الكاتبة والصحفية سفيتلانا الكسيفيتش:في كتبي النساء يتحدثن عن جوانب من الحرب لم يتطرّق إليها الرجال

Tuesday 15th of December 2015 06:46:28 PM ,

منارات ,

ترجمة / أحمد الزبيدي
ولدت الكاتبة سفيتلانا الكسيفيتش في الحادي والثلاثين من أيار عام ١٩٤٨. والدها بيلاروسي الجنسية وامها اوكرانية الاصل،عاشت في احدى قرى بيلاروسيا،وتركت الدراسة لتعمل مراسلة لإحدى الصحف المحلية في مدينة ناروفل البيلاروسية،بعدها انهت دراستها الجامعية في الصحافة في جامعة منسك عاصمة بيلاروسيا، وبدأت تعمل في صحف عدة

ونشرت عددا من القصص القصيرة، كما غطت في كتاباتها الصحفية عدة احداث مهمة مثل كارثة مفاعل تشرنوبل النووي والحرب السوفيتية في افغانستان. في عام ٢٠٠٠ اضطرت لمغادرة بيلاروسيا نتيجة معا رضتها لسياسات دكتاتور بيلاروسيا الكسندر لوكشنكو فعاشت في باريس ثم غادرتها الى برلين ثم لتعود الى بلادها عام ٢٠١١.
وفي قرار منحها الجائزة تشير الاكاديمية السويدية الى انها منحت الجائزة للكاتبة سفيتلانا بسبب اسلوب كتابتها متعدد الاصوات ولكونه مَعلماً بارزاً للمعاناة والشجاعة في عصرنا الحالي. وقد وصفت ساره دانيوس رئيسة لجنة منح الجائزة الكاتبة بالقول:خلال الثلاثين والاربعين عاما الماضية كانت سفيتلانا مشغولة بوصف حياة الناس إبان الحقبة السوفيتية وما بعدها، ولم تكن تسرد احداثا تاريخية بل كانت تسرد تاريخا من العواطف والمشاعر، وكانت تستكشف كنه شخصية الفرد السوفيتي من خلال تناولها لأحداث مهمة مثل كارثة تشرنوبل وحرب السوفييت في افغانستان، واجرت آلاف المقابلات مع رجال ونساء واطفال كشفوا لنا عن اشياء لم نكن نعرفها من قبل. تقول الكاتبة سفينلانا الكسيفيتش انها متأثرة باسلوب الكاتب البيلاروسي اليس اداموفيتش حيث تتعدد الاصوات التي تسرد حدثا معينا، وهو ما اطلق عليه اسم الرواية متعددة الاصوات، وعن ذلك تقول الكاتبة:كنت ابحث عن الاسلوب الادبي الذي يقربني من الحياة الحقيقية، فكنت اقابل الناس واسجل شهاداتهم، ومع الوثائق يصبح الحدث قد تم تناوله من عدد مختلف من الناس، كان هذا الاسلوب يجعلني كاتبة وصحفية وعالمة اجتماع وعالمة نفس وواعظة في ذات الوقت.
بعد مقابلات لها مع نساء سوفيتيات شهدن الحرب العالمية الثانية توصلت الكاتبة سفيتلانا الكسيفيتش الى استنتاج مفاده ان ليس هناك كلمة يمكن ان توصف بها المرأة مثل كلمة الحنان، صحيح اننا نملك كلمات اخرى مثل الاخت والزوجة والصديقة، ولكن الكلمة الاكثر نبلاً منهن جميعا هي كلمة الام، لكن الحنان هي الكلمة الاكثر تعبيرا عن المرأة، فالمرأة هي من تهب الحياة وتحافظ عليها لذلك فالمرأة والحياة شيء واحد.
وعن الجنود السوفيت الذين قضوا في افغانستان كتبت روايتها (اولاد من الزنك) حيث كان الجنود القتلى في افغانستان يرسلون الى اهلهم في توابيت مصنوعة من الزنك.
هذا قسم من مقابلة مع الكاتبة تحدثت فيها عن اسلوبها في الكتابة قائلة:كنت ابحث عن الاسلوب الاكثر ملاءمة للنظر وتفحص العالم، ويمكنه ان ينقل ما اسمعه بأذنيّ وما اراه بعينيّ، وجربت اسلوبا تلو الاخر الى ان اكتشفت الاسلوب الملائم،ان اجعل الاشخاص الحقيقيين يسردون الاحداث بانفسهم. وكان يتم سرد الاحداث باصوات متعددة، تحدثت في كتبي عن انهيار الامبراطورية السوفيتية وحرب افغانستان وكارثة تشرنوبل، فكانوا يسجلون تاريخ بلدهم وتاريخهم الشخصي سوية، وكانت الكتب تحوي الوثائق المتعلقة بتلك الفترة، ففي عالمنا اليوم، العالم المعقد ومتعدد الأوجه تجعلنا الوثيقة وشهادات الناس اكثر قربا من الواقع. وبعد عشرين عاما من العمل في مواد وثائقية وكتابة خمسة كتب استنادا الى تلك الوثائق استطيع القول ان الفن الادبي لا يمكنه ان يجعلنا نفهم اشياء كثيرة عن الناس دون الاستعانة بالوثائق التاريخية للفترة الزمنية التي يتناولها، انا لا اسجل تاريخا مجردا من الاحداث، انا اسجل تاريخا للمشاعر والعواطف، ماذا يفكر الناس ماذا يفهمون منها وماذا يتذكرون، ما الذي يثقون به وما الذي يشكون فيه، ما هي الاوهام التي عاشوها والآمال التي تمنوها، والمخاوف التي خبروها، هذا من المستحيل اختراعه او تخيله. نحن ننسى بسرعة ما كنا نحبه قبل عشرين او خمسين سنة، واحيانا نخجل من ماضينا ونرفض ان نصدق ما حدث لنا في الحياة الحقيقية، يمكن للفن الادبي ان يكذب ولكن الوثيقة لا تستطيع ذلك على الرغم من ان الوثيقة قد تعبر عن ارادة شخص ما او مشاعره.كان كل كتاب من كتبي يستغرق ما بين ثلاث الى اربع سنوات للانتهاء من كتابته، وكنت اقابل ما بين ٥٠٠الى٧٠٠ شخص في كل كتاب واسجل شهاداتهم، وقد سجلت شهادات لأناس منذ ايام الثورة الروسية عام ١٩١٧ مرورا بحكم ستالين الى وقتنا الحاضر.
ماذا كان كتابك الأول؟
كان كتابي الاول هو (وجه غير نسائي للحرب)، لقد شاركت اكثر من مليون امرأة سوفيتية في الحرب العالمية الثانية وكنَّ في جبهات القتال بشكل فعلي وكانت اعمارهن تتراوح بين ١٥ الى٣٠ عاما،وشاركن في الاعمال القتالية كجنديات وطيارات وقناصات وسائقات للدبابات والعديد من الاصناف القتالية، فلم يكنَّ ممرضات وطبيبات فقط كما هو الحال في الحروب السابقة، ومع ذلك فبعد الانتصار في الحرب تناسى الرجال دورهن، لقد سرق الرجال النصر من النساء.
في كتبي كانت النساء يتحدثن عن تلك الجوانب من الحرب والتي لم يكن يذكرها او يتطرق اليها الرجال، كان الرجال يتحدثون عن اعمالهم البطولية وكانت النساء يتحدثن عن شيء اخر،على سبيل المثال كم كان مخيفا السير في حقل مليء بالجثث المنتشرة مثل حبات البطاطا، وكانت جميعها لشبان صغار السن، وكنت تشعر بالأسى عليهم سواء أكانوا من الجيش السوفيتي او الالماني. بعد الحرب كان على الناس ان يخضن حربا اخرى، فكان عليهن اخفاء اثار جروح الحروب والقتال في الجبهة حتى يصبحن مؤهلات للزواج.
ماذا كان كتابك الثاني؟
كان بعنوان (الشاهد الاخير) وهو شهادات عن الحرب من خلال عيون اطفال بريئة كانت اعمارهم ما بين السابعة والثالثة عشرة.
قال ديستويفسكي ذات مرة"لا شيء يستحق القيمة اذا تم الحصول عليه على حساب دمعة من طفل صغير."
وكتابك الثالث؟
كان عن الحرب في افغانستان بعنوان (اولاد الزنك).كان الجنود الموتى يرسلون الى اهلهم في توابيت مصنوعة من الزنك،ويتضمن الكتاب قصصا عن اكثر من مئة ضابط وجندي سوفيتي اشتركوا لعشر سنوات في تلك الحرب غير المفهومة، وعن امهات وارامل ضحايا تلك الحرب،عن صراع قاس ويائس بين العالمين الشرقي والغربي، اي نوع من الحروب كانت وكيف كان يفكر الناس حينها؟ وكيف كان يقتل احدهم الاخر؟ كيف كانوا يستقتلون بيأس من اجل البقاء على قيد الحياة؟
كان كل شيء مختلفا، الوقت يمر بشكل مختلف، حتى روزنامة الايام نفسها كانت مختلفة، كانت كأنها مئتا عام، وهذا الوصف سمعته مرارا وتكرارا، من كثير من الذين سردوا قصصهم، انت تقرأ الكتاب كما لو انه كتب الان وليس في الماضي، كما لو انه كتب لنا نحن الذين واجهنا مأساة الحادي عشر من ايلول، عندما تغير العالم جذريا في يوم واحد، وعاد الى الوراء بدلا من ان يتقدم الى الامام، عاد الى السلاح بدلا من تركه.
تقول احدى شخصيات الكتاب في نهايته"اولئك الذين كانوا لا يريدون ان يقاتلوا مرة اخرى:علينا ان نحارب ونقتل الافكار وليس الناس،اقتلوا الافكار التي تجعل عالمنا قاسيا هكذا،مخيفا هكذا،عالما يجعل الناس يعيشون كل بعيد عن الاخر ووحيدا."هذا هو رأي انسان في وقتنا الحاضر".
ماذا عن كتابك عن تشرنوبل؟
بعد كارثة تشرنوبل اصبحنا نعيش في عالم مختلف،وفي الحقيقة حدثت كارثتان الأولى طبيعية والثانية اجتماعية حين انهارت اسس النظام الاشتراكي، والكارثة الثانية القت بظلالها على الاولى، لقد تغير كل شيء فينا جراء كارثة تشرنوبل: شفراتنا الوراثية وحتى مناظرنا الطبيعية الجميلة اختفت، كلماتنا ومشاعرنا وما حدث هو اسوأ من مذابح الهولوكوست او ايام حكم ستالين.
لقد تغيرت علاقتنا مع الزمن وسوف يأتي جيل جديد ويتساءل كيف حدث كل ذلك، اي نوع من البشركانوا يعيشون انذاك، ماذا كانوا يشعرون ويفكرون، ما علاقتهم بكل ما حدث، الاحداث المتعلقة بشخص واحد تصنع حياته، ولكن الاحداث المتعلقة بعدة اشخاص تصنع التاريخ، سيذكر تشرنوبل بانه لغز القرن الحادي والعشرين وتحديه ايضا.