عراقيون في الجيش العثماني ..عسكريون مشاهير من ولايات العراق المختلفة..

Sunday 4th of December 2016 06:50:29 PM ,

ذاكرة عراقية ,

نزار علوان عبد الله
أخذت علامات الانحطاط تتضح في الدولة العثمانية أبان القرن الثامن عشر متمثلة في فساد الادارة الحكومية , وتدهور النظام الاقتصادي والاجتماعية, وتكرر الهزائم العسكرية واستمرار الانتفاضات في مختلف الولايات الخاضعة للحكم العثماني , ولوجود بعض السلاطين ورجال السياسة المتنورين ظهر تيار إصلاحي داخل الدولة العثمانية يرمى الى محاولة اصلاح تلك الاوضاع في اجهزة الحكم ومؤسساتها المختلفة.

شملت تلك الاصلاحات التي بدأت في منتصف القرن التاسع عشر بعض الجوانب المهمة , منها البنية الاجتماعية للسلطة التي تبنتها الدولة العثمانية في مختلف نواحي التنظيمات الادارية , ومنها الجيش بعد ان ساد قبل ذلك نظام في الجيش العثماني عرف بالانكشارية الذي تم إلغائه عام 1826.
كان الجيش الميدان الاول الذي اتجهت اليه الإصلاحات وكان ذلك أمراً طبيعياً في دولة عسكرية الطابع منذ نشأتها كالدولة العثمانية, فالنخب العسكرية العثمانية قادت الحكم ردحاً من الزمن منذ تأسيسالدولة عام 1299 على يد مؤسسها الحقيقي عثمان بن ارطغل (1299 ــ 1326). كما ان النخب العسكرية كانت في معظم الاحيان المسؤولة عن الهزائم العسكرية المتلاحقة التي أصابت الدولة طوال القرن الثامن عشر مما جعل الإصلاح في المؤسسة العسكرية كما يبدوا هدفاً رئيسياً. اذ كان جوهر الإصلاح يكمن في تأهل العسكريين من الضباط على وجه الخصوص من الناحيتين التدريبية والتربوية على اعتبار انهم كانوا يمثلون جزءاً مهماً من التركيبة البيروقراطية لجهاز الدولة.
كان اغلب الضباط في الجيش العثماني وحتى اواخر القرن الثامن عشر من الاتراك اذ لم يسمح لغيرهم من ابناء الولايات التي كانت خاضعة لحكم الدولة العثمانية في الانضمام الى الجيش لكن تلك القاعدة تم الاستغناء عنها في مرحلة متأخرة من تاريخ الدولة العثمانية منذ مطلع القرن التاسع عشر بعد توسع الدولة جغرافيا والذي ترتب عليه توسيع قوام المؤسسة العسكرية, عندئذ سمح بانتماء ابناء الولايات الاخرى من غير الاتراك للجيش.. ووفقاً للإصلاحات الجديدة لم يكن العراق الذي كان جزءاً من الدولة العثمانية بمعزل عن تلك التغيرات، فتاريخياً بدأت ملامح تقوية الجيش في ولاية بغداد منذ تولي داوود باشا الحكم عام 1817, اخر الحكام المماليك الذين حكموا في العراق , الذي شرع بإعادة تنظيم جيشه وفق النظام المعمول به في الجيوش الحديثة , ولكنه مع ذلك لم يستطع من فتح مدارس عسكرية في بغداد في حينها. بسبب طبيعة العلاقات غير المتكافئة بين حكم المماليك في العراق وبين المركز في استانبول , الامر الذي قدر لحكمه بالانهيار عام 1831 على يد الدولة العثمانية لخشيتها من تطور طموحاته السياسية،وبأنهيار حكم المماليك في العراق عمدت الادارة العثمانية بعد مرحلة من الفوضى التي أعقبت الغاء المؤسسات العسكرية ووحداتها التي أنشئها داوود باشا نفسه. الى تكوين قوات مسلحة لولاية بغداد عام 1848 مرتبطة بالقيادة العامة في استانبول عرفت بجيش العراق والحجاز.
ومن الجدير بالذكر ان العراق كان في أواخر العهد العثماني مقراً للجيش العثماني السادس الذي خضعت قيادته لوزارة الحربية في استانبول مباشرة وكان بغداد مقراً لذلك الجيش الذي كان الهدف منه السيطرة وفرض الامن على ولايات العراق الادارية.
غير ان تلك الاصلاحات التي شملت الجيش لم يكن لها اثار واضحة في العراق الا بعد عام 1869 في عهد الوالي مدحت باشا الذي تبنى سياسة اصلاحية شملت مختلف جوانب الحياة ساعياً من وراء ذلك ربط الولايات العراقية الثلاثة بغداد والموصل والبصرة, بعضها ببعض , وأقامة نظام اداري مركزي يسهل من خلاله عملية تحديث البلاد واصلاح اوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لذلك كانت ولاية بغداد في مقدمة الولايات التي فتحت فيها المدرسة الرشدية العسكرية التي اسست عام 1870 وكانت مدة الدراسة فيها اربع سنوات , يقبل فيها الطلاب على نفقة الحكومة بعد ان ينهوا الدراسة الابتدائية , وكان الطلاب فيها يتلقون مختلف الدروس ثم أنشأة مدرسة رشدية عسكرية اخرى في السليمانية عام 1893. وهاتان المدرستان تعدان الطلاب للالتحاق بالمدرسة الاعدادية العسكرية التي أنشأة في بغداد عام 1878 , وكانت مدة الدراسة فيها ثلاث سنوات , وذلك تنفيذاً للخطة الموضوعة لنشر التعليم العسكري , والحصول على طلاب مستعدين للدخول في المدرسة الحربية في استانبول.
يعد التعليم العسكري في العراق الذي ظهر في عهد الوالي مدحت باشا, اسبق انواع التعليم الحديث نتيجة لاهتمام الدولة العثمانية بتنظيم التعليم العسكري في استانبول وبعض الولايات العثمانية الاخرى تنفيذاً للخطة التي وضعها الخبراء الالمان في ذلك الجانب لاسيما (فون درغولتش), ولذلك فأن التوسع في التعليم العسكري شجع الكثير من الطلاب العراقيين الطموحين على مواصلة تعليمهم كأفضل وسيلة للحصول على مراكز ذات نفوذ ومكانة اجتماعية متقدمة, فقد هيئت انظمة الجيش العثماني والمدارس العسكرية فرصة ذهبية للطلاب الاقل ثراء لمواصلة تعليمهم , فتلك المدارس كانت لا تتقاضى اجوراً من الطلاب بل تدفع راتباً مقبولاً لطلابها وتجهزهم بوسائل الراحة. وتتكفل بأعاشتهم واكسائهم ومنحهم مصروف الجيب الشهري, ومن ثم ارسالهم على نفقتها بعد تخرجهم الى استانبول لاكمال تحصيلهم في المدارس الحربية.
وفر التعليم العسكري في العراق الفرصة لحوالي (60) طالباً في كل عام للدراسة , واتاح امامهم المجال للسفر الى استانبول لمواصلة دراستهم. ولذلك كان لافتتاح المدارس العسكرية في العراق تأثير كبير في توجيه اذهان الشباب اليها وحملهم للانخراط فيها. وقد ساعد على ذلك الاتجاه عوامل عدة اهمها: ما كان للضباط من شأن ومكانة اجتماعية في ذلك الوقت , وما كان لبزاتهم وملابسهم العسكرية من اثر في نفوس الناشئة , فضلاً عن دور الدولة في تحمل نفقات الدراسة, فغالبية العوائل في المجتمع العراقي انذاك كانت عوائل متوسطة أو فقيرة في مستواها الاجتماعي , وكان من الصعب عليها إرسال أبناءها الى الدراسة في المعاهد العالية والسفر الى خارج البلاد فكانت تفضل إرسال ابناءها للمدارس العسكرية للانخراط في سلك الجيش.
كان من الواضح ان لجوء العثمانيين الى الاصلاح العسكري له التأثير المهم على الحياة الاجتماعية والثقافية في الولايات العراقية وخصوصاً امكن انشاء المدارس الحديثة في المدن الرئيسية قبل نهاية القرن التاسع عشر المزيد من الشباب الانتقال الى المدارس والمعاهد العسكرية في استانبول. فقد بلغ عدد خريجي تلك المدارس أبان الحرب العالمية حوالي (1338) طالباً كان منهم (500) طالب من خريجي المدارس الاعدادية العسكرية. كما وصل العدد الاجمالي لخريجي المدارس الحربية في استانبول من الطلاب العراقيين حوالي (1000) طالب عام 1914. بعد ان كان (76) طالباً عام 1899. وهكذا ولتلك الاسباب كان العراق اكبر الامصار العربية الوقعة تحت الحكم العثماني حصة بعدد خريجي المدارس العسكرية.
ويكفي ان نشير ان تلك العوامل ساهمت في ظهور نخبة من الضباط العراقيين في الجيش العثماني كان لها دور ثقافي وسياسي واسهامات عسكرية.فعندما أنشأة المدرسة العسكرية في بغداد عام 1878, درس فيها عدد من الضباط العراقيين منهم الرئيس (النقيب) علي مظلوم الذي درس الرياضيات , والرئيس السيد نوري توفيق الذي درس الفلك.
وحين أسست مدرسة الاركان في استانبول عام 1848 حاضر فيها عدد من القادة البارزين في الجيش العثماني من الضباط العراقيين ومنهم الفريق الركن محمود شوكت باشا, والفريق الركن هادي باشا العمري. وكان للمقدم الركن علي نجيب دور كبير في تأسيس مدرسة لاعداد ضباط الصف في بغداد عام 1910 , وكان قد اختار معه للعمل في تلك المدرسة عدداً من الضباط العراقيين ومنهم علي جودة الايوبي , وجعفر العسكري ونوري السعيد), ومن بين الضباط العراقيين الذين كان لهم دور سياسي في العهد العثماني الفريق الركن محمود شوكت باشا الذي زحف على العاصمة استانبول في 23 نيسان 1909 ليقود انقلاباً عسكرياً خلع على اثره السلطان عبد الحميد الثاني من الحكم, ومن الضباط العراقيين الذين كان لهم دور سياسي في العهد العثماني عبد المحسن السعدون الذي كان مرافقاً للسلطان عبد الحميد الثاني الذي منحه رتبة مقدم عام 1905 , ثم انتخب نائباً عن متصرفية العمارة في مجلس المبعوثين في كانون الاول 1908 , فنائباً عن متصرفية المنتفك في حزيران عام 1912 , واستمر كذلك حتى حل مجلس المبعوثين عام 1918.
كان لمعظم الضباط العراقيين في الجيش العثماني بعد تخرجهم من المدرسة الحربية في استانبول حضاً اوفر بفرصة الدراسة في اوربا والاطلاع على العلوم العسكرية وتعلم العديد من اللغات , والمشاركة الفعلية في المعارك التي خاضها الجيش العثماني في عدة مواقع عسكرية مما اكسبهم الخبرة في القتال والثقافة العالية،ومن اولئك الضباط جعفر العسكري الذي خدم في الجيش العثماني السادس في بغداد وأرسل في بعثة الى الخارج لدراسة العلوم العسكرية في المانيا وحصل على شهادة الدبلوم في الدراسات العسكرية. من اكادمية فردريك الثاني وقد اظهر مقدرة عسكرية عالية في جميع المعارك التي خاضها مع الجيش العثماني سواء في معارك القصيم (1905 ــ 1906) أو في حرب البلقان (1912 ــ1913) أو في الحرب العالمية الاولي , وكان جعفر العسكري ذو ثقافة عالية , واظهر كفاءة في تعلم العديد من اللغات كالارمنية والفارسية والإنكليزية والفرنسية, وحصل على وسام الصليب الحديد الألماني , كما منحته الحكومة البريطانية وسام القديس ميخائيل وجورج CMG.
ومن الضباط العراقيين المتميزين في الجيش العثماني نوري السعيد الذي خدم في الجيش العثماني السادس في العراق ورقي في نيسان1911 الى رتبة ملازم أول , والتحق في تلك السنة بمدرسة اركان الحرب , واثناء وجوده في كلية الاركان تعلم اللغة الفرنسية كما استمع الى محاضرات في التاريخ والاسترتيجية من مدرسين المان, وبعد تخرجه اشترك في الحركات العسكرية العثمانية ضد البلغار خلال حرب البلقان (1912 ــ 1913) فأكتسب بذلك خبرة عملية في ميدان القتال.
ومن الضباط العراقيين كذلك في الجيش العثماني من الذين كان لهم دور سياسي واضح مولود مخلص. الذي كان عضواً فعالاً في جمعية الاتحاد والترقي واسهم مع مجموعة من الضباط من اعضاء الجمعية المذكورة في الانقلاب العثماني في 23 تموز 1908. ومن الضباط العراقيين الذين كان لهم قدرات عسكرية عالية مع الجيش العثماني لاسيما في الحرب العالمية الاولى ياسين الهاشمي الذي قاد بنجاح الفرقة العشرين في جبهة غاليسيا في النمسا قلده على اثرها الامبراطور الالماني الثاني الوسام الحديدي.
ومن الضباط العراقيين ايضاً جميل المدفعي الذي التحق بمدرسة الهندسة العسكرية في استانبول وتخرج فيها ضابطاً للمدفعية عام 1912 , وشارك مع الجيش العثماني في حرب البلقان (1912 ــ 1913) وشهد معارك الحرب العالمية الاولى عام 1914 في جبهة القفقاس وفلسطين حتى وقع اسيراً لدى القوات البريطانية.
ومن الضباط العراقيين في الجيش العثماني علي جودة الايوبي الذي تخرج من المدرسة الحربية في استانبول عام 1906, وشهد معارك الحرب العالمية الاولى عندما كان يقاتل الى جانب الجيش العثماني في البصرة حتى وقع اسيراً بيد القوات البريطانية.
ومن الضباط العراقيين الذين خدموا في الجيش العثماني بكر صدقي الذي تخرج من المدرسة الحربية عام 1908 برتبة ملازم ثاني وخدم في ادرنة لمدة سنتين ونصف واشترك في حرب البلقان , ثم انتمى الى مدرسة الاركان فتخرج فيها عام 1915. وخدم بعد ذلك في الجيش العثماني بصفة ضابط ركن استخبارات المقر العام في استانبول.
وقدر لبعض الضباط الشباب من العراقيين الذين التحقوا في الجيش العثماني اثناء الحرب العالمية الاولى ان يكون لهم دوراً فاعلاً فيها, امثال صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد ومحمود سلمان وكامل شبيب الذين ظهر دورهم السياسي في العراق فيما بعد.
ان اولئك الضباط ومن خلال ادوارهم في الجيش العثماني سياسياً وعسكرياً وثقافياً اكتسبوا خبرة ليشكلوا فئة اصبحت لاحقاً نخبة عسكرية متميزة ومتماسكة شاركت النخب السياسية الاخرى في العراق بعد ان استكملت ابعاد شخصيتها وعلاقاتها العسكرية والسياسية, وبرز ثقلها الكمي من خلال رصيدها العسكري والسياسي في أطار المؤسسة العسكرية كما ظهر ثقلها النوعي بين بقية النخب السياسية العراقية من خلال الاحداث السياسية التاريخية بعد عقد من تأسيس الدولة العراقية.

عن رسالة
(الدور السياسي للنخبة العسكرية في العراق)