كيف قرر مصطفى النحاس الطلاق بعد 15 يوما من زفافه؟

Monday 6th of February 2017 06:37:17 PM ,

كان زمان ,

اختفى شبح فتاة الاسكندرية من قلبه! واحتل هذا القلب شبح من قرية سمخراط!
ابتعد الشبح الجديد عن السياسة وشئون الحكم!
كانت سعيدة بانها تسمع من زوجها في الليل الاخبار الهامة التي يقرأها الناس في صباح اليوم التالي!
ولكن شبح سمخراط اصطدم في شهر العسل بشبح سيدة يونانية اسمها "أيلين"! كانت "ايلين" هي الملكة غير المتوجة في بيت الزوج!

كانت تجلس على العرش، وتضع العروس على الرفّ وتعارك الشبحان! وانتصرت المصرية على اليونانية!

امسك مصطفى النحاس صورة الفتاة الجميلة ورماها على الارض وداسها بقدميه وقال لمركم عبيد: مستحيل! لن اتزوجها!
ان الصورة التي كانت تحت حذاء مصطفى النحاس هي صورة جميلة للانسة زينب الوكيل!
فلماذا داس النحاس صورة الفتاة التي لعبت بعد ذلك دورا هاما في تاريخه وتاريخ مصر كلها!
لنبدأ القصة من اولها!
لقد امسك مصطفى النحاس الصورة التي قدمها له مكرم وقال: الجمال موجود! ما عندناش اعتراض على الحلاوة! ودي تبقى مين ياسيدي؟
فقال مكرم: إنها من اسرة الوكيل. فقال النحاس: عائلة كبيرة وعظيمة! وتبقى بنت مين في الوكايلة!
فقال مكرم: بنت عبد الواحد الوكيل. فقال النحاس: مافيش حد في عائلة الوكيل اسمه عبد الواحد! فيه واحد اسمه محمد وواحد اسمه محمود وواحد اسمه احمد.. ما فيش ياسيدي حد اسمه عبد الواحد!
فقال مكرم: دولتك بتتكلم عن عائلة الوكيل في دمنهور.. انما العروس من عائلة الوكيل في سمخراط.
فصرخ النحاس: عبد الواحد الوكيل بتاع سمخراط فقال مكرم: مضبوط!
فصرخ النحاس: انت تجننت يا مكرم؟ انا اتجوز بنت اول واحد خرد على الوفد.. وبقى عضو في حزب الشعب! مستحيل! مستحيل!
ورمى مصطفى النحاس الصورة وداسها بقدميه!
وقال مكرم: ده رجل طيب يا باشا! ومستعد يستقيل من حزب الشعب! ولقد خرج من الوفد لما اشتدت الازمة المالية وحجزت البنوك على امواله.
فقال النحاس: يعني رجل ضعيف! ما قدرش يقاوم! عاوزني اتجوز بنت عضو حزب الشعب ازاي؟ اقول للناس ايه؟ اكلم ابو العروسة ازاي بعد ما خرج علينا وضرب مثل سيئ للوفديين؟ لا يمكن يا مكرم! مرفوضة ! مرفوضة! مرفوضة!.
وانحنى مكرم والتقط الصورة وهو يقول:
- لا يجوز اقحام السياسة في الزواج! ثم ما ذنب الفتاة في ان والدها كان رجلا ضعيفا فانضم الى حزب الشعب؟ كيف تحاسب هذه الفتاة البريئة على خطأ ارتكبه والدها في ساعة ضعف! انت قاض! وطول عمرك مشهور بانك قاض عادل! فهل سمعت عن قاض يعاقب فتاة لان اباها اخطأ؟
فصاح النحاس: انا موش قاض! انا رئيس الوفد! انا زعيم الامة! ولازم اتزوج من اسرة وفدية او اسرة بعيدة عن الاحزاب!
فقال مكرم: ولكن هذه الفتاة هي احسن الموجود! وبصراحة انها الفتاة الوحيدة التي رضيت ان تتزوج من رجل عمره 55 سنة! كل بنت عاوزه عريس شاب! اذا كان عجوزا فهي تشترط ان يكون غنيا! ودولتك عجوز وفقير! والان وقد رضيت هذه الفتاة ان تتزوج الفقير والعجوز، تقول الان ابوها في حزب الشعب! اذا كنت عاوز تتجوز، انسى حكاية حزب الشعب دي! وعلى بركة الله!.
فصرخ النحاس: مستحيل اتجوز بنت عبد الواحد الوكيل! هي البلد ضاقت يا اخي! ما فيش غير دي في مصر كلها؟
فقال مكرم: ما فيش غير دي! بنت من عائلة كريمة فقيرة! موش ح تقول لك اشمعنى بنت فلان باشا ولا بنت علان باشا! لن تطالبك باكثر من معاشك! انها ذاقت الفقر، فستحمد الله على النعمة المتواضعة التي ستيسرها لها!
فقال النحاس: اذا كان ما فيش غير العروسة دي، موش ح اتجوز! خلاص عدلت عن الزواج ! بلاش يا سيدي جواز! خلينا مبسوطين زي ما احنا مبسوطين.
وخرج مكرم وفي جيبه صورة العروس المرفوضة!
وعدل النحاس عن الزواج ولكن بعد اسبوعين من حادث الصورة ذهب النحاس الى بيت مكرم وقال للسيدة عايدة مكرم : انت موش ح تجوزيني بقى ياعايدة؟
فقالت قرينة مكرم: موش لا قية عرائس! وانت موش عدلت خلاص عن الزواج!
فقال النحاس! الواقع انا فكرت في الموضوع! بعد كام شهر سيصبح عمري 55 سنة! واذا تزوجت بعد ذلك فلن تتمتع زوجتي ولا اولادي بالمعاش حسب قانون المعاشات الجديد، وانا رجل مريض وفي حاجة الى زوجة تمرضني! واذا لم اتزوج الان فقد اضطر للزواج من ممرضة غدا فلماذا احرم هذه الممرضة من معاشي؟ انا اريد ان اضمن لزوجتي معاشا بعد وفاتي لانني رجل فقير! واريد ان اتزوج قبل يوم 15 يونيو حتى اضمن لزوجتي معاشا تعيش به!
فقال مكرم اذن انسى حكاية حزب الشعب وتزوج بنت عبد الواحد الوكيل! ما فيش غيرها!
وسكت النحاس لحظة ثم قال امركم!
وتم الاتفاق على ان يعقد القران بدار عبد الواحد الوكيل بحدائق القبة يو 12 يونيو سنة 1934، اي قبل ان يتم النحاس الخامسة والخمسين بيومين حتى تتمتع العروس بمعاشه بعد وفاته!
ومع ان التقاليد جرت على اقامة حفلات عقد القران في مصر في ايام الخميس، فقد رأى عقد قران النحاس يوم الثلاثاء حتى لا يعقد القران يوم الخميس وهو يوم بلوغه سن الخامسة والخمسين.
وطلب والد العروس صداقا قدره الف جنيه، ولكن مكرم استطاع ان يخفض المهر الى 600 جنيه!
ورفض النحاس ان يقترض المبلغ من مكرم!
ورفضت البنوك ان تقرض النحاس المبلغ، لانه لم يستطع ان يقدم ضمانة!
وسمع طلعت حرب بحاجة مصطفى النحاس فامر باقراضه الف جنيه من بنك مصر بلا ضمان.
واخذ النحاس الالف جنيه ودفع منها 600 جنيه لوالد العروس واشترى شبكة بمائتي جنيه، واشترى قمصان جديدة وملابس بمائة جنيه. بعد ان لفت نظره سكرتيره الى ان قمصانه ممزقة او اشترى ملابس جديدة لاولاد اخته ليحضروا بها حفلة الزفاف.. واحتفظ في جيبه بخمسين جنيها!
واحتفل بعقد القران وحضر الحفلة رئيس الوزراء توفيق نسيم والنبيل عباس حليم وجميع اعضاء الوفد ووقف الاستاذ عباس العقاد في شرفة بيت العروس والقى قصيدة قال فيها انه كان يتمنى ان يكون مكان الرئيس! ثم وقف في الشرفة الموسيقار محمد عبد الوهاب وفي يده العود وانشد الموال التالي:
النيل يهنى بفرحة شخصك الغالي والامة تهتف، وصوتها في الهتاف عالي! لمصطفاها العظيم، والكوكب الهادي الله يبارك زواجك يا زعيم النيل وينصرك والوطن ع الظالم العادي.
وباركت ام المصريين هذا الزواج وباركه جميع اعضاء الوفد، وباركته لجنة السيدات الوفديات.
وبدا مصطفى النحاس سعيدا بدنياه الجديدة!
وفجأة وقع حادث غريب! ذهب مصطفى النحاس الى بيت الامة عقب زفافه بخمسة عشر يوما بالضبط وقبل يد ام المصريين وقال لها:
- جئت استأذنك في الطلاق لقد قررت ان اطلق زينت! وانتفضت ام المصريين من مقعدها واقفة وقالت:
- ماذا حدث؟
فقال: لقد خدعوني ! ضحكوا علي!
وفرعت ام المصريين وقالت له: من خدعك؟ من ضحك عليك؟
قال النحاس: اسرة زينب خدعوني!
وسادت لحظة صمت!
وصفتها ام المصريين بانها كانت من اطول لحظات الصمت التي مرت بها في حياتها!
ثم قال النحاس: اتفقوا معي على ان يكون في الجهاز طقم ونصف من الاوبيسون، ولم يحضروا لي الا نصف طقم! وصرخت ام المصريين في وجه النحاس لاول مرة في حياتها: انت اتجننت! فيه واحد يطلق مراته علشان طقم اوبيسون!
فقال النحاس: هذا اخلال بالعقد! انا اتفقت مع عبد الواحد الوكيل على طقم ونصف.. ودفعت المهر على هذا الاساس! انا لا يمكن ان اسمح لاحد ان يغشني! اذا غشوني من اول يوم، ح يغشوني بعد كده!
فقالت ام المصريين: ليس في هذا غش! يجوز ان حالة عبد الواحد الوكيل المالية لا تسمح بشراء الطقم! يجوز انه كان معتقدا انه يستطيع ان يدبر ثمنه، ثم ظهر انه لا يستطيع!
فقال النحاس: ده اتفق معايا! وما دام اخلوا بشروط العقد، يبقى اطلقها.. موش ح اقعد معاها!
فقالت ام المصريين ما فيش عندنا حاجة اسمها طلاق! مافيش رئيس وفد يطلق مراته انت سامع! ده كلام مجانين موش كلام مصطفى النحاس العاقل! عيب اني اسمع كلمة الطلاق دي منك!
ولم يقتنع النحاس واصر على الطلاق!
واستدعت ام المصريين اعضاء الوفد وقالت لهم ان النحاس قد جن! وانها لا يمكن ان تسمح له بطلاق هذه الفتاة المسكينة واصر النحاس على موقفه!
وظهر ان النحاس في الحب والغرام رجل دوغري مثله في السياسة في تلك الايام!
انه لا يحب ان يعده احد ثم لا ينفذ تعهداته!
كان يقول لاعضاء الوفد:
- لقد وعدتني العروس بطقم اوبيسون ونصف ثم جاءت بنصف طقم فقط! لو انها قالت ساحضر لك نصف طقم فقط لما فتحت فمي! اما ان يضحكوا علي فهذا ما لا اقبله مستحيل! مستحيل!.
وقال: اعضاء الوفد ان والد العروس رجل طيب وشريف، وانه اذا لم يكن استطاع ان يدبر ثمن الاوبيسون فذلك لاسباب قاهرة!
وقال حفني الطرزي باشا انه يعرف الرجل الذي استدان منه عبد الواحد الوكيل ثمن نصف الطقم، وانه قريبه، وان كل من يعرف عبد الواحد الوكيل يقول انه رجل طيب.
ولا يجوز فسخ الزواج لسبب كهذا.. ولكن النحاس اصر على الفسخ.. واعلن انه بصراحة عدل نهائيا عن الزواج! وانه يعتبر طقم الاوبيسون مسألة اساسية.
وخشى اعضاء الوفد ان يعدل النحاس عن الزواج ويعود الى السيدة مديحة التي كان يحبها، وعارض الوفد في الزواج منها لانها مطلقة.. ومن هنا راح اعضاء الوفد يتشاورون مع مكرم عبيد سراً فيما يجب عمله في هذه المسألة الخطيرة!
واجتمع اعضاء الوفد وقرروا ان يدفع الوفد ثمن طقم الاوبيسون وكان لا يتجاوز مائتي جنيه في ذلك الوقت!
وعند ذلك فقط رضى النحاس ان يستبقى في عصمته زينت الوكيل!
ودارت عجلة الزمن!
ومن الغريب ان جميع اعضاء الوفد الذين قرروا دفع ثمن طقم الاوبيسون، لا ستبقاء زينب في عصمة النحاس، كرهتهم زينب بعد ذلك وشجعت زوجها على فصلهم واحد واحداً من الوفد!
واستطاعت الزوجة التي كان زوجها يريد ان يفرط فيها من اجل مائتي جنيه ان تسيطر بعد بضعة اشهر سيطرة كاملة على زوجها؟
فكيف حدث كل هذا؟ انها لم تتعلم في الجامعة، كل ما وصلت اليه هو السنة الثانية في مدرسة بنات الاشراف التي كانت تملكها السيدة نبوية موسى.
ولكنها كانت على درجة عظيمة من الذكاء، واستطاعت بذكائها الريفي ان تسد النقص في تعليمها!
وبهذا الذكاء استطاعت ان تبسط جناحيها على قلب مصطفى النحاس وعقله.
لقد دخلت بيت زوجها عام 1934 فوجدت ان سيدة البيت هي "ايلين".. وهي سيدة يونانية كانت تحمل اسم مربية اولاد اخت مصطفى النحاس، ولكنها كانت في الواقع الملكة المتوجة في بيت الزوج، كانت تمسك المصروف، وتختار الطعام وتعين الخدم وتفصلهم وتسيطر على كل حجرة في البيت!
وكانت "ايلين" تعيش في بيت مصطفى النحاس من سنة 1919.. ودعمت السنون مركزها..
فأصرت العروس على طرد "ايلين" بعد خدمة دامت اكثر من 15 سنة!
واخرجها العريس وهو يبكي.. فقد كانت الشخص الوحيد الذي رعى اولاد اخته الصغار، لما نفى مصطفى النحاس الى سيشيل.
وبعد فترة طلبت العروس اخراج اولاد اخت زوجها من البيت.
ورفض الزوج الطلب، وقال ان هؤلاء الشبان هم اولاده. وهم يتامى ولا يمكن ان يفرط فيهم، وهم اذا خرجوا من البيت فسيموتون من الجوع لانهم لم يتموا تعليمهم بعد. واصرت العروس على اخلاء البيت من هؤلاء الشبان!
ولم يفكر الزوج في تلك الفترة في الطلاق.. فقد بدأ يحبها ولكنه كان في نفس الوقت لا يطيق ان يطرد اولاد اخته من بيته.
كان مصطفى النحاس يكثر من البكاء في تلك الفترة!
كان يشعر انه اشقى رجل في الدنيا.
فقد كان لبه موزعا بين الفتاة التي يحبها والاولاد الذين يحبهم وبلغت تفاصيل حيرة هذا القلب الى توفيق نسيم رئيس مجلس الوزراء!
كان الشعب يطالب بعودة الدستور. وكان توفيق نسيم يعارض في عودة الدستور. وكان اعضاء الوفد وعلى رأسهم النقراشي واحمد ماهر يطالبون بعودة الدستور. فرأى توفيق نسيم ان يريح قلب مصطفى النحاس ويريح نفسه!
فعين في وظائف الدولة بمرتبات استثنائية اولاد اخت مصطفى النحاس المطلوب طردهم من البيت!
واستراح مصطفى النحاس بعد ان اطمأن على مستقبل الشبان!
واستراح توفيق نسيم.. فقد اعلن رئيس الوفد ان رئيس الوزراء الذي يعارض في عودة الدستور يستحق تقدير الوطن!
ولكن راحة النحاس لم تعش طويلا!
كان ضميره يقلقه كل ليلة! كان يفكر في اولاد اخته اليتامى الذين اخرجهم من بيته فتنهمر دموعه!
ولما تولى رئاسة الوزارة سنة 1936، قرر ان يعوضهم عن طردهم من بيته فغمرهم بالترقيات والعلاوات الاستثنائية!
وحتى تلك اللحظة ، لم تكن زينب تتدخل في السياسة! كانت سعيدة تمجد زوجها! كانت فخورة بانها زوجة رئيس الوزراء! وانها تسمع منه اهم الاخبار في الليل قبل ان يقرأها الناس في الصباح!
ثم وقع حادث غريب! جاءها شقيقها الصغير ذات يوم يبكي!
لقد سقط في امتحان الملحق بمدرسة التجارة المتوسطة بالظاهر، سقط في مادة الحساب التجاري، حصل على 12 درجة من 40 والحد الادنى للنجاح هو 16 درجة!
كان احمد الوكيل يبكي لانه امضى 9 سنوات في المدرسة ليحصل على شهادة حصل عليها زملاؤه في ثلاث سنوات.. ومطلوب منه اليوم ان ينتظر سنة عاشرة.
وامسكت زوجة رئيس الوزراء سماعة التليفون واتصلت باحد الوزراء وهي تبكي!
واذا بامر يصدر الى ناظر مدرسة التجارة من رياسة مجلس الوزراء بانجاح التلميذ احمد الوكيل وزيادة درجاته من 12 درجة الى 16 درجة. وكان يشرف على تصحيح هذه المادة ثلاثة من الاساتذة وقيل لهم ان هذا هو امر وزاري لا يمكن مناقشته!
وخضع استاذان!
ورفض الاستاذ الثالث ان يغير درجات التلميذ!
وصدر الامر بنقل الاستاذ المعارض من لجنة امتحان مادة الحساب التجاري الى امتحان مادة المحاسبة!
ورفعت درجات التلميذ احمد الوكيل اربع درجات ونجح في امتحان دبلوم التجارة المتوسطة !
وكانت هذه هي المرة الاولى التي تدخلت فيها زينب النحاس في شئون الدولة.
الجــــيل/ كانون الثاني- 1956