شبلي الشميل والدعوة إلى تحرير العقل

Tuesday 6th of June 2017 05:26:41 PM ,

منارات ,

إبراهيم الشرقاوي*
يُعدّ شبلي الشميل من أبرز المفكرين البارزين في العالم العربي في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، الذين أثروا المكتبة العربية بأعمالهم التي ساهمت في نشر الثقافة والعلم في أرجاء العالم العربي، فقد أولى الشميل ـ المفكر المسيحي الذي ولد في لبنان (1850-1917) - اهتماماً خاصاً في كتاباته بالعلم ومكانته وعلاقته بالدين، لا سيما بعد رحلته إلى باريس لدراسة الطب، التي قام بها إثر تخرجه في الكليّة البروتستانتية/ الجامعة الأمريكية ببيروت.

أصدر الشميل مجلة”الشفاء"، ونشر العديد من المقالات في مجلات وصحف مختلفة كالمقتطف والمستقبل ـ التي أسّسها مع سلامة موسى وأغلقت بعد بضعة عشر عدداً-، ولا يخفى على المطلع على الحالة الثقافية آنذاك مدى تأثير كتابات الشميل وأعماله في نشر الثقافة والتنوير.
في عام 1869 كتب الشميل رسالة إلى السلطان عبد الحميد كان عنوانها (شكوى وآمال) يقول فيها: إنّ دعائم نهضة الأمم هي الحرية والعدالة والعلم، وإنّ أي خللٍ يقع في أيٍ من هذه الركائز يفضي إلى اضمحلالٍ وتخلف.
وكان من بين أعمال الشميل ـ والذي يعتبره البعض من أهم أعماله- كتابه”فلسفة النشوء والارتقاء”الذي ألفه مدافعاً عن نظرية داروين في التطور وأصل الأنواع، ولم يكتفِ بالدفاع عنها في شقها البيولوجي، بل يبدو من كتاباته أنه حاول إسقاطها على الشق الإنساني/الاجتماعي أيضاً، فيرى أنّ مبدأ البقاء للأصلح ليس مقتصراً على التكيّف البيولوجي وتجنب نقائص المراحل السابقة في التطور الجسدي، بل يرى كذلك أنّ المجتمعات تمرّ بعملية مشابهة من التطور . وقد تمّ توجيه العديد من الانتقادات لشميل بسبب موقفه الذي يراه البعض ـ انتقاصياً- من المرأة، والذي استند في هذه الرؤية إلى بعض الفوارق البيولوجية المشتهرة بين الأطباء آنذاك .
من المقالات الهامّة التي تعبر عن رؤية الشميل الموضوعية لإشكاليات النص الديني في ضوء الواقع، مقال مطول بعنوان”القرآن والعمران"، الذي ينتقد فيه سوء استخدام النص، والجهل الذي يتلبس به البعض حيال تعاملهم مع النصوص القرآنية والمسيحية على حد سواء.
جاء في هذا المقال:”ولكنّ الباحث الذي يتعقب كلام كل من الكتابين يجد فيهما كثيراً من مثل قوله (اقتلوهم حيث ثقفتموهم) بعد قوله (وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا)، ومثل قوله (ما جئت ألقي سلاماً بل سيفاً) بعد قوله (من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الأيسر)، إلى غير ذلك من المفارقات التي لا يذهب مغزاها على العاقل ولا مكانها من القول، ولكن قد تضرّ كثيراً بالجاهل وتكون عنده سبباً للتشبث السقيم وللأخذ في سباسب الجدال العقيم فتضرّ بالدين وبمصلحة العمران معاً. لذلك رأى العقلاء من المؤمنين في النصرانية والإسلام أنّ وجوب رد مثل هذه القضايا المشتبهة التي قد تلتبس على الأفهام فتبدو مخالفة لمصلحة الاجتماع إلى مبدأ الدين الجوهري الذي تقدّم ذكره، والذي هو غرض الشارع الحقيقي، وتأويلها بحسب ذلك حتى صار الاجتهاد أمراً لازماً في الدين" .
والنص هنا لا يهاجم الدين، ولا يدعو إلى تجاوزه، وإنما يدعو إلى إعمال العقل مع النص، وتقديم قراءات معاصرة تقوم على أسس إنسانية لا تهمل متطلبات الواقع ومنطلقاته المتغيرة، وهو ما ينقذ الرعية من السقوط في جبّ العنف والإرهاب، وتجعل الدين قابلاً لتعدد القراءات والأطر المنهجية.
وبالرغم من نزعته العلمانية الصريحة وإيمانه بالعلم وكفره بالخرافة واهتمامه بالمنهج القويم للبحث العلمي والتفكير العقلاني، إلا أنّ هذا لم يجعله يتخذ موقفاً مضاداً ولا مهاجماً للأديان، بل كان يعلن في مواضع عديدة احترامه لشخصية النبي محمد والدين الإسلامي، إلا أنّ ما كان الشميل منشغلاً به بالفعل، فهو تخليص الأديان ممّا رآه عالقاً بها من جهلٍ وسوء فهمٍ.
وفي هذا الصدد كتب مقالاً مطولاً بعنوان”القرآن والعمران"، ينتقد فيه سوء استخدام الآيات والجهل الذي يتلبس به البعض حيال تعاملهم مع النصوص القرآنية والمسيحية على حد السواء.

وأيّاً ما كان حجم الخلاف حول بعض آراء المفكر الراحل شبلي شميل، إلا أنّ ثمة ما يشبه إجماعاً على الاعتراف بدوره البارز ومساهمته البنّاءة في الثقافة العربية وتجديد الفكر العربي.


عن موقع الحكمة الالكتروني