حسين عبداللطيف… نار القصيدة الخالدة لا ينطفئ

Wednesday 26th of October 2016 06:56:55 PM ,

عراقيون ,

حسام السراي
كأنّ الشعراء يتحسّسون موتهم أو إنّهم يرسمون الطريق إلى الوداع الأبدي للحياة وللأحلام والانكسارات، بعضهم يمضي فجأة، وآخرون تضعنا محنهم وسيّرهم مع القهر والمرض، أمام تقويم الغياب الذي ليس لنا فيه إلا إحصاء أيّامهم المتبقية في مسلسل العد التنازلي لمعركتهم مع الحياة. نعم معركة، أو ليس العيش في بلاد الرافدين معناه توطيناً للإنسان في حرب لا نهاية لها مع الاستقرار والأمان، حيث مزاجيات العسكر وأهواء الساسة، منذ أن قيل عن هذه البلاد انّها غدت جمهورية!

رحل عن عالمنا، الشاعر العراقيّ المعروف حسين عبداللطيف (1945ــ 2014)، صاحب المجموعات الشعريّة: «على الطرقات أرقب المارّة» (دار الشؤون الثقافيّة في بغداد 1977)، و«نار القطرب» («الشؤون الثقافيّة ـ 1995)، و«لم يعد يجدي النظر» (دار الجمل ـ 2003)، و«أمير من أور» (دار الينابيع ـ دمشق 2010) ومن ثمّ كتابه الشعريّ الأخير «بين آونة وأخرى يلقي علينا البرق بلقالق ميتة – متوالية هايكو» (سلسلة كتب بصريّة ـ وزارة الثقافة في بغداد 2012).
بدأ بكتابة قصائد التفعيلة في ستينات القرن الماضي، ساعياً إلى التفرّد بصوت خاص وسط جيل مجدّد ومتطلّع للتجريب والتحديث في شكل القصيدة. لكنّه كان يميل دائماً إلى كتابة تستمد روحها ممّا حوله، حين يحيل الصمت إلى جمل شعريّة، إذ اتضحت عزلة الشاعر ورغبته بأن يكون بعيداً عن فوضى المحيط العام في « نار القطرب»، وهنا نستعيد مقطعاً له: «بصيصٌ ضئيل/ يدخل الآن من فرجة الباب مرتجفاً…/ بعد ما الذكريات/ رحلت ـ وهي تحمل صرتهاـ/ بعدما السنوات/ أقفلت كلّ أدراجها../ واتّخذنا الدخان../ ساتراً لنا/ كي نغطي افتضاح الدموع..».
حملت مجموعته «أمير من أور»، ملامح لغة المغترب عن الواقع الذي يتأسّى على صديقه الرسّام والشاعر أحمد أمير على الطريقة الجلجامشية في رثاء رفيقه أنكيدو. ومّا يحسب لعبداللطيف انّه دائماً ما يطلّ على المشهد الأدبيّ بجديد حقّاً في الكتابة الشعريّة. على فراش المرض قبل عامين، أصدر قصائده الهايكو التي قال عنها «إنّها تنطلق من منظور ثقافيّ آخر له أعرافه وتقاليده الخاصّة وطابع توجهه العام، ومنسوقه اللغوي الخاص، الذي هو العربيّة هنا، بسياقاتها ونحويتها المتحكمة بطرق المعالجة، عند الكتابة بها وذلك بالتخفّف من شروط الصيغة اليابانية لهذه القصيدة ذات الثلاثة أسطر والمقاطع السبعة عشر التي ترد على النسق (7،5،5)، أي بطول النفس الواحد عند القراءة».
نعى الراحل «اتحاد الأدباء والكتّاب» في البصرة، منوّها إلى أنّه كان «صوتاً مفارقاً في الشعريّة العراقيّة وسبق أن ترأس اتحاد الأدباء واللجنة الثقافيّة في الاتحاد وتربّى الكثير من الشعراء على يديه»، ورثاه بيت الشعر العراقيّ ببغداد، عبر بيان جاء منه: «وداعاً لصاحب المسيرة الثرية في المشهد الشعريّ العراقيّ. وليست الاستعانة بكلمات الفقيد إلا سبيلاً لتجرّع هذه الخسارة، حقّاً يا ابن البصرة وشاعرها العميق: سنوات؟/ أم تلك ضرائبْ/ لمَطالبِها. ما من حد؟/ هل أملك نفسي الجمعة/ لأبعثرها السبت؟/ هل أختلق الذكرى/ كي أضرب صفحاً عن ذكر الغد؟» كما أبّنه الشاعر العراقيّ سعدي يوسف قائلاً: «في البصرة اليوم، رحل حسين عبد اللطيف الشاعر ذو الضجيج الأقلّ والنصّ الأعمق».
أهمّ ما يُشهد له، هو صلاته بالشعراء الشباب ورغبته الدائمة في محاورتهم وإبداء رأيه في كتاباتهم وتحريضهم على المواصلة في تقديم أنفسهم إلى الساحة الثقافيّة؛ لأنّه متابع دقيق وقارئ حاذق لنتاجات الأجيال الجديدة.
وإذ رحل حسين عبد اللطيف بتأثير الجلطة الدماغيّة في «مستشفى الفيحاء» في البصرة، يغفو إلى الأبد بصمته المعتاد فيما كلّ ما هو خارج غرفته يصخب ويستعر.
عن جريدة الاخبار/ 2014