الاول من تشرين الاول 1942.. تسيير باصات مصلحة نقل الركاب..ذكريات طريفة

Sunday 25th of September 2016 06:30:18 PM ,

ذاكرة عراقية ,

في عام 1889 – 1890 ظهر نوع من العربات الخشبية يجره زوج من الخيول، وقد خصصت لنقل الركاب بين بغداد والكاظمية.. بقيت هذه العربات واسطة النقل الوحيدة في بغداد اضافة الى الدواب. ولم ير سكان بغداد الباصات إلا بداية الثلاثينات، وكانت ابدان هذه الباصات مصنوعة محليا من الخشب، وقد اخذت اعدادها تتزايد يوما بعد يوم،

مع تطور حركة العمران التي شملت بعض الضواحي المحيطة ببغداد. ومن الظريف ان احدهم قام بصناعة باص خشبي ذي طابقين سيره في شوارع بغداد فجأة مما اثار دهشة الناس واستغرابهم.
إلا ان هذه الباصات جميعا لم تنجح، وذلك لخطورتها وحشر المسافرين فيها حشرا يفوق استيعابها، والغاية من ذلك تحقيق الربح فقط، ونتيجة للحاجة الملحة سكان بغداد الى وسائط نقل تنقلهم الى اماكن عملهم – جعل الحكومة انذاك تسعى الى توفير وسائط النقل للاهالي
باص الامانة
تشكلت مصلحة نقل الركاب عام 1938 لادارة نقل الركاب في العاصمة بواسطة السيارات، والفت اول لجنة لادارتها، ولكنها لم تعقد اي اجتماع لها حتى تاريخ 4 حزيران 1940، وتقرر في تشرين الاول عقد اتفاقية مع احدى الشركات الانكليزية لشراء مائة باص، لكن ونتيجة لظروف الحرب العالمية الثانية، الغيت الاتفاقية في عام 1942.
وبذلك جمدت اعمال المصلحة وتاخر تنفيذ المشروع.
وبعد تجميدها نقلت اعمالها الى امانة العاصمة، وتأسست شعبة تتولى مهمة نقل الركاب في العاصمة وقد اشترت الشعبة هذه بعض مخلفات الجيش البريطاني في العراق من اللوريات وركبت لها ابدان خشبية واستعملتها لنقل الركاب. ومنذ ذلك الحين والناس يدعون باصات المصلحة "الامانة" بسبب تبعيتها لامانة العاصمة ومازال الناس يدعونها "الأمانة " الى يومهم هذا.


شارع الرشيد والرقم 2
في عام 1942 سيرت امانة العاصمة 21 باصا خشبيا في شارع الرشيد واعطي هذا الشارع رقم "2" وكان هذا الخط منقسما الى ثلاثة مناطق، تبدأ الاولى من باب المعظم وتنتهي في سينما الحمراء سابقا والتي كان موقفها في ساحة الامين حليا – وتبدا المنطقة الثانية من سينما الحمراء وتنتهي عند سينما الزوراء "الشعب حاليا".
اما الثالثة فتبدأ من سينما الزوراء وتنتهي في الباب الشرقي.
اما الاسعار فكانت 14 فلسا في الدرجة الاولى والتي كانت مقاعدها مغلفة بالجلد و10 فلوس للدرجة الثانية والتي كانت مقاعدها خشبية غير مغلفة.
استمرت شعبة النقليات في امانة العاصمة بشراء سيارات وشاحنات الجيش البريطاني حتى العام 1946 حيث تم توقيع اول عقد لشراء باصات من نوع "كومر" والتي ساعدت على فتح خطوط جدديدة وفي العام 1947 بلغ عدد الباصات 113 باصا مستعملا و7 باصات جدديدة، و27 باصا عاطلا، وتجمع بين السيارات التي ابدانها من خشب وكذلك الجديدة. مما دعا الى تشكيل مديرية مصلحة نقل الركاب مرة ثانية ولكنها بقيت مرتبطة بامانة العاصمة ويرأسها امين العاصمة، وبما ان امين العاصمة لا يستطيع التفرغ لاعمال هذه المصلحة، لم تتمكن من التقدم بحيث تؤمن الحاجة المطلوبة، لذلك كثرت الشكاوى حول عجزها، ففكر المسؤولون باعادة النظر فيها وفك ارتباطها من امانة العاصمة.. وارتبطت بوزارة الداخلية، ثم فك ارتباطها من امانة العاصمة، ولكنها هذا المرة ارتبطت بوزارة الداخلية على شكل مديرية عامة، اما الناس فقد بقوا يدعون الباصات "الامانة" ولم يسموها "داخلية"!!
اواخر العام 1951 وصلت صفقة مكونة من (100) باص ذات طابق واحد واخذت تعمل في شوارع بغداد. وفي 18 /2/1953 فتحت اول دورة للتدريب على السياقة، وفي العام نفسه وصلت صفقة ايضا مكونة من 100 باص اخر ذي طابق واحد.. وفي العام 1954 اضيف باص واحد فقط كان قد عرض في المعرض التجاري البريطاني وتم شراؤه من المعرض.. وبوصول الوجبة الثالثة من الباصات والمكونة من 20 باصا من ذات الطابقين في العام 1953، قررت المصلحة اعتبار باصات "كومر" المشتراة في العام 1946 – 1947 بحكم المنقرضة وتم سحبها من العمل.
وقد وصلت بغداد في العام 1956 مائة باص جديد، مما دعا المصلحة الى فتح مدرسة لتعليم السياقة تخرج منها في السنة نفسها 25 سائقاً.

اللقط والمفقودات
كان من ضمن انظمة المصلحة المعمول بها انذاك هو نظام اللقط. وهو عند العثور على اللقط والمفقودات كانت تعلن في الصحف، وذلك خلال اسبوع من تاريخ العثور عليها في سياراتها.
واذا لم يطالب بها احد خلال شهر واحد بعد الاعلان تباع بواسطة لجنة تضم عضوا او اكثر من اعضاء هيئة الادارة حسبما يقرره المدير العام، ويسجل ثمنها ايرادا نهائيا للمصلحة.

ايكاروس وليلاند ووزارة البلديات
بقيت المصلحة تابعة لوزارة الداخلية حتى عام 1959 اذ تم فك ارتباطها من الداخلية، وتم تحويلها الى وزارة البلديات. في العام 1960 استطاع مهندسو وعمال المصلحة من انتاج باصين اطلق عليهما اسم "بغداد".
ثم تسلمت المصلحة 100 باص اخر حتى العام 1962 اذ وصل 80 باصا بطابقين، ثم دخلت باصات نصر من جمهورية مصر العربية وعمل في شوارع بغداد 67 باصا من هذا النوع. وفي شهر شباط 1969 صدر نظام مصلحة نقل الركاب في بغداد، وثم دخول الايكاروس عام 1971، وبرتش لايلند عام 1976.
الجابي رقم 295
جواد مهدي علي مدير السيرو التفتيش في المنشأة العامة لنقل الركاب. كان قد عين جابيا في العام 1952 وان الاسم الرسمي له انذاك بائع تذاكر. انه يتذكر تاريخ تعيينه في 20/5/1952.
اما عن كيفية عمله فيقول انه كان طالبا في متوسطة الخدمة الوطنية "موقعها فوق سينما ريجنت في راس جسر الاحرار في الصالحية". وانه ان انذاك في الصف الثاني المتوسط ويرى سيارات المصلحة تمر من الشارع ففكر في العمل وكان تعيينه براتب قدره 6 دنانير تعطى لاهله منه 3 دنانير وله الباقي يوفر منها دينارا واحدا شهريا، وكان يحمل بائع تذاكر "جابي" رقم 295.
وقد تزوج في العام 1963 وكان راتبه انذاك 18 دينارا وهو يتذكر "الكاري".

البلامة والطلاب
من الطرف التي تذكر عدد تسيير باصات المصلحة في شوارع بغداد، وعندما سير اول باص بين الجعيفر وباب المعظم، اصبح اصحاب القوارب "البلامة" الذين كانوا يعبرون الركاب بين الكرخ والرصافة دون جدوى مما جعلهم يعتدون على السواق والجباة لكن ذلك لم يجد نفعا مما جعلهم يبتكرون طريقة لتاخير الباص وهي انهم عندما يرون الناس يركبون الباص يقدمون السمك المشوي للسائق والجابي مما يسبب تاخيرهم فيضجر الناس ويتجهون الى القوارب.
اما طلبة دار المعلمين العالية فكانوا لا يدفعون اجور النقل، فيقومون بالاستيلاء على "سدارة" الجابي ويرمونها من الامام الى الخلف وبالعكس وهكذا يحدث الهرج والمرج الى ان يصلوا الدار "كلية التربية حاليا" بدون دفع اي اجور.

عزرائيل في المصلحة
كان السواق والجباة يخافون المفتش، لانه يعاقب بقطع الراتب لاتفه الاسباب، وكانت العقوبات تصل الى قطع مبلغ "ربع دينار"؟ من الراتب وهذا يعتبر مبلغا عاليا، واذا تاخر الباص 5 دقائق تصل العقوبة الى نصف دينار. وقد وصلت في احد الايام الى دينار عوقب بها الجابي لعيبي حميد في العام 1951 عندما اخذ طول القماش " الفلم" الذي كانت الارقام تكتب عليه، وبدور ليظهر الرقم المثبت للخط، لان زوجته كانت بحاجة الى دشداشة فوجد ان طول القماش قد استبدل بواحد جديد، فاخذ القديم وخاطته زوجته بدشداشة لها، وصادف ان المفتش جاء الى دار لعيبي فوجد زوجته ترتدي دشداشة ولكن عليها ارقام فعرف من ذلك انها من المصلحة وفرض العقوبة وقدرها دينارا واحدا فكانت كارثة كبرى لانها دينار.. "خوش ضيف".
مجلة امانة العاصمة 1978