ديريك والكوت.. رحيل في عالم مضطرب

Tuesday 28th of March 2017 06:08:48 PM ,

منارات ,

اعداد/ منارات
كيف يمكن للشعر أن يحمل موضوعاً ثقيلاً مثل تاريخ الكولونيالية؟ إجابة هذا السؤال لا تكتمل من دون قصائد الشاعر والكاتب المسرحي الكاريبي ديريك والكوت (1930-2017) الذي رحل اليوم في منزله في الجزيرة الكاريبية سانت لوسيا عن 87 عاماً إثر متاعب صحية لم تُعلن تفاصيلها.
التقط والكوت في شعره جماليات المكان الكاريبي وتناقضاته التاريخية من الاستعمار والعبودية، ناسجاً عالماً فريداً وغنياً تنوّع بين القصائد القصيرة والمطوّلات.

كتب أشعاراً تضاهي الملاحم الإغريقية، فأصدر”أوميروس”سنة 1990، وفيها يعيد تخيّل الـ أوديسا، ملحمة حقّقت له، إثر نشرها، شهرة وحضوراً شعرياً أكسبه”نوبل”بعد نشرها بعامين.

قبل هذه الملحمة بعقود، كان والكوت قد نشر مجموعته”في ليل أخضر”عام 1962، أتبعها بعدة مجموعات غريبة وجديدة في شعريتها وخلال فترة قصيرة. لم يكن من الممكن تجاهل هذه الأعمال من النقّاد، فقد كان صوتها من الفرادة والقوة بمكان، بحيث دفع نقّاداً عالميين في بريطانيا وأميركا إلى كتابة قراءات حولها، وتوقّع مكانة استثنائية في الشعر العالمي لكاتبها.
تحضر الحياة الكاريبية وتفاصيلها في شعره؛ يظهر البحر والشطآن البيضاء والغابات والطيور والمناخ والطقس والمستنقعات والطحالب وتحضر الموسيقى معها، والتعدّد الثقافي واللغوي.
نشر والكوت قصيدته الأولى وهو في عمر الـ 14 عاماً، حين استدان من والدته الأرملة الشابة معلمة المدرسة لينشر قصائده في كتيّبات. ولمّا أصبح في عمر الدراسة الجامعية انتقل إلى جامايكا، حيث تخصّص في الأدب الفرنسي واللاتيني والإسباني وبدأ في تلك المرحلة كتابة الأعمال المسرحية، ومنذ ذلك الوقت ارتبط والكوت بالمسرح وألّف ثمانين نصاً يدور معظمها عن إشكالية الهوية في ظل الصراع العنصري والسياسي، وتعدّ”حلم على جبل مونكي”أشهر هذه الأعمال.
بعد نهاية دراسته الجامعية، عاد والكوت إلى سانت لوسيا حيث عمل مدرّساً وواصل الكتابة الشعرية والدرامية. من أبرز مجموعاته”قصائد مختارة”(1964)،”الخليج”(1970)،”عنب البحر”(1976) وصولاً إلى”قارئة الحظ”(1981) وحتى آخر مجموعاته الشعرية”البلشون الأبيض”(2010) والتي نقلها إلى العربية الشاعر العراقي غريب إسكندر.
تزوّج والكوت ثلاث مرات، لديه ابن وبنتان وأحفاد كثيرون، أما شقيقه التوأم رودريك فكان كاتب مسرح أيضاً. كان يقول إن”قدر الشعر أن يحب العالم رغماً عن التاريخ"، وأن وقت العالم بالنسبة إلى الشاعر هو الصباح دائماً، وفي الصباح رحل ديريك والكوت وفي الجزيرة التي وُلد فيها.
ولد ديريك آلتون والكوت في سانت لوتشيا، احدى جزر الهند الغربية، وتلقى تعليمه الجامعي في جامعة الكولدج في جزر الهند الغربية. وفي عام 1959 عقد دورة دراسية في مسرح ترينداد حيث عرضت مسرحياته لأول مرة، ومن هذه المسرحيات”حلم على جبل مونكي”عرضت في عام 1967 ونشرت في عام 1971، و"توكر الاشبيلي”عرضت في عام 1974 ونشرت عام 1978، وتدور أحداثها في مجتمع محلي في جامايكا، يؤمن بأن العودة الى افريقيا هي الوسيلة الوحيدة للسود ليتخلّصوا من الظلم والقهر في جزر الهند الغربية.
وتشمل أعماله الدواواين الآتية:”في ليلة خضراء”قصائد 1948 ـ 1960 (نشر في عام 1962) و"الناجي كم الغرق وقصائد أخرى”1965، و"عنب البحر”1976، و"مملكة التفاح النجمي”1977، و"الخليج”1969، و"المسافر المحظوظ”1981، و"منتصف صيف”1982، و"طقوس كاريبية”1984، و"قصائد لدخول الملكوت”1987، و"العودة الى الرحم”1991، كما نشرت قصائده المختارة في عام 1993.
والملاحظ أن أشعار هذا الشاعر ومسرحياته تعكس اهتمامه بالهوية الوطنية لجزر الهند الغربية وآدابها وبالصراع بين الميراث الأوروبي البغيض وبين الثقافة الوطنية الهند ـ غربية و"بالاختبار بين الوطن أو المنفى وبالمفاضلة بين تحقيق الذات والخيانة الروحية للوطن". ويمزج والكوت في مسرحياته الشعر بالنثر، ويستخدم مفردات لغة التفاهم اليومي الشائعة في منطقة البحر الكاريبي. أما قصائده فهي في معظمها غنية بالتلميحات الكلاسيكية، وهي تتناول الطبيعة في كل من أوروبا ومنطقة الكاريبي بقدر متساو من الوضوح.
وبحصول والكوت على جائزة نوبل تكون أمنية الناقد سفين بيركيرتس Sven Birkerts قد تحققت، فقد كتب في جريدة ذا نيو ريبابليك The New Republie يقول:”لا يجود فيمن يكتبون بالإنكليزية من خارج منطقتها في الوقت الحاضر من يجمع بين الرقة والرصانة في الأسلوب مثل والكوت. وأعتقد أن الوقت قد حان لكي نركز الضوء عليه وعلى أعماله". ويقول الناقد ر. و. فلنت R.W.Flint في معرض نقده لديوان والكوت (منتصف صيف):”إن والكوت فنان أصيل يمتاز بأناقة الأسلوب وروعته، وتنوع موضوعاته الشعرية. وهذه السمة ـ جنباً الى جنب مع تنقله بين شتى الثقافات ـ تعتبر عنصر جوهرياً من نعناصر سيرة حياته (مجلة ذا نيويورك تايمز بوك ريفو).
ومن أبرز دواوين والكوت الشعرية ديواناه:”مملكة التفاح النجمي"، و"منتصف صيف"، يتتبع والكوت في أولهما”مملكة التفاح النجمي”الحياة في جزر الأرخبيل الكاريبي من ترينداد الى جامايكا. فتأخذ قصائد هذا الديوان القارئ في سياحة طويلة تبدأ في قصيدة”رحلة السفينة الشراعية”التي نجد فيها بحاراً من أب أبيض وأم سوداء ينبذ حياته في ترينداد ويبحر باتجاه الشمال حتى يلقى مصيره هناك. وفي الديوان تطالعنا الصور الخيالية الدقيقة المبتكرة وقد أثراها والكوت وزاد من تأثيرها باستخدامه المتكرر لمفردات لغة الحوار الموسيقية. كما استخدم والكوت في هذا الديوان على وجه الخصوص عناصر الرواية بنجاح كبير لدرجة أنه يبرز الحقيقة في صورة الاستعارة. ويرى أحد النقاد البارزين وهو روبرت موزوكو في المجلة السالف ذكرها:”ان والكوت تتوفر فيه حنكة الملاح ودهاؤه، وهو أمر ليس بغريب على شخص من جزر الهند الغربية.. ويتناول والكوت في ديوانه الجديد مرة أخرى الصراع الأزلي بين الاستحواذ والشعور بالمسؤولية الفردية، ويستخلص العبرة من حركة التاريخ التي ابتليت بها جزرر الهند الغربية التي تعاني المتاعب".
وتنتهي هذه المجموعة بقصيدة”مملكة التفاح ذي النجمة"، وهي قصيدة طويلة تدور حول محاولة إقامة نظام اجتماعي جديد على جزيرة جامايكا من دون التضحية بالديموقراطية. كما يضم الديوان بعض القصائد التي تتناول بطولات واكتشافات حدثت في القرن التاسع عشر على نمط قصص جوزيف كونراد (1857 ـ 1924). ويهدي الشاعر قصيدتين من هذا الديوان الى الشاعرين جوزيف برودسكي وروبرت لويل. أما ديوان (منتصف صيف) الذي صدر بعد المسافر المحظوظ، فقد حاز على الجائزة التقديرية لجمعية هاينمان الملكية للآداب، ويضم 54 قصيدة، كتب والكوت معظم قصائده عندما قضى صيف أحد الأعوام في ترينداد. ويتناول هذا الديوان في قصائده موضوعات علاقة الشعر بالرسم وحالة الجمود التي تخيّم على المناطق المدارية في فصل الصيف بما يصاحبها من نشاط وما يعتريها من ركود، وحركة البحر المملة، والأسرة والصداقة، والظروف الضاغطة التي تضطر المرء الى هجر أقرانه والالتجاء الى العزلة. لقد صاغ الشاعر قصائده بأسلوبه المتميّز الذي يمزج فيه الصور المبدعة المحلقة في سماء الخيال بالذكريات والحقائق المحددة بوضوح، على ضوء تجربته الشعررية الثرية التي مر بها في تلك الفترة المتوسطة من عمره.
ويقول الناقد بيتر ستيت في مجلة ذا جورجيا ريفيو:”ان ديريك والكوت أحد رجال القرن العشرين الموهوبين بالإحساس اللغوي المرهف الذي توفر لشعراء العصر الاليزابيتي، ولا أعتقد أن هذه مبالغة. إن ديوان والكوت (منتصف صيف) ديوان رائع. وهو شامل في موضوعاته ومكتوب بصورة جميلة".