ام المصريين.. بنت الكفاح

Monday 23rd of May 2016 06:10:13 PM ,

كان زمان ,

كانت الثورة المباركة عام 1919، عقب اعتقال الزعيم الخالد سعد زغلول واخاونه ونفيهم الى مالطة، هي الشعلة التي جمعت ابناء مصر على الثورة في وجه المناصب المستعمر، ودفعت المرأة المصرية للخروج من اسر التقاليد والحجاب لتقوم بنصيبها في الكفاح لحرية الوطن واستقلاله..

وقد كانت"ام المصريين"اول من وضعت لأخواتها المصريات البرامج والفت اللجان لتنظيم جهود المرأة المصرية ايام الثورة والجهاد. وعندما سافرت الى قريتها في منفاه عام 1922، كانت اللجان التي الفتها من السيدات الوفديات، تسير على خطط مرسومة ونظام دقيق، وتؤدي دورها المشهود في تاريخ الكفاح..
وهي التي نظمت خطة العمل للجنة"توزيع المنشورات السرية"المؤلفة من عقائل وانسات كبار رجال الوفد، وقد نجحت هذه اللجنة في القيام بواجبها نجاحا حير قوات الانجليز وافسد كثيرا من خططهم العدوانية المدبرة..
تقول السيدة فهيمة ثابت – إحدى صديقات ام المصريين وزميلتها في السفر الى سعد وزملائه في المنفى:
"كانت ام المصريين تزودنا بتعليماتها وتوجيهاتها الحكيمة كلما اجتمعنا في"لجنة توزيع المنشورات السرية"التي كانت تعقد في بيت الامة، وكنا يجعل بيوت العضوات مركزا للتوزيع في المناطق القريبة حولها، ولم يكن السفور قد اصبح تقليدا مشاعا للمرأة المصرية، فكنا نسير مرتديات الملاءة اللف والبرقع او اليشمك، ثم نطوف ليلا لنوزع المنشورات ونلقي بها من فتحات البيوت وتحت الابواب، وفي الصباح المبكر ندخل مكاتب الموظفين في المصالح والادارات، لنضع عليها المنشورات، او على الاصح التعليمات الصادرة من بيت الأمة ليعرفها كل مصري ويعمل بما فيها تنفيذا لحركة الكفاح الكبرى في سبيل الوطن!".
وفي غمرة جهاد المرأة المصرة لقضية بلادها، تنبهت ام المصريين الى وجوب مقاطعة البضائع الانجليزية، وادركت خطر هذه الحركة على الاعداء فاسرعت تؤلف اللجان من السيدات، وتنظم الدعوة لحركة المقاطعة، وتشرف على طبع المنشورات والنداءات.. وقد دامت حركة المقاطعة طيلة ثلاث سنوات، واظهرت المرأة المصرية فيها وطنية صادقة، فقاطعت منتجات المستعمرين الى درجة تبلغ التقشف، فامتنعت عن استخدام الفحم وانواع كثيرة من الصابون ومعدات التجميل، وهكذا نجحت حركة المقاطعة، وتوقفت حركة البيع تماما في محلات البضائع الاجنبية فافلس كثير منها، وبدل الباقون اسماءهم باسماء وطنية وبضائع وطنية!.
وكانت"ام المصريين"تدرك بثاقب نظرها تقع الاعتماد على ناظرات المدارس المصرية ومدرساتها في خدمة قضية الوطن وبث روح الوطنية، والبطولة، وكراهية المستعمرين الانجليز في قلوب النشئ، وبين طالبات المدارس، ولهذا كانت – رحمها الله – تحب لقاء الناظرات والمدرسات، وتحرص على حضور كل اجتماع يمثلن فيه، لتبث فيهن رسالتها، وتشرح دورهن في كفاح بنات مصر لحرية مصر.. وقد تحملت عناء وجهدا لتحضر الاجتماع الكبير الذي عقد في شبرا، في بيت ناظرة احدى المدارس، للاشتراك في وضع برنامج للسيدات المصريات اللواتي سيقابلن"رشدي باشا"يطلبن منه ان يقدم استقالة وزارته ما دامت عاجزة عن تحقيق رغبات الشعب. وقد حضر هذا الاجتماع اكثر من مائتي سيدة تتولى كل منهن رياسة لجنة في الحي الذي تسكنه، واتخذت المجتمعات قراراتهن، ثم اذاعتها كل واحدة على لجنتها، وفي اليوم المتفق عليه، خرجت مظاهرتهن الضخمة في موكب كانت تنضم اليه لجان الاحياء التي يمر بها.. وكانت مظاهرة تاريخية، مشت فيها سيدات مصر سيراً على الاقدام، مرتديات الملاءات اللف والبراقع، يطفن بالاحياء فيثرن الحماسة ويشعلن عواطف الوطنية.
وكانت ام المصريين زوجة بارة بزوجها، حريضة على توفير كل ما يساعده على اداء رسالته في سبيل وطنه، كانت تعد له بنفسها ثياب الخروج كل صباح: البذلة، والجورب، والقميص، والكرافت التي تتلاءم كلها في ذوق منسجم، وتعاونه على ارتدائها.
وكانت عنايتها بزوجها المجاهد لا تنسيها واجبها كربة بيت.. فهي تحرص دائما على اعداد ما يحبه زوجها من الوان الطعام، واحب الوانه الى سعد"مربي البرتقال"و"طبق البصارة"..
وفي ايام إقامتها مع سعد في منفاه كانت تعد له السمك في الصباح، وتقدم في الظهر والمساء ما تعرف انه يحبه او يقترحه من الوان الطعام.
وكانت ام المصريين حريصة، بعد وفاة الزعيم الكبير، على ان يحتفظ حزب الوفد بوحدته، فكانت كثيرة ما تدعو اعضاءه الى بيت الامة ليتبادلوا الافكار، ويتعرفوا على مختلف وجهات الرأي في ما يعرض لهم من شؤون الوطن واحداث السياسة، وكثيرا ما كانت تردد في اجتماعات الوفد في بيت الامة، كلمة سعد المأثورة عندما قال:"إن مثل الوفد كمثل غرفة محملة على اربعة عمد، اذا تصدع احدها، انهارت الغرفة على من فيها.!".
والمقربات من صديقات ام المصريين، يذكرن انها كانت تردد امامهن في كثير من المناسبات، وخاصة لتشهد القاء"المعاهدة التي ابرمت من اجل مصر، وان يلقيها الرجال الذين ابرموها.!".
وها قد الغيت المعاهدة، والغاها الرجال الذين ابرموها، وانبثت مصر تعمل لحريتها.. لقد تحققت امنية ام المصريين، وفي هذه الايام التي ترفع فيها مصر علم الكفاح، ينحني ابناء مصر تحية المكافحة الاولى في ثورة الجهاد: ام المصريين..!

الاثنين والدنيا/
تشرين الثاني- 1951