من ذكريات مردان المعدة للنشر.. من أيام الطفولة

Wednesday 7th of December 2016 06:45:55 PM ,

عراقيون ,

أنا لا أعرف اليوم الذي ولدت فيه لذا لا اعرف عمري بالضبط. ويزعم دفتر النفوس أني قد جئت إلى العالم في سنة 1927 وهذا التأريخ موضع شك ايضاً. والأرض التي شاهدت وجهي لأول مرة تقع في قضاء(طويريج) وتدعى اليوم(الهندية).. ولا أعرف أصلي كذلك، فوالدي يزعم أنه من قبيلة العبيد ومن آل سلطان بالذات(أيمن الشيوخ) أما أمي فتدعي أنها من عشيرة البيات. ولم أقم بأي تحقيق في الموضوع. فلم اكن أؤمن في يوم ما بمثل هذه الأمور.

ولذلك لم أضف إلى اسمي أي لقب كما هي العادة المتبعة عند البعض واعتقد شخصياً أن جذور عائلتي تمتد إلى قوميات متعددة! فالشكل العام لملامحي وعيني بصورة خاصة يؤكد أن عروقي تحمل الدم العربي ممزوجاً بدماء الترك والكرد. وأظن أن هناك دماء أخرى.
ولعل هذا الخليط هو السبب في وجود هذا الكائن المتناقض الذي يدعى حسين وسيكتشف القارئ صحة هذا القول الذي يبدو الآن غير طبيعي كلما توغل في هذه المذكرات..

قضيت السنين الأولى من طفولتي متنقلاً مع والدي بين مدن الفرات الأوسط ثم انتقلنا إلى قضاء الخالص وهناك دخلت المدرسة الابتدائية ولم أعد اذكر من أصدقاء المدرسة غير جاسم العزاوي وآخر اسمه الأول حارس وقد نسيت اسم أمه، حيث كنا حينذاك نسمى بأسماء الأمهات، والغريب إني لا أستطيع أن أرسم صورة واضحة لهذا العهد من حياتي. والفلم الوحيد الذي لم يمسح تماماً هو الذي يظهر فيه الزقاق الذي كنا نسكن فيه والشارع المؤدي إلى مكتب البريد وساحة المدرسة وبستان الصولاغ المجاور لدارنا. مع بعض الصور الجيدة الوضوح للمعارك التي كانت تدور بين أبناء محلتنا-السوس- وأبناء محلة- الحلفه- وأتذكر أن قائدنا كان يدعى جاسم أما زعيم جماعة الحلفة فشخص اسمه((أكبر)). ولي مع أكبر هذا قصة صغيرة.
يخيل لي أني لم أكن طفلاً في يوم من الأيام فأنا لا أستطيع..وعلى الرغم من خيالي الواسع أن أتصور نفسي صغيراً ابتسم لكل من يداعبني.. وكل ما أتذكره من ذلك العهد هو مجموعة من الصور المتقطعة الباهتة. ولقد ولدت في مدينة طويريج ولا أحتفظ لهذه المدينة الصغيرة بغير شريط من الماء الأصفر هو نهر الفرات. وفي قضاء الخالص ترعرعت وقد كتبت قصة صغيرة عن بستان بالقرب من البيت الذي كنا نسكن فيه وهي بستان الصولاغ ولعلها قد أصبحت اليوم شارعاً أو دائرة حكومية، وترتبط هذه البستان في ذهني بعدة مغامرات بسيطة كالبحث عن أعشاش الطيور وسرقة الفواكه. ومن الأمكنة التي لا يزال طيفها ينتصب أمامي كلما قرأت شيئاً عن هذه المدينة هو هذا الصندوق الأحمر والنهر الرفيع الذي يطوق البيوت من الناحية الشرقية. وللأنهار تأثير خاص في ذاكرتي فكل المدن التي عشت فيها تدور في نفسي حول الأنهر وأعتقد أن السبب هو أن النهر كان مصدر حكايات كثيرة عن الحيوانات والمخلوقات المائية.
وتزعم أمي أني كنت في منتهى الوقاحة وإني كنت سريع الغضب وأحب التشرد في الأزقة ولم أكن أحب اللعب إلا مع البنات ومع ذلك فلم تحبني امرأة طيلة حياتي..واذكر إني كنت من أمهر رماة الأحجار وقد قتلت لقلقاً ولقد أحزني منظره وهو يلوب من الألم ومنذ ذلك اليوم تركت هذه اللعبة اللعينة ولم أعد إليها إلا مرة واحدة في مدينة استكهولم في السويد. والعجيب أني قد أصبت الهدف في هذه المرة أيضاً ومنحت جائزة جميلة وهي((فرارة من الورق)) أهديتها لمرافقتي السويدية.
لقد تعلمت في طفولتي أشياء كثيرة ومتنوعة مثل السباحة وركوب الخيل وصناعة التماثيل الطينية ومراكب الورق. وغيرها من الألعاب التي كانت شائعة حينذاك. ولكن تسلق الأشجار كانت هوايتي المفضلة. فقد كنت شديد الولع بأكل النبق والتفاح الأخضر والتوت..أما في الليل فكنا نتجمع في ساحة المحلة أو نتجول قرب من السوق ننصت إلى سبيل الصخب المقبل من الباعة والمقاهي. ولا يزال وجه العم((مهدي)) الذي كنت أحلق شعري عنده يعود إلى عيني بين فترة وأخرى..هذا في الصيف أما في الشتاء فكنا نتحلق حول مناقل الفحم أو أعواد الطرفة ومن بين القصص المسلية التي كانت تسردها((أم محمد)) كنت أحب قصة الطنطل ذلك الكائن الجبار الذي يخف من منظر إبرة الخياطة! ومع إننا لم الحقيقية كنت أميل إلى صداقة الكلاب وانقر من رؤية القطط! ولم اكره أي مخلوق مثل كراهيتي للجرذان. ربما لأنها تأتي إلى عالمنا من وراء الثقوب المظلمة. لقد كانت تخيفني وإني لاش-ستغرب كيف أعطي الجرذ في أيامنا الحاضرة هذه الشخصية الفذة وخاصة في أفلام الكارتون. ومن المؤسف حقاً أن معظم تلك الحكايات اللطيفة والتي ترمز بعضها إلى صفات أخلاقية معينة لم تجد حتى الآن من يمد يده إليها فيخرجها من صمتها المظلم ويضمها بين دفتي كتاب، وقد انقرض قسم منها ولاشك إنها ستختفي بعد سنوات إلى الأبد. والقصة الوحيدة التي ظلت عالقة في بالي هي قصة الديك الذي كان لوالده بذمة السلطان مبلغ قرش واحد. تبدأ القصة عندما بلغ الديك سن الرشد وقرر الحصول على هذا القرش وسأحاول كتابتها وتقديمها للقراء الصغار في عدد قادم من-مجلتي-..
أما بالنسبة لذاكرتي المدرسية فقد كنت أود كافة الدروس عدا اللغة الإنكليزية. هذه اللغة التي أشعر بأشد الحاجة إليها الآن.. وكذلك درس الحساب الذي كان عدوي اللدود ولقد عاشت هذه العداوة إلى اليوم بل أنا أكره حتى البنوك والآلات الحاسبة كما إنني وبالتبعية أضيق بمعاشرة كل من له علاقة بدنيا الحساب والمحاسبات. ومن النكت الطريفة إنني كنت مرة أناقش البعد الرابع عند انشتاين مع دكتور في الرياضيات وكدت أحظى بإعجابه لولا تدخل أحد الخبثاء حيث همس فقال إن من يناقشك في النسبية والبعد الرابع لا يعرف الأبعاد الثلاثة فدهش الدكتور ورفض سؤالي عن الأبعاد هذه. ولكن صاحبي أصر على ذلك فاضطررت للاعتراف بعدم معرفتي بها وعندما قيل لي إنها الطول والعرض والارتفاع ضحكت من غبائي.

مذكرات حسين مردان ضمن
الاعمال الكاملة للشاعر
التي ستصدرها دار المدى قريبا