الملك فيصل الاول وحكاية الطيارين الأوائل

Sunday 24th of April 2016 07:59:20 PM ,

ذاكرة عراقية ,

محمود شبيب
صحفي راحل
في الساعة الثامنة من صباح اليوم المذكور طرنا وكنا في اربع طيارات اقود انا احداهما ويقود الثانية ابراهيم جواد والثالثة عبد الواحد حلمي والرابعة ضابط بريطاني هو الكابتن كارتر قائد فصيلة الطيران العراقية يرافقه ميكانيكي عراقي حضر خصيصا لمساعدتنا في تركيب الطيارات عند وصولها الى مطار ابي قير من بريطانيا

ولما دخلنا حدود فلسطين اختلف الطقس واشتدت الزوابع وكثر هطول الامطار بغزارة ومع هذا بقينا سائرين الى عمان.

اليوم سالفتنا قبل تسعين سنة من چان جلالة الملك فيصل الاول، هبطت الطائرات العسكرية للمرة الاولى في طيران طيران عسكري عراقي بقاعدة الهنيدي (معسكر الرشيد) بعد ما اكملوا دراستهم في انكلترا واستقبلوا استقبالا شعبيا كبيرا وعندما نزلوا الطيارين من طائراتهم، تقدم سعادة رئيس اركان العامة للجيش العراقي وقدم الطيارين الى سعادة امين العاصمة.. وبعد ذلك تقدم امين العاصمة وقدم الطيارين الى جلالة الملك واحدا واحدا وكانوا الطيارين وهم كل من:
الملازم الاول ناطق بن محمد الطائي والملازم موسى بن علي والملازم محمد علي بن جواد والملازم اكرم بن مشتاق والملازم الثاني حفظي بن عزيز..
ثم تقدم امين العاصمة بعدها واهدى جلالة الملك وساما ذهبيا خصيصا لذكرى هذا اليوم الخالد من تاريخ الجيش العراقي الاغر..كما وقدم اوسمة اخرى للوزراء وقبلهم افراد العائلة المالكة ورئيس مجلس الاعيان والنواب وكان ذلك في يوم الاربعاء 23 نيسان سنة 1931...
كما وصلت ثلاث طيارات عراقية يقود الطيارة الاولى المقدم كارثي معاون مفتش القوة الجوية للمملكة ويقود الطيارة الثانية الملازم الثاني عبد الواحد حلمي والثالثة يقودها ابراهيم بن جواد.
وقد نزلت في الساعة 30/11 زوالية الى جانب طيارات السرب الاول.. وقد استقبلها سعادة تحسين بيك قدري مندوبا عن البلاط الملكي وكل من وزير الحربية وضباط الطيران وحضرة الفاضل احمد المناصفي سكرتير وزارة الحربية.. ومما يوسف له اشد الاسف هو سقوط الطيارة العراقية الرابعة اثناء هبوب عاصفة ؛ وذلك في محل بين (الرملة وبيت لحم)
وقد تحطمت الطيارة واصيب قائدها الملازم الثاني مجد الدين افندي النقیب برضوض في جسمه وأدخل في مستشفى القوة الجوية بفلسطين وصحته تتماثل للشفاء ؛ علما انه كان قد وصل الى الاسكندرية اربع طيارات بباخرة و وصل عليها ثلاثة من الطيارين اعلاه ؛ بعد ان اتموا جميعهم دروسهم في الطيران في مدرسة كرنول بانكلترا ونالوا رتبة الملازم الثاني و وصل معهم المستر كارثو وهو انكليزي ومن موظفي سلاح الطيران.. وصحب حضراتهم ثلاثة من الميكانيكيين وهم:
مهدي افندي الشريف و وردة افندي علي و محمد افندي عباس فعكفوا جميعا على تركيب الطيارات في مطار ابي قير بالمملكة المصرية فانجزوا عملهم هذا بيومين.. وبوصول هذه الطيارات الاربعة يصبح عند العراق 9 طيارات حربية عدا طيارة جلالة الملك الخاصة.
تحدث قائد الطائرة عن اسباب السقوط بالتفصيل قائلا بالتحقيق:
كان من المقرر ان نطير انا وصدقاني من مطار هليوپولس من القاهرة الى بغداد مارين بفلسطين فشرق الاردن نهار الخميس ولكن بسبب رداءة الطقس تأخرنا يوم الاثنين.
وفي الساعة الثامنة من صباح اليوم المذكور طرنا وكنا في اربع طيارات اقود انا احداهما ويقود الثانية ابراهيم جواد والثالثة عبد الواحد حلمي والرابعة ضابط بريطاني هو الكابتن كارتر قائد فصيلة الطيران العراقية يرافقه ميكانيكي عراقي حضر خصيصا لمساعدتنا في تركيب الطيارات عند وصولها الى مطار ابي قير من بريطانيا ولما دخلنا حدود فلسطين اختلف الطقس واشتدت الزوابع وكثر هطول الامطار بغزارة ومع هذا بقينا سائرين الى عمان.
وفي اثناء ذلك دخلت طيارتي بضباب كثيف لم ارى اصدقائي وبقيت اجاهد ضمن الضباب تقريبا نصف ساعة ولما خرجت لم أرهم.. فأخذت اجوب الفضاء يمينا ويسارا عساني اراهم. واخيرا دخلت ضبابا اسود اللون كثيفا واشتد الزمهرير فوجدت من الانسب ان انزل في اقرب بقعة مناسبة وهكذا خفضت من ارتفاع الطيارة الى ان رأيت عمارا علمت بعدئذ انه مدينة القدس. وبذلك اكون قد مكثت ضمن الضباب من حدود مصر الى فلسطين یعني من غزة للقدس بساعتين.
س. كيف سقطت الطائرة؟
لما نزلت من البقعة اللي نزلت بيها وجدتها صغيرة جدا فهممت بالارتفاع ثانية الا إن عاصفة شديدة هبطت عندئذ , فأزاحت طيارتي الى اليمين فأضعت التوازن فأرتطمت طيارتي بعمود الكهرباء فهوت على الارض (والمكان الذي نزل فيه كما فهمنا منه يقع بالقرب من تل بيوت القدس).
س. من الذي اخرجكم من الطيارة؟
ج. خرجت لوحدي اذ كنت مالكا لشعوري التام ولم يصبني سوى اصابة بسيطة برأسي لم انتبه لها قبل أن يشير اليها احد ضباط الجيش البريطاني الذي ذهبت اليه فورا وكان بالقرب من محل سقوطي.
س. ماذا علمت عن رفاقك الباقين؟
ج.لم اعرف شيئا سوى هذا الصباح حيث قيل لي انهم اضطروا هم ايضا الى النزول في مطار غزة.
س. هل لي ان اعرف شيئا عن البعثات العراقية والاسطول الجوي؟
ج. أرسلت أنا واثنان أخران كبعثة للطيران الى انكلترا سنة 1929 وقد ذهبنا في السنة الماضية الى التمرين في مطار ابي قير بمصر واليوم يوجد في انكلترا بعثة اخرى مؤلفة من خمسة اشخاص.
أما بعثتنا فكانت الثانية اذ سبقتنا في سنة 1928 بعثة مؤلفة من ثلاثة اشخاص وهذه الطيارات هي السرب الثاني من اسطول الجو العراقي. و كم اسفي شديد أن يقع لي هذا الحدث الجلل غير ان للدهر احكاما وللطبيعة شذوذا لايمكن لبني الانسان مقاومتها.
مجلة الف باء / نيسان 1981