العامة والخاصة في مسرحية (الكراكي)

Wednesday 6th of January 2016 05:32:34 PM ,

عراقيون ,

رائد الحواري
يتناول الكاتب في مسرحية "الكراكي" أحوال المجتمع اليوناني، وكيف يخلق النظام الفاسد الفرصة/الدافع لإحداث الفوضى وإثارة الجماهير على الحكم، يقدم لنا "نور الدين فارس مشهد من داخل قصر الحاكم "ثيودسيوس" وكيف تقوم زوجته "ايفجيا" بعلاقة (حب) غير شرعية مع ابن أخيه "ليانوس" التي تخاطبه قائلة: "فتاي الجميل (تحتويه) دع الأسرة والمجد لعشاقها ..

فمجدنا الجب وأسرتنا الأمان.. بعيدا .. بعيدا هناك شاطئ النجوم نتوسد الصخور ونقتات الأزهار... بت لا أطيق الستائر الذهبية ..الرخام المزركش ..آه لينابوس لو تعلم أيه شعلة شرهة تخرم عظامي حين تنساب نحوي عيونه الماكرة ... يا إلهي ذراعاه الوحشيتين تطوياني كأفعى مجنونة.. كم تخنقني أنفاسه الشائكة مثل عفونة المقابر" ص19، زوجة الحاكم تقيم علاقة محرمة من ابن أخ زوجها، وكلاهما لا يشعر بالإثم الذي يقومان به، الزوجة غارقة في حبها وشهوتها، وابن الأخ يحلم بالملك والسيطرة على إرث عمه.

لا يكتفي الكاتب بهذا المشهد، بل يقدم لنا مشهدا آخر يكون فيه السفور أكثر واضحا، حتى أنه يصيبنا بالاشمئزاز والتقزز من مجتمع الأسياد، الذين يفتقدون لكل معاني الفضيلة والأخلاق، فهي فئة شهوانية شبقة، لا تقيم وزن للأخلاق، ولا تحترم أخلاقها وتظهر لنا بشاعتها الأخلاقية فهي فئة بلا أخلاق أو مبدأ، كما أنها تتصف بالجبن والوضاعة.
يقدم لنا الكاتب مشهد آخر من القصر، تكون فيه "ايفجيا" في وضع غرام مع خادمها، يدخل عليهما عشيقها وحبيبها "ليانوس" فيكون هذا السلوك غير المقبول بتاتا، لا من أمير ولا من عامة، "(تسترخي في سريرها شبه عارية) قمري الداكن.. دون أن أعلم .. بحثت عبر التخوم والوديان والنجوم .. قمري الداكن .. أنت تتلألأ عند عتبتي .. إلهي ما أسعدني" بهذا السفور تكون زوجة الحاكم مع خادمها اقترفت كافة المحرمات، فهي لا تلقي بالا لأي شيء، فقط ما يهما الاستمتاع بالجنس، وتفريغ شهوتها بأي طريقة، وعندما يقوم الخادم (يرتدي ملابسه) ليكمل عمله كخادم في الإسطبل تخاطبه: " دعه ينهدم.. تعال ألهب روحي الخامدة (تتلوى فرحة) لا احد لم عظامي المتكسرة سوى ذراعيك البرونزيتين ... تعال .. لروحي الهائمة لتمطرها بحنانك الدافق" ص73و74، إذن نحن أمام زوجة تمارس الخيانة الزوجية ومع أيا كان، المهم أن تشبع شبقها وتطفئ نارها، في البداية كانت مع ابن أخ زوجها والآن مع خادمها.
وعندما يدخل عليهما حبيبها الأول ابن أخ الحاكم "ليانوس" وهما بتلك الوضعية السافرة، يكون ردة فعله باهة، وكأنه شاهد زوجة مع زوجها، وليس زوجة تمارس الخيانة مرتين، مرة تخون زوجها، ومرة نخون حبيبها، لكن هذا "ليانوس" لا يقل دناءة عن زوجة عمه، فعندما يشهر عليه الخادم الخنجر مهددا نجده مجرد شخص جبان فيكون بهذه الوضاعة، " (مرتعدا) لم..اء..ء .. أعلم ..ال..ال ..ال معذرة سي..س..سيدتي" ص74، وبعد أن يذهب جزعه نجده يخاطب زوجة عمه الفاجرة بهذا الكلام " أنا..كما ترتأين ولكنه شرفك..سمعتك!" ص75، لكن الزوجة الشبقة ترد عليه بمنطق الخيانة ذاتها فتقول: "أهذا يضنيك؟ ألم أبذلها معك أيضا.. فما الفارق؟" ص76، أهم ما في هذه المشاهد الوضاعة التي يتيم بها القصر، ومنطق الغريزة المسيطر على كل يتواجد فيه، الزوجة "ايفجيا" تبحث لتفريغ شهوتها، "ليانوس" يعمل ليكون خليفة عمه، بأي طريقة وأي أسلوب كان، الحاكم "ثيودسيوس" الذي قدمه لنا الكاتب بهذا الشكل الهزيل بعد أحداث الثورة التي طالبت بمحاكة قتل "كنتس" "(يطرق الأبواب) افتح أيها المواطن أن ثيودسيوس يفعل ما تريد، افتح إنني ادعوك (ينتظر فترة ثم يطرق) أيها المواطن التفت إلي قليلا .. ربما كان مهجورا (ينتقل إلى بيت آخر" ص70، صورة الحاكم البائس الذي تجري المياه من تحته دون أن يدري، كم نجده لا يهتم لشؤون العامة ويشارك النبلاء بظلمهم لها.
الكاتب يقدم صورة أخرى من المجتمع المتنفذ الذي يفتقد لأي صفة نبيلة، فنجد رئيس القضاة "اورسيوس" الذي يتحدث بمنطق المصلحة فقط فيقول لإغلاق باب الثورة علية بعد مقتل " كنتس": "أن ضعفنا كبشر يحملنا أحيانا على إتباع شتى السبل لبلوغ غاية ما.. وما دام الجميع يريدون القاتل فهل هناك ما يمنع من أن نمسك احد الشقاة أو المحكومين المدانين قانونيا على اعتباره القاتل فنشنقه على مرأى من الجميع في إحدى الساحات" ص94، إذن كافة فئات المجتمع الحاكم تعاني من الفساد، فكل ما تقوم به قائم على الخداع والكذب والتآمر والجرائم والشبق الجنسي.
في المقابل كانت العامة أكثر صدق في تعاملها، فحتى الخادم الذي استخدمته "ايفجيا" وجدناه منتمي لعشيقته، وكان على استعداد لقتل "ليانوس" ووجدنا العامة تغلق أبوابها في وجه الحاكم "ثيودسيوس" كتعبير عن رفضها واستنكارها لقتل " كنتس"، من هنا يكون نور الدين فارس قد طرح لنا الفروق الطبقية بهذا الشكل الذي يجعلنا ننحاز إلى العامة ونقف ضد الخاصة المتنفذة.
في نهاية المسرحية يتم كشف القاتل "ليانوس" ويتم قتله بنفس المدية التي قتل بها " كنتس" ما يحسب لهذه المسرحية لغتها الأدبية وقدرة الكاتب على استخدام صيغ فنية تجعل المتلقي يستمتع بها. ورغم الرمزية التي تطغى عليها من خلال استخدام التراث الإغريقي، تبقى المسرحية تتماثل مع حال أي بيئة فاسدة، واعتقد بان ما يمر به العراق الآن ينسجم تماما مع طرحها، فهي تحاكي واقع الفساد الحالي في العراق. المسرحية من منشورات المكتبة العصرية ـ صيدا ـ بيروت، بدون تاريخ نشر.