القراءة كالرغبة الجنسية

Saturday 18th of June 2016 06:18:23 PM ,

ملحق اوراق ,

عبدالكريم يحيى الزيباري
ما كانت سوزان سونتاغ لتنشر هذه اليوميات، ولو كانت ستنشرها ما كانت لتنشرها بدون مراجعة وتنظيم وحذف وتعديل وإضافات، اليوميات منشورة كما كتبت كمسودات، للنشر بل للتذكر فقط. ولأنها ماتت ولم تترك وصية، قرر ابنها ديفيد ريف نشر اليوميات كما هي.

في الرابعة عشرَة من عمرها، كانت تؤمن بالدولة المِثالية وحكومة مركزية قوية تسيطر على الثروات وتحقق العدالة والمساواة والرفاهية، تدعم العاجزين والمسنين.
كان من حقِّ سوزان تسمية الجزء الأول من يومياتها ولادة ثانية، لأنَّها كانت تولد من جديد بعد قراءة كل كتاب، في الخامسة عشرَة (بينما رواية توماس مان"الجبل السحري"هي كتاب يواكب كل حياة المرء،"الرجل السحري"من أجمل الروايات التي قرأت/ ص16). وهي تقصد"الجبل السحري".
كلما توغلت في قراءة يوميات سوزان، ازدادت آلامي، قرأت سوزان كتباً لم أقرأها ولم أسمع بها حتى، وآلمني أكثر أنَّ عدداً كبيراً من هذه الكتب متوفر ورغم ذلك لم أقرأها مثل"نقطة مقابل نقطة"لألدوس هكسلي وقد ترجمه نظمي لوقا وعلي أدهم، ونشرته دار الشؤون الثقافية العامة عام 1990. وفي السادسة عشرة استمعت الى أناييس نن تحاضر عن وظيفة الفن والفنان، وحين قرأت الإخوة كارامازوف شعرت بالاشمئزاز لأنَّها نجسة. قرأت رواية هيرمان هيسه (دميان) وجدت الفوطبيعية في الفصل الأخير مروِّعة. قرأت فاوست: غوته، ومارلو ومان، وأعجبها مارلو فأعادت قراءة فاوسته عدة مرات. نهاية أيار 1949 لم تستطع مقاومة نسخ بعض رباعيات عمر الخيَّام، لأنَّها عبرت عن ابتهاجها الداخلي. بدأت تقرأ أوسوالد شبنغلر"انحطاط الغرب"تقرأ رواية أندريه جيد"قوت الأرض"تعيدها إلى آلام الأمير الأبله ميشكين، وبراءة أليوشا كارامازوف. تقرأ روايته المزيفون، وتعجب ببطلها إدوار الذي يزمع كتابة كتاب اسمه المزيفون، لكنه ينشغل بكتابة يومياته، وفي النهاية ينشر يومياته ويترك المزيفون، وترى سوزان أنَّ إدوار هو أندريه جيد الذي بدأ وانتهى في قضية إعلامية. لكن ما هي هذه القضية؟ هكذا ظلت في الكتاب رموز نحمد الله أنَّ المترجم لم يتدخل ويشرحها في هوامش، لتظل آفاقاً مفتوحة أمام كلِّ قارئ ومدى ثقافته، ربما كانت القضية عن مثلية جيد، وربما كنت قضية أخرى، ما يهمنا أنَّ سوزان أيضاً تحقق لها نشر يومياتها ككتاب كبطل أندريه جيد إدوار. وقرأت رواية"ظلام في الظهيرة"ولم تذكر بطلها روباخوف الذي سيظل على طول صفحات الرواية يعاني ألماً شديداً في أسنانه، وروايته أشبه بمقالات الشاعر بدر شاكر السياب الذي انقلب على الحزب الشيوعي.
لهنري جيمس روايات: السفراء وأجنحة اليمامة والأميرة كاساماسيما، والبوسطنيون قصص. ثم تعيد قراءة رواية"الوحش في الغابة".
12 أيلول 1949 شاهدت مسرحية ميلر (موت بائع متجول) صحراء الحياة العائلية والابتزاز الأخلاقي. حين قرأت رواية جيمس جويس"صورة الفنان في شبابه"كتبت (من الصعب على امرئٍ لم يلد في ثقافة المتحدثين باللغة الانكليزية أنْ يُقدِّر الجمال... جويس وبروست كلاهما يُشددان على الزمن... الزمن هو مسألة معاصرة/ ص71) وسيظلُّ كذلك لأنَّ الزمن هو الله، إحدى تجلياته المتجددة.
"كبرياء وهوى" جين أوستن. هنري جيمس "صورة سيدة" والرواية أخرجتها النيوزيلندية جين كابيون بطولة جان مالكوفيتش ونيكول كيدمان 1996."عالم رائع جديد"ألدوس هكسلي. وهي دستوبيا يتخيل فيها أنَّ القيم الإنسانية ستختفي وسيتم صناعة الأطفال في الأنابيب والزجاجات!
تنقطع اليوميات حيث لم يعثر الابن على يوميات والدته 1950- 1952. ليبدأ في 19/1/1953 في محل بيع الكتب تشعر بالغثيان لأنَّ"مراسلات ديكارت"قد نفد. والمترجم كتب (مراسلات ديكارت نفذ من المحل/ ص84). وبعد كل عدد من الصفحات تكشف مشاعرها بجرأة كبيرة، تطلق قائمة من الكتب، كيركجارد حول مفهوم السخرية(كانت هذه أطروحته 1841/ ص285) الكثير من الكتب لم تترجم إلى العربية. تعيد قراءة"تحت عيون غربية"لجوزيف كونراد. وتنهي كتابها"الرغبة الفكرية هي كما الرغبة الجنسية".