سهير القلماوي.. التلميذ النجيب والأستاذ المعلم

Tuesday 9th of February 2016 06:13:03 PM ,

منارات ,

عبدالله غنيم
في تقديم كتاب"ألف ليلة وليلة"للكاتبة والباحثة سهير القلماوي، كتب عميد الأدب العربي، طه حسين، تقديمًا بسيطًا، وصف فيه البحث الذي أخذت عنه درجة الدكتوراة في الآداب عام 1941، بأنه رسالة بارعة من رسائل الدكتوراه التي ميّزتها كلية الآداب.

قال طه حسين في تقديم الرسالة المنشورة"هذه رسالة بارعة من رسائل الدكتوراه التي ميزتها كلية الآداب في جامعة القاهرة، وبراعتها تأتي من مؤلفتها فهي السيدة سهير القلماوى، فعرّفت نفسها بأحاديث جدتي،وإن كنا نحن أساتذتها قد عرفناها بجدها في الدرس، ودقتها في البحث وإتقانها للاستقصاء حين تعرض لموضوع من موضوعات العلم.

ليست تلك أول كلمات يكتبها عميد الأدب العربي عن تلميذته كردية الأب، مصرية المولد والنشأة، سهير القلماوي، فسبق وكتب تقديمًا لمجموعتها القصصية، والتي تعد إحدى بوادر القصة القصيرة المصرية المعاصرة"أحاديث جدتي"الصادرة عام 1935، قبل سبع سنوات من حصولها على درجة الدكتوراه في الأدب العربي.

حيثُ كتب طه حسين في تقديم أحاديث جدة"القلماوي""إن صدق ظني فسيكون لهذا الكتاب الذي أقدمه إلى القراء شأن وأي شأن، فقد قرأته وما أشك في أني سأقرأه مرة واحدة، وما أظن أني سأنصرف عنه وقد أرضيت حاجتي إلى قراءته".

"قد ألتمس هذه الأسباب التي تحبب إلى الكتاب في هذه العبارة السهلة اليسيرة التي برئت من كل تخلف وارتفعت عن كل تصنع، وتحدثنا إلى النفس المصرية وإلى القلب المصري للغة النفس المصرية والقلب المصري، ولم تستقر ألفاظها ولا أساليبها عند القدماء الذين بعد بيننا وبينهم العهد. ولم تتكلف محاكاة الأوروبيين الذين لم يتم بيننا وبينهم الامتزاج، وإنما هي مصرية خالصة. فأنت لا تكاد تأخذ في قراءته حتى يخيل إليك أنك لا تقرأ وإنما أنت تسمع وتري."

ويبدو جليًا كيف كانت سهير القلماوي على قدر من المعرفة والجدية والدقة البحثية للدرجة التي تجعلها التلميذة المفضلة لطه حسين، كيف أتقنت وأحبت بحثها وأدبها وكتابتها للحد الذي يدفع عميد الأدب العربي لتقديم إنتاجها للقارئ العربي الذي وثق في رأي طه حسين، واعتبرها ابنة روحية له يفخر بإنتاجها الأدبي والبحثي.

علاقة سهير القلماوي، بالأساتذة والباحثين لم تتوقف عند كونها تلميذة لطه حسين وابنه له، فأكملت السلسلة الطبيعية للمعرفة، فمارست الدور الذي مارسه معها عميد الأدب العربي مع تلاميذها التي اعتبرتهم كأبناءها.

قال عنها وزير الثقافة الحالي الدكتور جابر عصفور، والذي كان أحد تلاميذها "أستاذتي وأمي سهير القلماوي. كان مبدأها أن العلم اختلاف وكانت هذه الجملة هي حجر الأساس لي، تعلمت منها حق الاختلاف، وتعلمت أن الاختلاف هو أساس العلم،وأعتقد أني منذ تعلمت هذا الدرس لم أنسه على الإطلاق، حتى مع تلامذتي مؤمنًا بما تعلمته من هذه السيدة العظيمة".

"تعلمت كيف أحترم العلم الذي بداخلي فليس هناك منصبًا يفوق العلم الذي تحمله نفوسنا، وكونك مثقفًا ومعلمًا وكاتبًا هو منصب لا تضاهيه المناصب. وعلمتني أن أقلع عن شجاعة الجهل وأتعلم الدقة والمنهجية العلمية، وأدركت من خلالها عمق المقولة التي تقول: العلم لا يعطيك بعضه إلا بعد أن تعطيه كلك".

ويروي الناقد الأدبي وعضو مجمع اللغة العربية، الدكتور عبدالمنعم تليمة، أن إحدى الجامعات الأمريكية في مطلع الستينيات من القرن الماضي، جاءت لعقد دورة عن الأدب العربي في كلية الآداب، وطلبت من الدكتورة سهير القلماوي الإشراف عليها وإعدادها، واستعانت الدكتورة سهير به، وكان وقتها معيدًا في كلية الآداب، وهي رئيسة قسم اللغة العربية"

"ولما انتهت الدورة حددت الجهة الأمريكية ثمانين جنيهًا، لكل دكتور أو محاضر شارك في الدورة، ورصدت مكافأة أربعة آلاف جنيه للدكتورة سهير القلماوي، مقابل إعدادها وإشرافها الكامل علي الدورة، ففوجئوا بها تقول لهم"لقد شاركني في الإعداد والعمل وقام بنفس الدور الذي قمت به وأكثر تلميذي ومعيد عندي، وهو عبد المنعم تليمة، وأطالب بنفس المبلغ له، أو أن يشاركني فيه قسمة عادلة بيني وبينه، فقالوا لها: ولكنه معيد وأنت رئيسة قسم، فاشترطت ذلك، فأذعنوا لطلبها وأعطوني نفس مكافأتها أربعة آلاف جنيه، كانت وقتها تمثل قيمة كبري لشاب حديث التخرج".
عن الحوار المتمدن