اجتماع قصر الرحاب 28 كانون الاول 1947..قصة الايام التي سبقت انتفاضة بورتسموث

Sunday 26th of June 2016 05:34:46 PM ,

ذاكرة عراقية ,

فاطمة صادق عباس السعدي
دعا الوصي عبد الاله، عدداً من رؤساء الوزراء السابقين والبرلمانيين والشخصيات البارزة الى اجتماع عقد في قصر الرحاب مساء الثامن والعشرين من كانون الأول 1947، وقد وجه الوصي الذي أدار الاجتماع للحضور، أسئلة ثلاثة وهي:

" 1- هل العراق بحاجة الى معاهدة تحالف مع دولة أجنبية أم لا؟
2- إذا كان في حاجة الى ذلك فمن هي هذه الدولة الأجنبية؟
3- ماهي الأسس التي يعتبرونها صالحة لهذا التحالف؟"
وطلب الإجابة وإبداء الرأي بصراحة. وهذه الأسئلة هي التي جرى حولها النقاش وتبادل الرأي في ذلك الاجتماع الذي أستمر عدة ساعات. كما يذكر عبد الرزاق الهلالي.
أن اجتماع قصر الرحاب الذي اريد منه تسجيل مواقف بعض الساسة لتهيئة أذهان الرأي العام تجاه المعاهدة، كان بمثابة الشرارة الاولى التي أشعلت الفتيل فيما بعد، وبخاصة من جانب بعض من الساسة والوزراء السابقين الذين لم يتم دعوتهم لحضور هذا الاجتماع.
حين جرى النقاش بشأن هذه الأسئلة الثلاثة، كان النائب داود الحيدري اول المتحدثين مذكرا الحضور بأن وزارة توفيق السويدي، قد شرعت بموضوع تعديل المعاهدة العراقية ـ البريطانية 1930، وطلب من رئيس الوزراء السابق توفيق السويدي، إعطاء الحاضرين فكرة عن الموضوع، وكان رد توفيق السويدي،"عندما اخذتُ المسؤولية، وفكرت وتداولت مع الوصي بان الوقت قد حان للنظر في سيستم (نظام) المعاهدة مع بريطانيا ووضِعت فقرة بالمنهاج، بمفاتحة بريطانيا على اسس (ميثاق سان فرانسيسكو) وكنتُ انتظر المفاوضات المصرية – البريطانية حتى نسير على ضوئها. ولكن الوزارة لم تبق في الحكم والمفاوضات المصرية – البريطانية قد طالت، وعند ذلك شكلت الحكومة لجنة من اربعة وزراء اجتمعوا في وزارة الخارجية والنتيجة موجودة في وزارة الخارجية ومجلس الوزراء".
أوضح صالح جبر"أن الهدف من الاجتماع، كما امر الوصي هو الاستنارة من آراء الحضور، ولم ندخل بمفاوضات جديدة والحكومة ليس باستطاعتها أن تذكر شيئا لأنه لم يتم أي شيء وأن الأسس التي يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار تحتاج الى البحث". تحدث حمدي الباجه جي عن ضرورة تعديل المعاهدة التي مر عليها اكثر من سبعة عشر عاما. واوضح أن للبريطانيين الحق بجلب الجيش حسب الحاجة في المطارين، والمعاهدة مقيدة للسياسة الخارجية، حسب مصلحة بريطانيا. وعاد داود الحيدري معقبا وموجها سؤاله الى رئيس الوزراء صالح جبر،"ان في نية الوزارة تعديل المعاهدة، وان تكون على أساس الند للند، ولكن الذي يريد فسخ العقد، لابد أن يكون قد هيأ العرض ووضع المادة بالتعديل، على أساس اخذ موافقة الطرف الثاني". وقد ذكر رئيس الوزراء صالح جبر معقبا على الحيدري"بأن الحكومة لازالت بهذا العزم [الند للند] ولا نريد عرض وجهة نظرها للمناقشة. ولابد لها من وضع الأسس التي تحمل الحليفة (بريطانيا) على أساس الند للند لعقد المعاهدة. وانكم ترغبون ان تستأنسوا بآراء الاخوان وقد نتفق على الاسس التي تفكر بها الحكومة هل هناك ضرورة بعقد معاهدة؟ وما هي المسائل المهمة التي يجب تعديلها، والموضوع ليس مناقشة الحكومة".

أما السيد عبد المهدي المنتفكي، فقد أوضح بأن ليس من السهل إبداء الرأي بهذه العجالة، والمعاهدة فيها ما يمس استقلال العراق. في حين قال مصطفى العمري، بأن تعديل المعاهدة جاء في منهاج وزارتي السويدي وصالح جبر،"وكنت قد سألت رئيس الوزراء بالمجلس عن تقرير لجنة توفيق السويدي، هل قبلتم أسس تقرير السويدي او التعديل على هذه الأسس ونقاط أخرى؟، كان جواب الرئيس (صالح) على ما أتذكر: غير مرتبط بتقرير لجنة وزارية او تشكيل لجنة، وانما قال إنها بالدراسة"واشار الى أن الوزارة قد هيأت شيئا."إنها منشغلة خلال الأشهر المنصرمة بتعديل المعاهدة واقناع الإنكليز بهذا التعديل".
لقد شهد الاجتماع العديد من المداخلات التي اسهم بها حمدي الباجه جي ومصطفى العمري والسيد عبد المهدي المنتفكي وأعقبهم صادق البصام قائلا:"..ظروف المعاهدة الحاضرة تختلف عن ظروف العالم في الحال الحاضر، وإننا في أمس الحاجة الى حلفاء ونتشبث بالإنكليز". وقد اقترح تشكيل هيئة فنية، وان الاستقلال لايتم إلا بتسليم القاعدتين الى العراق. وتساءل توفيق السويدي هل يريد العراق التعاقد مع بريطانيا؟. واجاب نعم نريد معاهدة تحالف واكثر من صداقة ويكون المبدأ الذي نسير عليه هو معاهدة تحالف والأسس يجب أن تكون ما بين الند للند، وحسب ميثاق الأمم المتحدة. في حين ذكر نصرت الفارسي ضرورة الاطلاع على أفكار الجهتين حتى نستطيع ابداء الرأي بشأن تعديل المعاهدة وقال أن الموضوع يتعلق بطرف آخر ليس لنا السلطة عليه. وانه ليس ثمة ما يدعو للشكوى إذ لم يبق سوى تسع سنوات على انتهاء مدة المعاهدة. واوضح مولود مخلص ان معاهدة 1930 عقدت في ظروف يعلمها الحضور، ولما كانت هذه الظروف قد تغيرت ونحن جميعا متذمرون من المعاهدة فلابد من"عقد معاهدة إتفاق ودفاع معها يتناسب مع شرفنا..". وقد ذهب ابعد من ذلك في قوله بأن الملك فيصل الأول الذي سماه (سيدنا الأكبر) قد أجرى هذا الحلف ونترك للتاريخ الموضوع، والان نحتاج الى معاهدة شريفة، معاهدة صداقة وحلف.
وكعادته كان محمد رضا الشبيبي، قدم الشكر بتأدب للوصي لهذه الدعوة، وقال ما اريد قوله هو اني مؤيد الأخوان، إذ ليس المرغوب فيه إبداء رأي معين بخصوص تعديل المعاهدة، او تبديلها، ما لم يطلع على أمرين وهما حسب اعتقاده، وجهة نظر الحكومة بالأسس التي هيأتها كمقترحات من جهة، وما هي وسائلها للحصول على احسن ما يمكن الوصول إليه للعراق من جهة أخرى، وتساءل فيما إذا كان لدى الحكومة الان من إيضاح. فلها بيان ذلك، مذكرا عند مناقشة المنهاج أن لاندخل في التعديل، لأن العبرة في التطبيق لا الأقوال. كان محمد رضا الشبيبي يؤيد بحماسة إلغاء معاهدة 1930، ومقتنعا أن وزارة صالح جبر ليست مؤهلة للاضطلاع بالمهمة المذكورة، وان المفاوض العراقي الحالي لا يحقق الرغبات.
أما نجيب الراوي فقد ذكر أن الحكومة جادة في تعديل المعاهدة او تبديلها، والقصد حسب تعبيره أن تستأنس بآراء الحاضرين، وقد لامس الحقيقة في النيات الرسمية وما ذهبت اليه الوزارة ورغبة الوصي عبد الإله. وذكر محمد حسن كبة، أن التعديل والتبديل شيء واحد، وقال"أقول هذا وأقوله فضولا، حتى عن نصرت الفارسي والشبيبي، المعاهدة الحاضرة لاتتفق مع الظرف الحالي، لأنها عقدت بظرف غير الظرف الحالي..".
يتضح مما تقدم بأن ما ذهب إليه الوصي قد تحقق في أحاديث الحضور في الاجتماع، وقال الوصي مؤكدا حديث السويدي،"ان حجتنا قوية، بينما قال أن القواعد شيء ثقيل وقال أن خبيراً عسكرياً سيعطي الإيضاحات وهو رئيس أركان القوة الجوية البريطانية واحد المفاوضين البريطانيين، آرثر وليم تيدر" Arthur William Tedder، ويبدو من حديث الوصي أن حوارا دار مع تيدر بشأن الأمور التي تخص القواعد العسكرية، وقد سأله الوصي ما هي الفائدة من وجود جيش أو قواعد لكم، وأجاب أن هناك أشياء سرية لا يمكن إبداؤها. ويضيف الوصي"فأجبته فماذا تقولون إذا انتهى أمد المعاهدة؟ ونقول لكم لاتعقد معاهدة، والتذمر يزيد فماذا تفعلون بعد ذلك. قال يجب أن نفكر بذلك".
وهكذا وضع الوصي عبد الاله الحوار في الهدف الذي يصبوا إليه وتصبوا إليه الحكومة. وبعد أخذ ورد من المداخلات، قال عمر نظمي"أن موضوع المعاهدة مفاجأة وإذا أردنا تبديل المعاهدة لا يوجد من يخالف إذا كان التعديل لا يمس سيادتنا واستقلالنا، مع تقديري لأعمال صالح جبر، فأنه إذا جاء بأحسن معاهدة سيلقى معارضة أيضا، ويجب أن يوضح نوري السعيد كلام (السلامة) الذي أشار إليه في حديثه"، والشيء اللافت للنظر آن الدعوة لم توجه الى قادة الأحزاب لحضور الاجتماع، وان تجاهلهم كان له الأثر الواضح في التصدي للمعاهدة الجديدة فيما بعد، فقد أصدرت هذه الأحزاب بيانات رافضة لأية معاهدة تمس سيادة البلاد واستقلالها.
المهم في الأمر، الهدف الذي تطلعت اليه الوزارة والوصي، قد تحقق، وان نوري السعيد كان العامل الأول في عقد هذا الاجتماع، والذي قال لصالح جبر في ختام الاجتماع"لماذا كنت مترددا من عقد هذا الاجتماع، أسمعت كيف أن هؤلاء الساسة لم يطلبوا أكثر مماسبق، ان حصلت عليه من الإنكليز، وقد حققته في مفاوضاتك معهم"، الأمر الذي يدل بوضوح، مدى الرؤية التي يتعامل بها نوري السعيد وكيفية الرد على المناقشات، بشأن المعاهدة.
أن مشورة نوري السعيد إلى صالح جبر هي التي قادت إلى عقد هذا الاجتماع في أمر المعاهدة، فضلا عن مشورة رؤساء بعض الأحزاب السياسية وعدد من المسؤولين القدامى، وبإصرار من الوصي عبد الإله. وكان صالح جبر حاضراً.
وفي هذا الصدد يقول توفيق السويدي، بعد أن أنفض الاجتماع، خرج الأمير من غرفة الطعام إلى غرفة الاستقبال".. إقتربت منه وقلت له: أن وزارة صالح جبر ضعيفة.. لاتقوى على احتمال مسؤولية المفاوضات، فيجب أن تنظروا في وزارة مفاوضات.."لكن الوصي لم يؤيد السويدي، ورأى أن تستمر وزارة صالح جبر في مهمتها بعقد المعاهدة، ثم تستقيل بعد ذلك. وأضاف السويدي بأن الوصي قد استدعاه وقال له"..وجدت أن تبديل الوزارة في الوقت الحاضر، قد لا يتأتى منه نفع، لأنني اعتقد أن رئيس الوزراء لايمكن أن يقوم بالمفاوضة وحده وإنني كلفت نوري السعيد وفكرت بأن أكلفك بالذهاب مع رئيس الوزراء".
لقد اقتنع الوصي بان الجميع وافقوا على تعديل المعاهدة على وفق أسس، يجب أن توضع قبل البدء بالمفاوضات، الأمر الذي دعاه أن يطلب حضور نوري السعيد وتوفيق السويدي، لاخبارهما برغبته اللقاء بهما مع رئيس الوزراء صالح جبر ورئيس الديوان الملكي احمد مختار بابان في قصر الرحاب.

اجتماع مصغر في قصر الرحاب، 3 كانون الثاني 1948
تقرر في هذا الاجتماع المصغر الذي ترأسه الوصي عبد الإله، تثبيت الأسس الخاصة بتعديل المعاهدة وهي:"
1- رفع قيد المشاورات في الأمور السياسية والخارجية والاكتفاء بعدم انتهاج أي الطرفين سياسة معادية للأخر.
2- تسليم العراق القاعدتين الجويتين في الحبانية والشعيبة.
3- عدم السماح لإبقاء قوات مسلحة بريطانية في العراق في زمن السلم.
4- إلغاء حصر استخدام الأخصائيين في العراق، بالبريطانيين.
5- إلغاء الاتفاقية الخاصة بالسكك الحديد والميناء.
6- ضرورة تسليح الجيش العراقي والقوة الجوية بنفس أسلحة القوات البريطانية.
7- رفع القيود الموجودة في التمثيل السياسي في معاهدة 1930.
وقد وافق مجلس الوزراء، على البنود السبعة، التي ستجري على وفقها المفاوضات مع بريطانيا في لندن.
قرر مجلس الوزراء تشكيل الوفد المفاوض في الرابع من كانون الثاني 1948، برئاسة صالح جبر وعضوية وزير الخارجية محمد فاضل الجمالي ووزير الدفاع شاكر الوادي ورئيس مجلس الأعيان نوري السعيد وعضو المجلس توفيق السويدي. وكان الوفد يستند إلى دعم السياسيين العراقيين إلى حد ما وتقرر أن يكون مع صالح جبر، ابرز شخصين يعتمد عليهما الوصي هما نوري السعيد وتوفيق السويدي، بصفة مستشارين.
غادر الوفد في الخامس من كانون الثاني 1948، إلى لندن، وكان الجمالي قد هيأ الأجواء لعقد الاجتماع بين الجانبين، فقد التقى النائب الدائم لوزارة الخارجية البريطاني أوروم سارجنت Orm Sarjent لتحديد النقاط التي سيبحثها رئيس الوفد صالح جبر ووزير الخارجية البريطاني ارنست بيفن.
على الرغم من الاحتجاجات الواسعة من جانب ابرز الشخصيات والأحزاب السياسية، مثل الاستقلال والأحرار والوطني الدمقراطي، برفع بيانات احتجاج إلى الوصي، تندد وترفض المفاوضات من اجل تعديل المعاهدة، في ظل وزارة غير منبثقة عن إرادة الشعب، وان عدم دعوة الأحزاب للمشاركة يعد إغفالا مقصودا، من جانب الحكومة تجاه الأحزاب. ومن بين ابرز الحقائق التي لا يمكن إغفالها، ما ذكره حنا بطاطو بقوله"سمع قادة الأحزاب بالاجتماع من الإذاعة"ويقصد به اجتماع قصر الرحاب. ولدى قراءتهم صحف الصباح. ولم يزعج نوري السعيد والوصي نفسيهما بإعطائهم أية فكرة عن الموضوع. وأضاف"جاء في تقرير سري معاصر للشرطة بأن رجال الأحزاب، لم يتلقوا الدعوة واعتبروا ان تجاهلهم بهذه الطريقة، يعد إهمالا واضحا وتجاوزا على رأي الأحزاب".

عن رسالة:
صالح جبر ودوره السياسيي في العراق
حتى عام 1957.