القراءةُ بسحرها

Saturday 27th of May 2017 05:50:14 PM ,

ملحق اوراق ,

هاشم تايه
في كتابه الجديد (سحر القراءة)* يمضي الكاتب جاسم العايف أبعد في تأكيد حضوره كقارئ وسيط بين الكتاب، وقرّائه المحتملين. وبتقفّيه آثار الثقافة، كُتباً، وأحداثاً، ومستجّدات، وتسجيله انطباعاته عنها، مُعرّفاً، أو مستعرضاً،أو قارئاً مجاوراً، أو ناقداً، فإنّه يجسّد انشغاله بهذه الآثار، وإحساسه بالمسؤولية تجاهها إلى مستوى الانغمار،

أو التورّط في صناعة الحدث الثقافي في مدينته. المقالات في (سحر القراءة) أقرب إلى اسكتشات قراءات لعدد من الكتب في أجناس أدبيّة متنوعة، تقترح لقارئها خطوطاً، وعلامات على مسالك رحلته في أغوار هذه الكتب. إنّها استبصارات تشعّ في خلاصات للتحفيز، والتفاعل. وفي ضوء ما قلناه لا يَسعُ المراقب إلاّ أن يضمّ اسم الكاتب (جاسم العايف) إلى طاقم الكُتّاب شديدي الاهتمام برصد الحراك الثقافيّ- في مدينته البصرة - خصوصاً- وملاحقة أحداثه ، وما يُنتجه من آثار بالعرض، والمتابعة، والإضاءة، والتقييم. كما لو أنّه ونظراؤه يعملون في مرصدٍ للشأن الثقافي، يتابعون، بدأب لا ينقطع، حركتَه، ويُعرِّفون بما يطرحه للتداول الثقافيّ. وهو عملٌ له أهميّة كبيرة بنصبِهِ شاشةً للتعرّف الأوليّ الذي يُطلع المثقفَ المهتمّ، والقارئ الشغوف على ما تُطلقه الرّحمُ الثقافية من ولادات، ويوفّر عليهما الوقت لوضع اليد على ما يرغبان فيه، فضلاً عن خدمته مؤلفي الكتب الذين يهمهم كثيراً أن يكون هناك مَنْ يتولّى ترويج أعمالهم في فضاء الثقافة. منذ سبعينات القرن الماضي، حين قُدِّرَ لي أن أرى ( جاسم العايف) على منصّة نادي الفنون في البصرة، يُلقي بانطباعاته عن الأغنية السياسيّة على جمهور غفير - يا لتلكَ الأيّام! - وهو يضيف الكثير إلى رصيده من الاهتمام بشؤون الثقافة الحيّة وشجونها ومتابعتها راصداً، ومستعرضاً، ومُعرّفاً. قد تسمح لي طبيعةُ العمل الذي يقوم به (العايف) بوصفه بالمُستطلع الثقافيّ ذي القلب السّاخن الذي اختزنت ذاكرته وقائع الثقافة في مدينته البصرة، بفواعلها، والأجواء التي عاشت فيها، وغدا، بسببها، مؤهّلاً لكتابة التاريخ الثقافي لهذه المدينة بألقه وخيباته، إذ يمتلك ذاكرة يقِظة ما تزال تحتفظ بتفاصيل الحياة الثقافيّة التي عايشها، إلى جانب تمتّعه بقدرات ذهنيّة جداليّة وافرة مكّنته من الخوض بندّيّة مع الخائضين في غمار الثقافة والحياة.يمتلك (العايف) ثقافة عريضة، وبصيرة ناقدة، ووعياً سياسياً واجتماعياً يمكن التعرّف على مصادره بقراءة أيٍّ من مقالاته المنشورة في مواضيع وقضايا متعددة، وفيها، كلِّها، موقفٌ صريح واضح لمثقفٍ لا يهمّه غير الدفاع عن رِفعة الحياة. كتابه السّابق(مقاربات في الشعر والسّرد)،منشورات مجلة (الشرارة)- النجف- 2014،وكتابه الأول (قراءات أولى)- اتحاد أدباء وكتاب البصرة- دار الينابيع - دمشق - 2010 ، ومساهماته في : (قتل الملاك في بابل- تحرير الشاعر علي عبد الأمير عجام - المؤسسة العربية للدراسات و للنشر - بيروت -2011) ، و (المؤلفات الكاملة للقاص عبد الحسين الغراوي- دار الينابيع - دمشق- 2012 )، و( البار الأمريكي للقاص وارد بدر السالم- 2015 - دار سطور- بغداد- ط2 )، وكتابه هذا، سياحةٌ حرّة في حقول الإبداع بأجناسه الفنيّة المعروفة التي عبرت، بغير قليل من العناء، مطبات التاريخ الوطني وقلاقله، وفي هذا الكتاب، ، ومساهماته الأخرى المتعددة، يتجاوز الكاتب(جاسم العايف) العرض التقليديّ البارد لما انطوت عليه صفحات الكتب، والمواضيع، التي تناولها إلى إطلاق رؤية ناقدة تفحص، وتفكّك، وتحلّل بوعي جمالي، وتُنشئ انطباعات، وتنتهي إلى تقييم. وفي هذا كلّه، وعبره، نتوفر على فرصة مرافقة قارئ كفء لا تفارقه كفاءته في رحلة استكشاف عوالم الإبداع لالتقاط الجوهريّ المستوحش في مطاوي الكتب. وأبعد من هذا، وذاك، لا يفارقنا- مع العايف- انشدادنا إلى قارئ مُنصف يعمل كوسيط كُتُبي محايد يخدم قناعته، ويشهر تبصّراته بجرأة مستنيراً بوعيه التاريخي، وبذائقته الجماليّة. وكتابه ،(سحر القراءة)، أخيراً احتفاءً بما أنجزه أصدقاء الكاتب، وإشهار لما تنتجه ثقافة هذه المدينة العظيمة.

*إصدارات (اتحاد الأدباء والكتاب - البصرة) -2017 - بدعم شركة آسيا سيل للاتصالات- الغلاف الفنان التشكيلي صالح جادري.