سيرة ديفيد لودج.. أحد أهم الروائيين الإنجليز..الولادة في الوقت المناسب.. ذكريات وحكايات

Saturday 21st of May 2016 05:36:34 PM ,

ملحق اوراق ,

لكل مبدع كبير حكاية وسيرة يتفرّد بها. وهذه القاعدة تبدو بليغة جداً بالنسبة للكاتب والناقد والروائي والأكاديمي البريطاني الشهير ديفيد لودج صاحب العمل الشهير الذي يحمل عنوان «عالم صغير»، والذي يصفه الكثير من النقّاد أنه أحد أهم الروائيين باللغة الانجليزية في نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين. وكإشارة سريعة صدرت ترجمة كتابه «الفن الروائي» باللغة العربية قبل سنوات.

وتحت عنوان «الولادة في الوقت المناسب» تصدر ذكريات ديفيد لودج لفترة سنوات 1935 ــ 1975 في كتاب بقلمه. وهو يقدّم في هذه الذكريات سيرته الشخصية، ولكن أيضاً وخاصّة قراءاته وحكايته مع الأدب وتجربة دراسته في جامعة لندن وعمله كأستاذ للأدب الانجليزي في جامعة برمنغهام البريطانية اعتباراً من عام 1967.
وهذه الذكريات، بالإضافة إلى ما تقدّمه للقارئ من معلومات عن كاتب كبير، تكتسي أهميّة خاصّة من حيث ما تحتوي عليه من تأريخ للحياة الأدبية والثقافية البريطانية في عقود من الزمن خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. بل وأبعد من ذلك ما تكشف عنه من سمات الحياة الاجتماعية والسياسية البريطانية التي شكّلت «الحاضنة"لتلك الحياة الأدبية والثقافية التي كان صاحب هذه الذكريات أحد رموزها بامتياز.
وما يشير له «لودج"منذ البداية أن هدفه من هذه الذكريات ليس «وضع ذاته في مقدّمة المشهد». لكن بالأحرى أن يكون نوعاً من الشهادة على حقبة كاملة وهو في الثانية والثمانين من عمره اليوم. والإشارة في هذا السياق إلى تأكيده بأشكال مختلفة أنه أراد باستمرار أن «يرسم تقاسيم"ملامح الحقبة التي يعيش فيها وما «يجتازها» من رغبات وأشكال تمرّد واحتجاج.
ومما يعرّف «ديفيد لودج» سيرة حياته فيه هو أنه من مواليد حي بروكلي في جنوب العاصمة البريطانية لندن. وأنه ينحدر من أسرة متواضعة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. ويشير أن أسرته كانت «متمسّكة بمبادئ الكاثوليكية التي تنتمي لها»، وما كان له تأثير كبير على تربيته. لكن الأمر لم يمنعه من أن يوجّه لاحقاً الكثير من النقد للمؤسسات الكنيسية الكاثوليكية.
ما يؤكّد عليه صاحب هذه الذكريات أنه تعلّق بالقراءة، ثم بالكتابة، منذ سنوات حياته الأولى. ويشير أنه نشر قصّة قصيرة في الصحيفة المدرسية للثانوية التي كان يدرس فيها، وكتب أوّل نص روائي له، ولم يعرف النشر ــ لا يتردد في وصفه أنه كان في غاية السذاجة ــ وهو في الثامنة عشرة عاماً. أمّا أوّل عمل روائي له فصدر عام 1960 تحت عنوان «مشاهدو السينما».
وعلى مدى العديد من صفحات هذا الكتاب يدرس المؤلف آليات عمل المنظومة التربوية البريطانية في سنوات الخمسينات والستينات من القرن الماضي. هذا مع تركيزه على وجود نوع من «الشبكات الجامعية» التي وجد الكثير من الصعوبات في «ولوجها» أو «المرور عبرها» للحصول على وظيفة تدريس بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي من جامعة برمنغهام التي غدا «أستاذاً فيها» بصعوبة بالغة، كما يروي.
وفي هذه الصفحات يدرس المؤلف كيف أن المجتمع الانجليزي في سنوات الخمسينات من القرن الماضي كان «متطلّباً» جداً على صعيد العادات وما تنصّ عليه من إبداء احترام القواعد العامة والتأكيد على طهارة العلاقات و«الاعتراف للكنيسة"بأية مخالفة. وبالتوازي مع ذلك كلّه يتعرّض المؤلف لتحليل مواقف الأسر «المتزمتة كاثوليكيا» في انجلترا «الانجليكانية"حيال عواطف أبنائها، من الجنسين.
وعبر البحث في العلاقات الشخصية «العاطفية» يتعرّض ديفيد لودج في ذكرياته لانعكاسات الانتماء الطائفي في بريطانيا خلال سنوات الخمسينات والستينات من القرن الماضي. وما وجد امتداداته في أحداث العنف الطائفية التي استمرّت سنوات في ايرلندا حتى فترة قريبة بين «البروتستانت والكاثوليك».
وصفحات أخرى يكرّسها صاحب الذكريات، في إطار التجارب التي عاشها في زياراته للولايات لذلك الخلاف الذي نشب في عام 1969 بين طلبة جامعة بروكلي الأميركية وعناصر الأمن بسبب «مساحة مهملة من الأرض» بالقرب من الجامعة. أراد الطلبة أن يجعلوا من قطعة الأرض المهملة حديقة «مزهرة» يتمتعون فيها بالاسترخاء تحت أشعّة الشمس.
لكن الشرطة طردتهم في فجر أحد الأيام واعتقلت عدّة طلبة، حيث جرى استخدام المطارق والقنابل المسيلة للدموع. و«استمرّت أحداث العنف أسابيع عديدة"حيث أدّت إلى فتح نقاش واسع حول حدود الحريات. يرسم المؤلف من خلال تلك المواجهة أجواء الستينيات في الغرب وما عرفته من «صراع الأجيال"و«صراع الأفكار».
والكتاب ذكريات من ما هو شخصي، ولكنها تتجاوز ذلك إلى الإطار الأعم والأشمل للبحث في التطورات المجتمعية بشتى جوانبها التي عاشها، وعايشها، صاحبها خلال سنواتها.
عن البيان