضباط الأحرار، ولكن ربما كان المقصود به نوعا من التعتيم لتحويل الانتباه عن المخبر الحقيقي.

2- أن المقدم رفعت الحاج سري ذكر انه يشك في إسماعيل العارف وانه أرسل إليه تهديدا بالموت إذا ما ذكر شيئا آخر أو كشف ما يعرفه عن تشكيلات الضباط الأحرار.

3- قول رفيق عارف في انه أنقذ الحركة من جاسوس للسلطة مدسوس فيها وإبعاده خارج العراق لا ينطبق إلا على إسماعيل العارف وصالح عبد المجيد السامرائي.

4- قول العقيد محي الدين عبد الحميد" أن الذي أوشى باجتماع الكاظمية هو إسماعيل العارف وعبد الوهاب الأمين" فقيل له كيف ذلك قال" الذي أفشى أول الأمر هو إسماعيل العارف ثم أرسل رئيس أركان الجيش في طلب عبد الوهاب الأمين بناءا على اعتراف إسماعيل العارف وهدده وارهبه فأعترف هو الآخر وأيد أقوال إسماعيل العارف.

5- قول المقدم الركن عبد الكريم فرحان نقلا عن الفريق صالح مهدي عماش إذ ذكر : "بأن العقيد الركن إسماعيل العارف رفض العودة إلى العراق بعد قيام ثورة 14 تموز 1958 وحاول أن يطلب اللجوء السياسي في أمريكا والسبب هو وشايته بتنظيم الضباط الأحرار عام 1956 إلى رئيس أركان الجيش إلا أن الفريق عماش طلب من العقيد إسماعيل العارف بان يرسل رسالة إلى رئيس الوزراء يشرح له ظروفه ويطلب عفوه وبالفعل أرسل إسماعيل العارف الرسالة وبعد ذلك عاد إلى بغداد"

6- قول جاسم كاظم العزاوي انه بعد ثورة 14 تموز 1958 بمدة قصيرة أرسل إسماعيل العارف رسالة إلى المقدم وصفي طاهر، اطلع عليها جاسم كاظم العزاوي في حينها، يطالب فيها بإلحاح بالتحقيق وكشف اسم الشخص الذي وشى بالضباط الأحرار بسرعة، كما أرسل برقية إلى الاستخبارات العسكرية يلح فيها على سرعة التحقيق في الوشاية المذكورة.كان يريد بذلك الاطمئنان على نفسه، لأنه إذا ذكر اسمه في التحقيق فسيبقى في الولايات المتحدة الأمريكية حتى لا يحاكم ويعدم لكن عبد الكريم قاسم أرسل إليه رسالة مرحة يطمئنه فيها ويلمح له أن تلك القضية لن تفتح أبدا وبعد تسلمه تلك الرسالة جاء إسماعيل العارف إلى العراق.

7- أما عبد السلام عارف فيذكر:" بعد تشريد الضباط الأحرار كنا نتساءل من الذي وشى بالتنظيم... أما الذي ظهر بعد ذلك وبعد قيام الثورة فهو أن إسماعيل العارف قد ابلغ عن التنظيم بتعليمات من عبد الكريم قاسم الذي ابلغه أن لديه تنظيما آخر يمكنه الاستيلاء على الحكم، ويمكنه أن يعمل دون أن يحس به احد إذ انه سيصبح محل ثقة الحاكمين".

8-وهناك من يقول أن....."إسماعيل العارف هو الذي وشى بهم بتحريض من الشيوعيين الذين كان يتعاطف معهم للتخلص من منظمة رفعت الحاج سري وعناصرها الوطنية...أو لإغراضه ومصالحه الشخصية"

9- قول جاسم كاظم العزاوي، أن صالح مهدي عماش، الذي كان معاونا للملحق العسكري في واشنطن حينذاك، اخبره أن قائمة تنقلات صدرت في وزارة الدفاع وصلت نسخة منها إلى الملحقية العسكرية، وحين اطلع عليها إسماعيل العارف التفت نحوه وقال بانفعال : "لابد أن رفيق عارف قد أصابه مس من الجنون ! " ولم يزد على ذلك، كانت القائمة تقضي بنقل عبد الوهاب الأمين من رئيس شعبة الحركات في مديرية الحركات العسكرية إلى آمر اللواء الرابع عشر في الناصرية ونقل ناجي طالب إلى آمر اللواء الخامس عشر وأضاف صالح مهدي عماش قائلا:" بعد أن قرأت القائمة أدركت ما يعنيه إسماعيل العارف فقد كان يقصد كيف يسلم رئيس أركان الجيش هؤلاء الضباط قيادات وحدات فعالة وهو يعلم أنهم يقودون تشكيلات الضباط الأحرار كما اخبره" .

10- أما خليل كنه فقد ذكر...
" أن إسماعيل العارف هو الذي وشى بالكتلة وكشف أمرها إلى السلطات فقامت بإحالة بعض أعضائها إلى التقاعد.كما تم نقل القسم الآخر إلى التجنيد أما الواشي فقد كوفيء بتعيينه ملحقا عسكريا في واشنطن ويرى زعماء هذه الكتلة إن السبب الذي حمل إسماعيل العارف على كشف أمرهم إلى السلطات كان التمهيد لحركة عبد الكريم قاسم وضمان النجاح لها دون غيرها وهذا ما حمل عبد الكريم قاسم على مكافئة إسماعيل العارف بتعيينه وزيرا للمعارف".
وما زال سرا حتى اليوم من هو الذي خان رفعت الحاج سري من بين هؤلاء الضباط الثلاثة في عام 1956 وضغط عبد الكريم قاسم بنفسه على رئيس الأركان السابق رفيق عارف لكي يكشف هوية الخائن ولكن دون جدوى فإما انه لم يكن يعرفه أو انه حجب الاسم عن قاسم وبقي يصر حتى النهاية على أن ولي العهد لم يطلعه على هذا السر.
وذكر رفيق عارف كذلك لجاسم كاظم العزاوي، حينما اعتقله الأخير يوم الثورة وجلبه إلى معسكر الهندسة، وكان تحت تأثير الخوف وفاقدا أعصابه ما يأتي: " كانت لدي معلومات كثيرة عن تشكيلات الضباط الأحرار ونشاطاتهم منذ عام 1954، واعرف أكثر الأسماء" وذكر بين الأسماء عبد الوهاب الأمين ورفعت الحاج سري ومحي الدين عبد الحميد كما المح بان احد المندسين بينهم كان يخبره بحركاتهم، وذكر في أثناء محاكمته انه اكتفى بنقل رفعت الحاج سري إلى خارج بغداد بعد التحقيق معه، وانه نقل احد الضباط الذي كان يشكل خطرا على الضباط الأحرار، إلى وظيفة ملحق عسكري.
أثار إسماعيل العارف بعض من الشواهد التي تؤكد إدانة عبد الوهاب الأمين, في حين أن الذين يعرفون الأخير عن كثب يؤكدون استقامة الرجل إلى حد بعيد، والى انه فوق الشبهات في قيمه وتعامله، كما أن استمراره بالعمل في اللجنة العليا حتى قيام ثورة 14 تموز 1958 يدحض ويرد كل الأقوال بالوشاية,لكن الحقيقة تبقى غامضة ما لم تكشف وثائق تؤيد ذلك.
لقد أشار إسماعيل العارف إلى أن صالح مهدي عماش اخبره، وكان يعمل في مديرية الاستخبارات العسكرية، وهو من الأعضاء المنتمين إلى حركة الضباط الأحرار، بأن اجتماعا جرى في غرفة الخرائط بوزارة الدفاع بعد انكشاف اجتماع الكاظمية كان يحضره رئيس أركان الجيش ومدير الاستخبارات العسكرية واللواء غازي الداغستاني معاون رئيس أركان الجيش وعبد الوهاب الأمين مدير شعبة الحركات وقد انفلت من فم رئيس أركان الجيش تعليقا كشف عن علاقة عبد الوهاب الأمين بالوشاية وفضح سر اجتماع الكاظمية حين التفت رئيس أركان الجيش إلى عبد الوهاب الأمين قائلا له: " عبد الوهاب يريدون اقتناصنا هنا في هذا المكان ؟ " وأشار إلى معسكر المنصور على الخارطة ثم ضحك ضحكته المعهودة.
وأكد إسماعيل العارف في رسالته إلى صبحي عبد الحميد في الثاني عشر من تموز 1971 انه اخبره احد الضباط الذين تم توقيفهم بعد ثورة 14 تموز بأن حديثا جرى بين رفيق عارف وبقية الضباط الموقوفين في السجن عن أسباب عدم اتخاذه الإجراءات الكفيلة للقضاء على تنظيم الضباط الأحرار، فأعترف أمامهم بأنه كان يراقب حركاتهم مراقبة دقيقة، لأنه يعتمد على احدهم الذي اتفق معه على إعلامه بكل الخطوات التي سيتخذونها قبل التنفيذ وان الإجراءات متخذة للقبض عليهم وهم متلبسين بالعمل التآمري غير أن جهل هذا الشخص بيوم التنفيذ مما ضيع الفرصة وان هذا الشخص هو عبد الوهاب الأمين.
وذكر إسماعيل العارف ان وفيق عارف( أخ رئيس أركان الجيش) اخبره سنة 1966 بعد إلحاحه عليه عن الشخص الذي اخبر أخاه عن اجتماع الكاظمية وبعد التلكؤ أكد له بأن الذي قام بالإخبار هو عبد الوهاب الأمين وانه أكد له ذلك رفيق عارف شخصيا وذلك عندما التقى به في احد الدوائر الرسمية قائلا:" كان هذا الشخص من الذين كنتم تعتمدون عليهم " ويقول إسماعيل العارف أيضا: " أكد لي الفريق المتقاعد عباس علي غالب ذلك في مقابلة لي معه بعد عودته إلى بغداد من لبنان بأن رفيق عارف اخبره بان عبد الوهاب الأمين كان موكولا له أن يكون عينا على التنظيم منذ زمن بعيد حيث أن السلطة كانت تعلم بوجوده ولكن لم يكن مكشوفا لديهم وانه كان يعتمد عليه وهو واثق بان السلطة سوف تقضي على التنظيم في مهده بعد أن يكتشف جميع أعضائه عن طريق عبد الوهاب الأمين ولكن كتمان عبد الكريم قاسم وعدم وصول موعد التنفيذ لعبد الوهـاب الأمين حال دون القضاء على التنظيم".
ويواصل إسماعيل العارف قائلا : " وقد علمت من مصدر ثقة بان هناك اتفاقا بين عبد الوهاب الأمين وبين رئيس أركان الجيش ومدير الاستخبارات وبعض المنتمين من الضباط ذوي القيادات الهامة في العهد الملكي, عن تنفيذ خطة امن خاصة للقبض على ضباط الثورة أثناء التنفيذ وكان عبد الوهاب قد واجه رئيس أركان الجيش حال عودته من الأردن يوم الثالث عشر من تموز 1958 في داره واخبره بان احتمالا كبيرا بحدوث الثورة قريبا غير انه لحسن الحظ لم يكن يعلم بيوم التنفيذ".
وبعد اجتماع الكاظمية الذي كان إنذارا للفئة الحاكمة عن وجود الفكرة الثورية بين الضباط قامت مديرية الاستخبارات العسكرية وعلى رأسها الزعيم الركن احمد مرعي بتشديد المراقبة على ضباط الجيش وسلكت سبلا مختلفة في تحقيق هذه الغاية وقامت بتوزيع عناصرها على كافة تشكيلات الجيش فكان هؤلاء العناصر مرتبطين مباشرة بمديرية الاستخبارات العسكرية، فضلا عن ذلك قامت المديرية بإدخال بعض العناصر إلى الكلية العسكرية ليتخرجوا ضباطا تعتمد عليهم المديرية المذكورة كما صدرت الأوامر إلى الآمرين بكتابة التقارير الشهرية عن سلوك الضباط حتى أصبح الاستماع إلى إذاعة القاهرة جريمة تذكر في التقرير الشهري عن الضابط.
لقد كان لهذا الحادث آثاره السلبية التي انعكست على تنظيم رفعت الحاج سري فقد ابتعد عنه عدد كبير من الضباط خوفا من عيون الحكومة وترك آخرون منهم العمل فضلا عن إيقاف نشاط التنظيم وقال إسماعيل العارف:" بعد انكشاف اجتماع الكاظمية جمد التنظيم وأصابه خلل كبير".
ونظرا لتقلص نشاط التنظيم وتحركات ضباطه بعد التنقلات التي حدثت لأعضائه أواخر عام 1956 جرت محاولات لتقوية التنظيم وتشكيل لجنة عليا بعد أن توسع التنظيم فتم عقد اجتماع في نهاية عام 1956 في دار محمد سبع ضم كل من رجب عبد المجيد، ناجي طالب، محسن حسين الحبيب، وصفي طاهر، عبد الكريم فرحان، محي الدين عبد الحميد، صبيح علي غالب، محمد سبع واتفقوا على العمل لإسقاط النظام الملكي، وجرى خلال الاجتماع الاتفاق على تأليف اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار من الحاضرين وممن يتم الاتفاق معهم في المستقبل، كما قرروا ضم رفعت الحاج سري إلى اللجنة دون علمه واخذ موافقته، علما بأنه لم يحضر أي اجتماع لهذه اللجنة لعدم ثقته ببعض عناصرها فضلا عن يأسه، لان العمل متعثر والأقدام مفقودة، وقد تم تشكيل اللجنة العليا بعد هذا الاجتماع من احد عشر عضوا ثم قرروا الاجتماع ثانية لإكمال تكوين اللجنة ووضع اللمسات الأخيرة وترديد القسم وبالفعل اجتمعت هذه اللجنة في بيت الرائد محمد سبع ورددوا القسم، وكان المجتمعون الذين شكلوا اللجنة العليا هم: الزعيم(العميد)الركن محي الدين عبد الحميد، والعقيد الركن ناجي طالب، والعقيد الركن عبد الوهاب الأمين، والعقيد الركن محسن حسين الحبيب، والعقيد المتقاعد طاهر يحيى، والمقدم المهندس رجب عبد المجيد، والرئيس الأول(الرائد) الركن صبيح علي غالب، والعقيد عبد الرحمن عارف، والمقدم الركن عبد الكريم فرحان، والمقدم وصفي طاهر، والرئيس الأول(الرائد) الطيار المتقاعد محمد سبع. إذ انضم إلى اللجنة العليا في هذه المرة العقيد الركن عبد الوهاب الأمين، والمقدم وصفي طاهر وهما من تنظيم رفعت الحاج سري كما انضم العقيد طاهر يحيى والعقيد عبد الرحمن عارف.
وفي هذه المرحلة لم تضم اللجنة العليا في عضويتها أيا من الرجلين اللذين سيبرزان في النهاية وكأنهما المحركان الأوليان للجماعة وهما عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف اللذان كانا يعسكران مع وحداتهما في الأردن.
وفي أوائل عام 1957 انضم إلى اللجنة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم فطرح موضوع القيادة وكان هناك رأيان الأول القيادة الجماعية، والثاني القيادة الرأسية، واخذ بالرأي الثاني فتألفت القيادة من عبد الكريم قاسم حيث كان أعلاهم رتبة عسكرية ومحي عبد الحميد وناجي طالب. اقترح عبد الكريم قاسم ضم عبد السلام عارف إلى اللجنة، إلا أن هذا الطلب رفض وقرروا وضعه تحت التجربة لمدة ستة اشهر(، لان عبد السلام عارف كانت له علاقة وطيدة مع رئيس أركان الجيش وبعض الضباط الموالين للسلطة، فضم بعد فترة العقيد عبد السلام عارف وكان العقيد الركن عبد الوهاب الشواف آخر من ضم إلى اللجنة العليا، وبذلك أصبح عدد أعضائها المقرر أن يشكلوا مجلس قيادة الثورة خمسة عشر عضوا وبعد هذا نشطت الحركة نشاطا كبيرا.
طلب إسماعيل العارف في حزيران عام 1957،عندما أوكلت إليه مهام الملحق العسكري، من الجهات المختصة أن يسافر إلى بغداد لكي يجلب عائلته وينظم اموره هناك، فتمت الموافقة بشرط أن لا يستغرق أكثر من أسبوع استطاع خلاله إسماعيل العارف أن يرتب اجتماعا سريا بواسطة عبد الكريم الجدة بعبد الكريم قاسم بحثوا خلاله المراحل التي وصل إليها نشاط الضباط الأحرار فاخبره أن لجنة عليا تشكلت وانتخب عبد الكريم قاسم رئيسا لها وان الثورة على النظام الملكي وشيكة ومن المحتمل أن تنفذ خلال الأشهر المقبلة.