انساق الميثولوجيا وتراتبية المعنى.. دع البلبل يتعجب يا رعد عبد القادر

Wednesday 16th of March 2016 06:49:50 PM ,

عراقيون ,

محمد يونس
إن الوعي الشعري يمثل اهمية في في جانبين في العملية الابداعية لكتابة الشعر، فمن جهة هو في السياق الخارجي الذي يمثله سطح النص الشعري يكون عبر انساق معرفية في اطار ميثلوجيا إن وجدت بشكل انساق، وان كانت متصلة في بنية فكرية بشكل بستملوجي فهي تكون متصلة بمضمون النص الشعري في جانبي الفن في إطار البناء ونمط الاداء،

وكلما كان هناك عمق في التركيب الأساس للجملة الشعرية فان هناك مؤشر يشير إلى وجود معرفة ضامنة لتمييز ذلك العمق، ولابد من إن يخلق المعق ملامح هي اقرب إلى النفس الفلسفي ويكون هنا النص الشعري في عمقه يلتقي عبر مضمونه مع الفلسفة ويكون هناك وجه شعري للفلسفة، وطبيعي يجتمع الشعري مع الفلسفي عبر تدرج العمق في الجملة الشعرية، قيتقدم الشعر من مرحلة المعرفة ومن ثم إلى مستوى فكري وبعدها يبلغ عتبة البعد الفلسفي ولا بد إن يكون هنا محمولٍ واحد مشترك , ولا نريد إن نجعل الشعر هنا كطلسم ونحار في فهمه، وذلك طبعا يخلق مؤشرات سلبية بدوره، لذا كان الشاعر المعرفي الثقافة يتراجع نسبيا إلى مستوى الذات الاجتماعية ليمكنه رسم صورة شعرية من صورة سابقة، وكما ان المعنى الشعري لا يتيه في ظلمات الطلسم ويبقى ممكن انتاج معنى أخر منه، وهذه احد اهم الصفات في بناء القصيدة، وعلى مستوى النثر أيضا يجب إن يكون هناك تلازم وتراتب بين المعنى السابق اللاحق في الجملة الشعرية، وهنا يمكن لعنصر الذائقة الجمالية إن ينمو نموا طبيعيا ودون صدم التلقي بعد القفز \فوق التلازم وتكون لاتعطي هنا انطباعا مقنعا بها، وارى إن الشاعر الذي يملك جودة وبراعة في بناء انموذجه الشعري فوق المستوى المعهود تارخيا فلابد إن يتقدم إلى فضاء المعاصرة كي يؤكد الجودة والبراعة، بل مؤكد سيقدم نص شعري النقد متخلف عنه إلى حدما، دور المعرفة بطبيعتها الابستملوجية يمنح الشاعر ثقة من جهة انه هو ادرى من الجميع بمقاصد المعنى ولعبة البناء الفني، ومن جهة اخرى سيكون نصه ممكن إن يبلغ اقصى حدود المعنى الحرفي لمفردة (نص) وان كانت محدودة في الاحساس الادبي ليه على اعتبار إن هناك إطار شعري، وتجربة الشاعر رعد عبد القادر في ديوانه الحساس (دع البلبل يتعجب)، والذي يمثل قفزة نوعية في إطار قصيدة النثر ارتقت بالنص الشعري إلى الجرأة الموضوعية والتنوع الايقاعي السريع والذي يمنح المعنى الشعري تواصل العمق المعكوس أي بدل إن يبلغ مستويات تتيح له تجاوز التفسير التقليدية، كان يتجه نحو افاق التاريخ لكن دون مغادرة الواقع الذي تشكل ذاكرة الذات جزء منه، وفي تفسير مقصدنا نلجاء إلى واقع النص الشعري، ففي قصيدة (ارض السواد) بصطبغ انساق تاريخية منها ديني ومنها اسطوري ومنها جغرافي بصبغة النص، فدلالة النص تتيح لمفردة (كلكامش) الاسطورية إن تشترك في المصير والامل مع مفردة (عوليس) الادبية، وطبعا ليس من السهل إن يستوعب الشعر محمولا بستملوجي، ولكن الشاعر في هذه القصيدة وفي غيرها يبقى الشاعر نصه يشهق نفسا اجتماعيا، ونلاحظ في هذا المقطع من النص وجود وحدة نصية عميقة يمكنها التوغل مع تاريخية الرموز لتخلق توافقها في الصورة الشعرية، ويقول الشاعر في ذلك المقطع من قصيدة (ارض السواد).
يوجد خراب اينما حللت
ليس تمة امل لكلكامش
لا امل لك بمصير مشابه لمصير عوليس
اترك خلف ظهرك كل الالياذات
اترك شهرزاد تقص حكايتها المرة
وصراحة يهيمن على كيان تلك القصيدة فعل الامر دون إن يتيح ادنى هيمنة للمستوى النحوي لخلخلة الايقاع سيان الداخلي المرتبط بمضمون النص أو الخارجي المرتبط بسطحه، ولابد من الاشارة إلى إن اصطباغ ظاهر النص بتلك الصيغة المتزاحمة المحمولات التي تطلق من المعنى إلى الدلالة الرمزية فيه مقصد للشاعر غير معلن وهو تجريب للكن منظم ودقيق، وكما اننا نرجح توازن يعيشه النص بين التاريخي وسمته الدلالية وكثافة رموزه الشعر وبين السمة الوجودية المعتادة في السياق النثري , وبرغم إن الاطارالابستملوجي هو ليس سهلا كون عناصر البناء فيه ذات لغة معقدة والرموز فيه تتزاحم إن وجدت وتعيق الوضوح النسبي في جميع أنماط الشعر, لكن التوازن الفني الذي اراده الشاعر إن يكون نشاطا تقنيا يعتده لدفع نصه نحو صفة الموضوعية، وصراحة لايمكن لغير قصيدة النثر استيعاب محمولات دلالية مختلفة التاريخ والانتساب أيضا وعلى اخص في الصفات الرمزية التي تحمل اغلبها روح التعارض، فمفردات التاريخ الاسطوري مثل اشعيا ونبوخذنصر وعيلام والسلاجقة ومدحت باشا تقريبا هي جميعا رموز ايدلوجية وان اختلفت سماتها الجوهرية , والشاعر يؤكد انها ميثولوجيا ولكنه يدعوها لاعادة تنظيمها التاريخي داخل نصه وان تبكي، والسؤال هنا كيف تبكي الميثولوجيا؟ , وطبعا تبكي لان النص الشعري بث فيها الاحاسيس، وتلك اهمية قوة وميزة هدفية الشاعر في جعل رموز التاريخ تعاكس ما ترسمه داخل التاريخ من صفة رمزية، اضافة لذلك نجد النص عبر السياق النثري يجعل تلك الرموز تبث استاطيقية مركبة في بعي التاريخي والفني .
يمثل نص (الحروب السعيدة) احد الامثلة الحداثية لقصيدة النثر، والذي تكون فيها الكتابة افقية فيما المتن الشعري يكون عموديا، وكلما امتدت الشكل افقيا امتد المعنى عموديا، وشاعر مثل رعد عبد القادر كان بروحية معرفية طموحة لابد إن يستثمر تلك الميزة لصالح نصه، بل انه يجد فيها متعته وانهمامه ويلمس ذلك في كيان ذلك النص الذي تتراصف في كل سطر رموز تايخية مختلفة التبير والمعنى، ويقول في قصيدة (الحروب السعيدة)، مؤكدا ما نعنيه.
إن جندي من سلاح المشاة، اسند لي المخرج دورا صغيرا في التاريخ
خرجت مع بلادي في هذه الايام
معي خرج هولاكو وجنكيز خان من مسرحية سقوط بغداد
إلى جبهة الحرب فورا، وهناك قاتلت مع عبد شمس
هناك قاتلت سبأ وسقط داود في الوادي السحيق
إن بنية الشعر الذي فيه نسبة مما اكد عليه احد اكبر منظري قصيدة النثر إن القصيدة تسيح داخل كيانها بسمة قصدها الشاعر، ومثلما نرى في قصائد ديوان (دع البلبل يتعجب) هناك سياحة تاريخية متنوعة داخل كيان النص الشعري متعددة الوجوه، فمن المكان الذي يمثل جغرافية النص، إلى الرموز التاريخية المتبانية في المواقف والتسلسل التاريخي، فرمز شر يكون ادخل ساحة حرب الشاعر مع رمز خير من زمن مختلف، وهنا لابد من الاشارة إلى الزمن الشعري عند الشاعر رعد عبد القادر والذي هو زمن سائل يتناسب واطار السياحة وحتى الرموز المتلفة يمنحها الزمن الشعري امكان التخلي عن صفتها زمنها الجامد داخل التاريخ، وهنا لابد من الاشارة إلى المقدرة الشعرية وفاعلية وبراعة الاداء الشعري وعلى الاخص في تحقيق الشعرية في مثل هكذا نص نثري والذي هو من جهة ما اقرب إلى الكولاج الدقيق اللصق، والشاعر تمكن من لصق صورته الذاتية مع ما لصق وبذلك جعل منطق نصه غير مخلخل بل تام الموضوعية عبر الية اللصق خصوصا.
انها لعبة شعرية غريبة وحساسة ودقيقة وجريئة واستاطيقية فوق المستوى المعتاد أيضا، والشاعر رعد عبد القادر فيها سعى إلى تاكيد تفرد وخصوصية شعرية، وما كان برغم تلك الخصوصية إلا هو معايشا مستغربا مع نصه الشعري من الجهة المقابلة التي يمثلها التلقي، والكيفية أو الاسلوب في هكذا شعر هي من يحدد سمة التفرد، لكنه اندفع إلى الإمام عبر اسلوبيته في تلك القصائد وبسرعة كبيرة، وصراحة كان استثناء داخل فضاء الشعرية العراقية في قصائد ديوانه (دع البلبل يتعجب) اجمالا وعلى وجه الخصوص تلك التي ساح فيها التاريخ عبر تاهيل الزمن الشعري، وقدم نموذجا شعريا حداثيا خالصا، ويقول الشاعر في قصيدة (نص الايام).
مثلك
مثلك ايتها الايام
حاملو فوانيسك انشغلوا بحفر ظلامك
الصاغة يكشطون السواد عن دروعك الاثرية
المرتلون لم يفهموا اشارة قداسك
هناك قوة تعبيرية واضحة حين استعار ظلال الرموز بدلا منها، وهذا ما منح المعنى عمقا رمزيا ودلاليا بمستوى استاطيقي، والصور الشعرية في هذا المقطع وفي بعض القصائد تنمو وتتكامل في رسم معنى لايستمر بل يرسم معنى أخر، بل الصورة الشعرية نفسها حين تبلغ التكامل الفني تمحى وترسم صورة جديدة، وهناك حس ادبي لكيان الشاعر ضامر واحيانا يتمظهر بسببية داخل الجملة الشعرية، ولابد من الاشارة إلى الشكل الشعري الذي يجعله الزمن الشعرية عمودي المعاني والرموز وافقي التمظهر كنسيج لغوي بمضمون شعري، وهنا عنصر اللغة الذي لايقف عند حد التعدي، بل بعد السمة العضوية التي تمثل الاطار الخارجي للكيان الشكل الشعري تسيح اللغة داخل المعاني والدلالة والرموز، وتكون داخل كيان النص الشعري مرة ايقونية مث سمة بعد الرمز داخل التاريخ ومرة تنضج كما الفكهة وتكون موحية ودالة، وجميع قصائد هذا الديوان مثال نوعي لهكذا لغة شعرية، وفي قصيدة (الاشياء الزائلة) هناك تدرج زمني يحكم فكرة بناء عند الشاعر هي قريبة من التدوير نسبيا وكذلك البناء غير نمط ي إلى حدما، والزمن هنا هو الحدة الأساس التي يتحرك النص وفق طبيعتها قيقول الشاعر بعد اشارة واضحة في الاستهلال إلى دور الزمن.
لاتطرق ابواب الملوك
وامضي في رحلتك سعيدا
دون إن تتالم لما تركت
على طاولتك الصغيرة
من بلاد
اجعل خطوتك بلادا
واحتف بالطريق
التي ستسلمك لطريق
يخفف الشاعر من حدة ايقاعه، بعد إن يعود بالقصيدة إلى جوها المعتاد، بعد سياحة قلقة، لكن فعل الجملة هذه المرة يكون فعل امر، حيث لابد من إن يشمل الخطاب الشعري حتى الشاعر بالتعبير النحوي، وطبعا ذلك وارد لان الشاعركذات لايمكل ذات المساحة التي يملكها النص الشعري ن والشاعر الجيد هو من يستجيب لنصه وليس نصه يستجب له، حيث الفن لايستجيب للحياة في معناه لأنه أوسع من معناها وهي ستكون ساعية اليه لتوسع افق معناها عبر الفن، وشاعر مثل رعد عبد القادر يتامل حياته داخل نصه دون إن يستغرق في تامله فيتيه أو يبحر دون إن يكون النص مركبه كنسيج ويكون المضمون الشعري شراعه، والفن الشعري حسب تعبير غوته يكن إن الشاعر إن يعبر عن العالم نيابة، فيما النص هو وحدة وجودية ربما لا تستوعبها مجرة.
في قسمي قصيدة (اغنية المواطن الابدي) نفس شعري تاوهي، والحسرات الشعرية تترى، ولكن الشاعر فيه مرح بشكل غير معتاد، ومرحه مرتبك وقلق، أي إن هناك إطار وجداني للقصيدة لكنه ليس من السهل تحديد مديات الشعور فيه، وتنمو القصيدة تصاعديا حتى تبلغ الاكتمال، وهي اثناء تكاملها تفصح عن ذلك الاطار الوجداني، ويقول الشاعر في تلك القصيدة بالقسم الأول منها والذي فيه عذوبة شجن تسكن كيان القصيدة.
ساشتري لك خبزا
من طروادة
وحبرا لجلة
وريحا لثمود
واستطاع الشاعر إن يعيد رسم الرمز التاريخي دون دون إن يمحو دلالته أو يزيح عنه رمزيته التي داخل كيان التاريخ، وطبعا علاقة التاريخ جدلية السمة، ولكن الشاعر لايمر من خلال ذلك الجانب إلى الرمز التاريخي بل من خلال التوظيف الشعري، ويكمل ذلك المقطع الشعري بتحقيق إرادة النص فيقول.
الخبز لك ولاطفالنا الصغار
والحبر لجلة
والريح لثمود، ولي
ساغني بعذوبة بدلا من البلبل الميت
اغنية المواطن الابدي
وفي نهاية هذا المقطع يعود إلى ما بدا به من سببية يشير إليها جوهر النص الشعري، ورسم اقصى مدا تصاعديا في تاكيد ملامح الصورة التي تمثل الاطار الوجداني.
إن ميزة الشعر في السياق النثري هي عندما يكون التاريخ يتحرك وفق فكرة النص الشعري ويعبر عنها، وتكون الاسطورة حية النمو داخل النص وفق رمزية النص، وحتى الاحساس الادبي عند الشاعر يكون العامل الابداعي الاجدى فيه، هو إن يحافظ على مبدئه الإنساني دون هيمنة على روح النص لان ذلك يعتبر في توصيف ما وكانه ايدلوجيا شعرية، وعلى الشاعر إن ينتمي إلى مبدأ النص الشعري مع حفاظه الفني على مبدئه، والشاعر رعد عبد القادر تجاوز إن يكون نصه الشعري ايدلوجي السمة والموقف، وكان لمساحة التاريخ بالملامح الميثولوجية والانثربولوجية بتنوعاتها المختلفة دورها داخل النص الشعري، حيث اختلافها العميق إلى حد اجمالي اخفى عبر الية الفن الشعري الملمح الايدلوجي لها، وكما إن الشاعر تمكن من رسم تراتب فني لها داخل جملته الشعرية،وان يجعل هناك تقابل بين رمز من نسيج التاريخ مع رمز من الخيال الادبي، لكن ذلك كان وفق اسلوب فني لايبدو فيه أي تقابل واضحا ومتجليا ل، وذلك طبعا سوف يدخل الفن الشعري في مشكلة القولبة، ولو دققت نصوصه تلمس خلوها من القولبة، وقد انتجت الرموز المتقابلة فنيا اداخل لنص الشعري دلالة جديدة كان لابد من استثمارها، وبها قد ازاح الشاعر البعد الرمزي الضيق للتاريخ وحجم رمزية الخيال الادبي الفضفاضة ضمن مقتضيات هدفية نصه الشعري، ولكن اختلف ايقاع الشاعر رعد عبد القادر في قصيدة نسبيا تخالف ملامح نصوصه الاخرى وهي القصيدة التي عنون بها ديوانه، وقصيدة (دع البلبل يتعجب) نموذج شعري لايقف قصره حائل دون اهميته التي تبلغ حدود اراها تتجاوز المحلية، فصياغة النص متفوقة على الكثير من القصائد التي تنتمي إلى التفعيلة أو إلى النثر، والقصيدة خالية من المبالغة التي تحجم المستوى الجمالي وتبهت السمو العمودي أيضا، وكما إن عنصر المباشرة الذي عرف بت السياق النثري أيضا تجنبه رغم ما يبديه فعل الامر النحوي في ظاهر القصيدة، ويقول رعد عبد القادرفي استهلال منح القصيدة قوة رمزية وميزة دلالية وسمو استاطيقي.
دع البلبل
يتعجب
من يد الكارثة
التي تدربه كباز
وتتميز القصيدة مقطعيا , فهذا الاستهلال الجميل في حدوده الفمصولة والمتصلة عن النص ومعه , هو احد الامثلة المناسبة لما تؤشره جوليا كريستيفا وتعتبره في وجود نصوص مركبة، وهذا النص يتميز بتراكب جمالي، حيث يمكن فرز الاستهلال كنص برغم اتصاله بباقي كيان النص، وتلك الميزة التي تقرها جوليا كريستيفا قلما نلمسها بنص شعري، وهذا المؤشر ليس لصالح النص وتميزه النصي المركب فقط، وانما أيضا لما تميزت به بنية الوعي الشعري ورؤيا الشاعر لتنظيم بناء نصه بتفرد وامتياز.
إن تطور رؤية الشاعر فكريا تشكل اهمية في تحديث الشعر أو تجدده عند الشاعر، وكما إن الاسلوبية هنا بدورها تمر بذات التطور , والشعر في هذه الحال ستبعث فيه روح جديدة، ومؤكد إن الجدة هنا ذات ذائقة اكثر روحية فنيا وجماليا وابتكاريا، والفن الشعري لابد إن الفكر يوجد ليه منطلقات لتحقيق قيمة شعرية من جهة ذات اصالة ومن اخرى ذات بعد حداثي، وللفكر والمعرفة اهمية داخل النص الشعري أيضا، فلابد إن الشاعر يتامل من خلالهما جملته الشعرية كمتلق يصري له قناعة بالتشكل النصي من جهة ومن اخرى جوهري يشعر يان احساسه متوافق مع المعاني والدلالات، وعملية الابداع تحتاج إلى حد ما الابتكار المضمون والذي نتائجه اتية من سياقات معرفية أو فكرية أو فلسفية حتى، والشاعر رعد عبد القادر دقيق جدا في هذا الجانب فتعالم مع نصه كقارى معرفية وبحث في الضمانات كون نصه ابتكاري في جميع ابعاده، وكما هو اعتمد على اسس من جانب فنية ومن أخر فكرية تصل حد إن تكون ظلال علم اعتباري في المنهج الشعري، ومن جانب أخر اعتد منطق ذائقة غير نمطية، فكان نصه الشعري بتوصيف مقياسي استثنائيا في مضمونه إن لم يكن في شكله , واعتماد الشاعر على الذاكرة الميثولوجية والفن الكولاجي هي مبادرة صعبة شعريا، ولابد إن نقر هنا بانه قد تجاوز الصعوبة عبر معرفته كقارى نهم واعتباري أيضا، ونؤكد انه انتج نصا شعريا استثنائيا ويستحق الاشادة من المعرفة النقدية لان المناهج النقدية قد تكون اشا\تها موجزة،وكما إن القصائد في ديوان (دع البلبل يتعجب) من جهة حدود المعاصرة داخل الفضاء الشعري العراقي، نرى انها قد تجاوزت تلك الحدود، ونسقيا تنفرد إلى حد واضح وجلي مثلما هي تنفرد نصيا ولا يمكن إن يقرن بها أي ديوان شعري وليس هناك قبيل تام لها ن وتلك ميزة كبرى في لا يكون هناك للشاعر وشعره في ذلك الاطار الزمني لاقرين ولا قبيل، وقصائد الديوان متقدمة كمادة ادبية في المحتوى ومضمون النص الشعري والرؤية الابداعية، ولابد من إن الشاعر منحها حيزا من السياحة والتبصر والتامل وتوهج داخلهما، والانفعال الشعري في قصائد هذا الديوان ليس نمطيا أو حتى فيه نسبة تطور، لان الملاحظ هنا إن اغلب الاتصال بالفكر من اجل تطور القيم الادبية كان من جهة واحدة وليس من الجهتين، فالفكر لايهتم بالاتصال الشكلي به من جهة شعرية، وانما هو يريد اتصال عميق يسعى له هو مثلما تسعى اليه المنظومة الشعرية، وكلما زاد العمق تكاثف الاتصال وزادت التوفيقات والتطور يندفع هنا نحو الإمام، وتجربة رعد عبد القادر على وجه الخصوص في ديوانه الشيق والمتطور إلى اقصى الحدود (دع البلبل يتعجب) هي فوق مستوى الواقع الشعري وتميزها موضوعي واهيمته فيه وفي داخله قيمته الاعتبارية، وكما هو متقد م على كل ماتسعى اليه الطروحات النقدية ويعني هذا انها هي بحاجة اليه وليس العكس.
إن الروح النثرية تتيح للغة والمعاني والدلالة والايقاع ان تعبر الحواجز القديمة، وتكون داخل متن النص الشعري اسس معاصرة وليست بليدة، فاللغة سوف تتعدى تعديها الذي عهدت به في النظام الشعري ويمكنها التواصل هنا داخل المتن التاريخي دون إن تفقد ميزتها وتتراجع إلى مستواه الأساس كونها لغة تفاهم، وكذلك المعنى تقدم إلى مرحلى يكون فيها اداة رسم وممحاة في نفس الوقت، ودون إن يفقد تناغمه أو تراتبه أو تلازمه، ويمكنه بلوغ مرحلة اللامعنى ولكن لايزيح عنه هنا الاقناع ويكون غموضه واضحا، والايقاع لابد له إن يتناغم ويتصاعد عموديا مع انفعال الشاعر داخل نصه وهو يلامس متن التاريخ، والبعد الدلالي لابد إن يجعل الاسطورة داخل المتن الشعري خارج توصيفها التاريخي ، وصراحة إن تجربة ديوان (دع البلبل يتعجب) تجربة عبر ما اشرنا اليه تتمثل، بل هي تفوق الوصف لقوة الابتكار الشعري فيها وان كان مستندا هنا على امكانية الروح النثرية الفضفاضة بتلون تشكيلي واسع الافق والغنية بالاعتبارات الاستاطيقية وميلها إلى الذاتي ولكن في اعمق مناطق الشعور البشري، ويقول الشاعر رعد عبد القادر في قصيدة (قبر فرعوني).
منافض كرستال
زهور فوتغرافية
وحوش صغيرة في حالة رضاعة
ملائكة بعدد يدوية
يصلحون مجاري المدن الفاضلة
مفكرة يومية للزرع والاخصاب
إن الشاعر في هذا النص وفي غيره يوهمنا بامكان تلمس الخيط الايدلوجي الذي سرعان ما يبدل لونه، لأنه لايريد إن نقع في فخ التاريخ الذي ننصبه لانفسنا في القراءة الغير متاملة لنصه الشعري، وكما يخشى على قيمة نصه الادبية، وهو رغم بت من انفعال يسمو بت داخل نصه، لايقر برفضه ولا يمحنا فرصة لتفسيره، وطبعا ظروف كتابة النص النثري كانت عصيبة حينها، ولكن بذرة الكتابة الشعرية سمقت وتعالت وتحاوز النص محنته، ولكن المبدأ الشعري لازال راسخا، وبقت دلالة ديوان (دع البلبل يتعجب) مثار العجب والدهشة والتامل، وصراحة لابد للشعر إن لايهتم بنمطه اكثر مما يهتم يقمته، فما جدوى الوزن والقافية دون إن تكون هناك قيمة واشادة بها أيضا , وما جدوى القصيدة اذا لم تخلق جو شعري تكون فيه النجوم تتلالا أو تكون فيه السماء زرقاء، ولكن اذا كان الجو معتما ولا قمر أو نجمة فيه فاية قصيدة تلك، وثم لابد من القول إن القصيدة العظيمة هي التي نعيش رغم اختلاف توجهاتنا الفكرية في صميم جوها ونتكيف داخلها، وان نشعر بان الواقع هنا هو على حد تعبير نيتشه إن ميدانه الاجتماعي هويغص بالفاشلين والمهرجين والغوغاء، ويكون النص هو ملاذ الارواح ، وهذا ما اكد عليه الشاعر رعد عبد القادر في اكثر من قصيدة، وفي قصيدته (ولادة قيصرية)، والتي تمتاز شكلا ومضمونا، وكما هناك ميزة بناء للنسيج الشعري فيها بتقطيع فني، وكما إن هناك متن ميثولوجي داخل المتن الشعري، ولكن البراعة والابتكار جعلت القصيدة اكثر روحية من إن يحكمها التاريخ، ويقول فيه الشاعر رعد عبد القادر.
ليت جالينوس يسقيك السم
ليت الاله نقرس يجلسك على عرشه
ليت حامض الكبريتيك شرابك
والاسلحة الجرثومية مراوح صيفك
إن النص الشعري هنا يرتكز على كولجة الرموز أويستد على المحو والرسم التي يتصف بهما المعنى، واي سعة ستكون هنا لاستيعاب عملية الكولجة أو الرسم والمحو وذلك طبعا عبر حالة التعاقب في الجمل الشعرية، ولابد من منطق شعري يحكم عملية البناء، لان هناك ضوابط في منظومة الشعر وهي اساسية، ورغم إن السياق النثري قد اثر إلى حد متميز في تقليل من نسبة الضوابط أو اعاد صياغتها وفق روح المعاصرة التي يعشها الفضاء الادبي ودافع التطورات التي يمر بها الشعر.
في المقطع الاخير من قصيدة (ولادة قيصرية) هناك حس ادبي ووجدان شعري، ويبدو في هذا الشهد إن الشاعر قد عاد من السياحة داخل نصه، والتجريب افني لايقاعات ميثولوجية مختلفة فيها رمز لاحق يمحو رمزية وتاريخ رمز سابق، ونمط النهاية التي تتمثل بالمقطع تتيح لنا إن نشعر بهزيمة الشاعر، حيق هو صار اشد تازيما رغم الالفة التي يبديها ذلك المقطع الشعري، وهنا اراد الشاعر إن يتمظهر حسه ويشعر هو به باندهاش وتامل ولا يبرر تلك النهاية ولا ينفيها أيضا، ويقول في ذلك المقطع الختامي.
امي
ايتها الرحيمة
ايتها الوشاح على يد الله
ليتك لم تكوني اما في هذه الايام
إن تجربة الشاعر في هذه القصيدة ذات طابع مختلف، فهو لم يكن بذلك المستوى من الانفعال والارتباك الحسي، حتى إن ضجيجه الشعري داخل المتن التريخي لم يخفت بل تلاشى فجاة، وكما انه لابد لم يخضع لتاثيرات خارجية ولا خسر رهانه الشعري داخل كيانه الذاتي، وربما كان وقع الأم اشد من وجه نظر الشاعر على المستوى السياسي التي اخفاها الشاعرفي الرموز ولم تبان أو تظهر لان الرموز ما إن ترسم حتى تمحى , والشاعر رعد عبد القادر هو انسان كان حالم ولكنه يقظ ويشعر بالظروف التي تحيط به.
يرى جان كوهين إن قصيدة النثر تمتاز بلغة ذات ذات كفاءة عالية في ثبات الوحدة الدلالية، وكما إن الدلالة كافية وحدها لخلق الجمال المطلوب، والنثر لغته الشعرية اكثر دقة وسرعة توصيل اقناعي الصفة، وكان لاحاطة اللغة الشعرية في السياق النثري دور في تطور البنية الشعرية مفهوما واداء، وصراحة هناك صوتية ثابتة في القصيدة العمودية على وجه الخصوص يرى البعض انها ايجابية فيما هي لاتقف إلا في وجه الدلالة وهذا يعني إن الشعر سيبقى وزن وقافية وهذا عمل صراحة اجوف، فيما الميزة التي في قصيدة النثر هي اكثر وقعا في استيعاب الدلالة وتجعلها تتحقق مستوى حمالي محسوس، ومن هنا إن يكون ديوان (دع البلبل يتعجب) نتاج شاعر متفهم عبر وعيه العام والخاص المرتبط بالشعر، إن الروح النثرية هي جبارة دلاليا، واقف هنا على الاداء النثري في القصيدة (فتوغرافيات لخروج الجنس السامي) والتي من عنوانها تشير إلى السياق النثري، كون ذلك العنوان يمتاز انه اشاريا يؤكد وجود دلالة حيوية، وشكل النص يرسم ملامح هندسية بتواتر دلالي وتتابع معنى ، وصراحة الشكل الهندسي ظاهره متعة لغوية فكيف بمضمونه بالتتابع الدلالي ومعنى يمحو معنى ويرسم معنى ولا يقف الاعند بلوغه ما اسماه تودروف اللامعنى، ويقول رعد عبد القادر في هذه القصيدة.
اصبح مصورا فوتغرافيا
وفجاة
صوب كاميراه
فسقطت شمس الليلي الكبيرة
من اجل هذا
اربط شمسي بقاربي الصغير
مع شباكي التي لاتمسك بشيء
من يمكنه إن يقرن بين مستويات الدلالة داخل النص دون إن يقر بالمتعة الجمالية حتى في الشكل الهندسي الذي اقترحه الشاعر لظاهر نصه الشاعري، ومن يمكن إن يقول إن الميثلوجيا قد ارهقت النص الشعري، ويجب اصلا إن نقر بمقدرة الشاعر وقوة ادائه وتنظيم نصه ليس وفق الاجتهاد في إطار التجريب بل بفهمه الحيوي فكريا ومعرفيا وبدعم ذائقته الجمالية العامة والتي طابعها ابستملوجي والخاصة والتي ترتبط بالمستوى الدلالي، وكم اتمنى إن نتواصل في إطار التلقي مع ديوان (دع البلبل يتعجب) بفهم ووعي غير ضيقيين أو ينتميان إلى منطقة شعرية جوفاء، ونجد إن اسلوبية رعد عبد القادر الشعرية قدمت عبر التجربة القيمة والشجاعة والبارعة للفن الشعري في سياق النثر انطباع مؤكد هي يقر بالتميز الموضوعي وسيرورة توفيقية بها تحرك الفن الشعري إلى الإمام بعد إن كان كما عبد لدا المناهج النقدية، واعتقد يبقى ديوان (دع البلبل يتعجب) علامة فارقة في الفن الشعري ولتلك العلامة ساريتها التي لن تنحني في يوم.