طقوس ما بــعد الأربعين

Saturday 21st of January 2017 07:27:02 PM ,

ملحق اوراق ,

شكر حاجم الصالحي
ظلت المرأة موضوعاً مهيمناً وحاضراً في المدونات السردية والشعرية التي انتجتها المخيلة العربية منذ قرون. وقد تنازعت النظرة اليها رؤيتان متناقضتان , إحداهما لم تنظر لها ــ المرأة ــ سوى انها وعاء للذة والمتعة ورحم للانجاب , في حين وجدتها الأخرى كياناً انسانياً فاعلاً ومنتجاً وشريكاً , وبين هاتين الرؤيتين , كانت الأنثى ولّما تزل الضحية التي تنوء تحت سياط الاستبداد والقمع والتهميش الذكوري الصارخ ,

وقد تجسد ذلك في ما قرأناه من نصوص صادمة ظهرت طافحة بالغزل الماجن والريبة والاتهام بالخيانة والمكر , ولم تكن غواية التفاحة واسطورة الطرد من النعيم الأزلي , بمنأى عن تكريس هذه النظرة القاصرة , وهي في نظر الأغلبية (قاصرة عقل) وجسد يمور بالغواية والخديعة , وليست إنسانة بمالها وما عليها من احاسيس ومشاعر , فهي متهمة على الدوام بعدم الوفاء والتنكر للعهود والمواثيق , والتي أحدثت شروخاً عميقة في تكافؤ العلاقة السليمة القائمة على المساواة بين طرفي ادامة النوع رجل / امرأة , اذ تحولت الى علاقة غير متوازنة , ذكر / انثى.
سيكون (طقوس ما بعد الأربعين) ديوان الشاعر حسين نهابة ميداناً لهذه القراءة التي ترافق (25) نصاً , ضمها هذا الديوان الأنيق ومنذ العنوان تبدأ الإشكالية القرائية , وثريا النص تكشف عن وعي مضمر ينعكس على رؤية الشاعر ومدى نجاحه في معالجة موضوع المرأة بكل ما فيه من تفاصيل وملابسات لا سيما وان العنوان يشير الى ان هذه النصوص / طقوس ما بعد الأربعين , ونحن ندرك ان الأربعين تعني النضج وترويض العواطف الهائجة والنظر الى الأمور بعقلانية الأربعين (سنة) التي انتجت نصوص الديوان ــ التي من بين عنواناتها التي تشير الى ما نزعم وما يؤكد صواب استنتاجات هذه القراءة ولنقرأ:
شهقة الفقدان , رجولة ممتهنة , سندباد رحلتها , مذبح عينيك , طقوس ما بعد الأربعين , عبير رحمتك , منكِ تعلمت , كوني مطمئنة ,رشا... والملاحظ ان اغلب قصائد الديوان موجهة الى المرأة / الأنثى التي تتلون فصول تجربتها بما يثير فضول الشاعر مستفزاً مشاعره اللابدة خلف ركام القيم والتقاليد والأعراف العتيقة , فهو يقول مثلاً في نصه ((شهقة الفقدان)) ص 15:
لا تكوني امرأة تقليدية / فلست الرجل الذي تغريه النساء والخجولات /
بشفاههن المتوردة / والضفائر الذهبية / انا انكسار جاء من غبار الحزن
ومن شهقة الفقدان , / في ليلٍ مثل شعرك...
هذا النص ــ كما ارى ــ يفصح عن شخصية رجل شرقي متماسك لا تغريه المظاهر الخارجية الخادعة ولذا فهو يبحث عن انسانة تبادله صدق المشاعر بعلاقة انسانية ليست عابرة , ولذا فهو يؤكد اشتراطاته في ذات النص:
لا تكوني معي امرأة تقليدية / وتزعمي اني كبرتُ / وان هذه القصص
لم تعد لنا / ظلّي معي طفلة / و دعي المجنون فيَّ / يحدثكِ عن ليل احتراقه/
وعن فحول اشتياقه / لم تعد تعنيني الرموش الناعسة / ولا الأصوات
الهامسة / انا أعبد غابات القصب النائحة / على جفنيك... ص 18
لكنه في نص ((رجولة ممتهنة)) ص 25 , يعود الى ذات الرؤية المضببة التي نوهنا عنها في أول سطورنا هذه فهو يقول:
احترتُ معكِ / أبتسم , تغتالني غيرتك غير المبررة /
أعبس , تستنفرين غابات انوثتك / المدججة لامتهاني /
واسقاطي من خطيئة الرجولة / تارة , أهز ذيل الطاعة مرغماً/
كي لا تتهاوى مدنٌ بنيناها معاً / تحت وابل الهزيمة...
في (عبير رحمتك)) ص 85 , يواصل الشاعر حسين نهاية اعترافاته الصادمة معلناً عن (شرقيته) التي لا يمكن لها ان تغادر رؤيته: مهدداً , وواعداً ومندداً:
سأعلن على ملكوتك اعتى الثورات / ستختنقين عشقاً في زمني /
وبجبروتي , سأجعلك تعانين أسوأ النكبات / لن اختار الياسمين
لأبارك به جيدكِ / بل سأطوقه بأغلال من الأفاعي والحيّاتِ / تنفث
في داخلك كل يوم سماً زعافاً /.... / سأتخذك سبيّة لقصري
الحجري / الذي بنيته فوق جبل من نار / فأنّى لك الفرار /
وأجمل ((رشا)) ص 117 في الديوان (طقوس ما بعد الأربعين) , استطاع من خلالها حسين نهابة ان يكثّف مشاعره ويمطرنا بها رذاذاً شعرياً لذيذاً يستحق الإشادة بما انجزه في هذا النص المتألق والمنبثق عن نبض وجداني حقيقي صاغه على هيئة رسالة موجعة:
ماذا اكتب إليكِ يا وجعي
وكل يمامة عنكِ تسألني
لمن سأكتب بعد الآن عنواني؟
ومن يسمع غيرك اشجاني
كيف تأتى لهذا الكاسر ,
ضميريَ الأسود
ان يتيه في وحول أنانيته وينأى عن واحاتك؟
في الختام لابد أن اشير الى مقدمة ((طقوس ما بعد الأربعين)) التي ابدعها الدكتور مالك المطلبي واثرى القارئ بما فيها فهو يقول: في هذه المجموعة الشعرية ((طقوس ما بعد الاربعين)) للشاعر حسين نهابة , تُعلن السيادة المطلقة للخطاب المؤنث , حيث تشكل اشارات التأنيث (ياء التأنيث / لا تكوني وتاؤها / أنتِ , وكافها / بأنكِ وهواؤها / أنتظرها... الخ) ما يمكن ان تكون شرايين تمتد في جسد كل قصيدة من قصائد هذه المجموعة...
وأخيراً لقد أبدعت يا حسين نهابة بطقوسك الشعرية وامتعتنا بقراءة منتجة جعلتنا نبتهج ببابل التي انجبتك صوتاً شعرياً متألقاً نطمع بالمزيد من ابداعاته القادمة....