الجوع.. صراع الإنسان الأعزل أمام عناصر الطبيعة

Saturday 23rd of January 2016 07:04:50 PM ,

ملحق اوراق ,

بغداد/ أوراق
يحصل على بعض المال نظير واحد من مقالاته التي يواظب على كتابتها، فيفكر في تناول أكلة دسمة بعد جوع طويل.. لكنه يكتشف عند انتهائه من الطعام ان معدته لم تتعود على الشبع، فيلفظه. احداث نتابع تفاصيلها في رواية (الجوع) للكاتب كنوت هامسون مؤكداً من خلالها على عبثية الحياة ومأساة الإنسان المتصلة،

والضغوط التي تجهز عليه أينما حل فتجعله يقف على مفترق طرق تؤدي جميعها إلى السراب. البطل يواجه مصيره العدمي بعد أن أُغلقت في وجهه الأبواب كافة وانقطعت من دونه الأسباب، وهو ما تعكسه محاولاته البطولية من أجل الصمود. صحيح أنه نجح في ذلك إلى حد كبير، لكنه النجاح الذي يضمن له البقاء البيولوجي لا أكثر، فلم يكن لدى البطل الطموح الجارف أو الهدف البعيد الذي يسعى جاهداً إلى تحقيقه. ومن خلال معلومات عن كنوت هامسون في معاناته من شظف العيش وعمله صبياً لدى بائع أحذية، ثم بائعاً متجولاً في مدن كثيرة، نرى ظلالاً كثيفة انطبعت منه على شخصية بطل روايته، خصوصاً في مرحلة البدايات. والفرق بينهما هو ان الكاتب كان يحمل آمالاً عريضة استطاع تحققها بالصبر والإخلاص. أما بطله فلم يكن لديه الاستعداد لتحقيق ذاته، أو ليثبت على الأقل أنه موجود. بدأ المؤلف روايته بتصوير مأساة البطل مع الجوع والفاقة والتشرد في مدينة أوسلو حيث عاش في غرفة حقيرة على السطوح وأسمالٍ لا تعدو كونها خرقاً بالية، لكنه لم يعطنا أية معلومات شخصية عن ذلك البطل من حيث أسرته وتعليمه وموروثه الثقافي والاجتماعي واتجاهاته السياسية، وهل هو من أبناء العاصمة أم جاء مغترباً من الأقاليم لتحقيق نجاح مع الكتابة والإبداع. فها هو يقول في السطر الأول من الرواية: "حدث هذا في تلك الأيام التي كنت فيها مشرداً أتضور جوعاً في مدينة كرستيانا، المدينة العجيبة التي لايغادرها أحد قبل أن تسمه بسماتها وتترك عليه آثارها". كرستيانا هو الاسم القديم لأوسلو. ويتماس الصراع بصفة العبثية وذلك عند اشتباك الإنسان الأعزل مع عناصر الطبيعة والقوى الماورائية، قبل ظهور العقيدة الدينية، وقبل ترويض قوى الشر المسيطرة على الكون. لكن الاختلاف هنا أن الفرد في رواية جوع برغم حالات الفصام التي تنتابه وتجعله يكفر بكل شيء لدرجة الإلحاد، نجده يتحول إلى الإيمان الكامل الذي يجعله يرى ضوءاً بعيداً في نهاية النفق المظلم، وهو الأمر الذي جعل البطل يرفض فكرة الانتحار برغم الظروف المؤدية له، معولاً على محاولاته في كتابة القصة والمسرح والمقالة التي نشم منها رائحة موهبته، إلا أنه لم يسعَ إلى تأكيد هذه الموهبة، فيده دائماً مرتعشة وتفكيره مشتت، وهو الأمر الذي جعله عاجزاً عن إتمام أي مشروع إبداعي، لا سيما أن الظروف كانت سانحة تماماً في نهاية القرن التاسع عشر، فأي شخص وقتها وبأقل تعليم ونصف موهبة كان يستطيع أن يحصل على فرصة عمل بأدنى مجهود. لكننا نستطيع القول إن العيب كان في البطل وليس في الظروف، فطبيعته السيكولوجية تؤكد أنه متذبذب انفعالياً، عبثي لا يقدم على إنجاز شيء وهو في جميع الأحوال يعلق فشله على شماعة المجتمع الظالم الذي لا يلتفت إلى مواهبه وإمكاناته. مما يجعل المتلقي غير متعاطف معه في كثير من الأحيان، ونجده قد كتب مسرحية كان من الممكن أن تحقق له بعض مجد لكنه مزقها قبل اتمام مشهدها الأخير، ثم أنجز بحثاً فلسفياً رصيناً لكنه تكاسل في دفعه للنشر، وهكذا نجده طوال الرواية لا يبدأ في عمل إلا ويتركه في اللحظة الأخيرة ليشرع في عمل آخر، وحتى علاقة الحب مع نادلة المطعم لم يتمها للنهاية.


الكاتب في سطور
يعد كنوت هامسون واحداً من أعظم الروائيين الذين عرفهم العالم خلال القرن العشرين، ولد في النروج عام 1859 في عائلة ريفية فقيرة، وقد عاش طفولة قاسية برعاية عمه. في عام 1890 اصدر روايته "الجوع" والتي حققت له شهرة عالمية واسعة، وفيها يدين الحضارة المادية بجميع مظاهرها التي يرى انها تلوث الحياة الانسانية. في عام 1920 حصل على جائزة نوبل عن منجزه خلال مسيرته الابداعية الطويلة. اثناء الحرب العالمية الثانية ناصر النازية، واعتبر ان هتلر قادر على ان يقيم في ألمانيا مجتمعاً جديداً متحرراً من الامراض التي جلبتها الحضارة المادية. اصيب هامسون أكثر من مرة بنوبة عصبية حادة، وفي أواخر حياته اشتدت عليه هذه النوبات حتى لم يعد يعي ما يقول او يفعل. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية حوكم وأودع مصحة الأمراض العقلية. وفي السنوات الأخيرة من حياته كانت بلاده تتعامل معه على انه خائن للوطن حتى وفاته عام 1952.