حرب الأيام الستة : كسر الشرق الأوسط

Saturday 10th of June 2017 05:49:51 PM ,

ملحق اوراق ,

ترجمة / أحمد فاضل
كيف كانت إسرائيل تنظر إلى عام 1967 باعتباره من المعالم البارزة في تاريخ الشرق الأوسط، وأنها هزمت أكثر الجيوش العربية سمعةً وهيبةً .. والكتاب يؤكد على إعادة النظر في الصراع وعواقبه

توطئة /
"قد يكون الكاتب الصحفي جون ريد منحازاً في كلامه وهو يستعرض كتاب غاي لارون في أكثر صفحاته، خاصة في التسميات التي تطلق على الدولة المغتصبة لأرض فلسطين العربية”دولة إسرائيل"، حيث آثرنا التقيد بالترجمة الحرفية لهذا الاستعراض، لكن حقيقة الاغتصاب لا يمكن التستر عليها وهو ما أكده لارون في أكثر من موضع من الكتاب".
وغاي لارون هو محاضر كبير في قسم العلاقات الدولية في الجامعة العبرية في القدس، سبق وأن أصدر كتابه المثير للجدل:”أصول أزمة السويس”في عام 2013، وقد ظهرت كتاباته في صحيفة الغارديان اللندنية وصحف أخرى مرموقة، ولارون كان أستاذاً مساعداً زائراً في جامعة نورث وسترن وزميلاً زائراً في جامعة أكسفورد، وبمناسبة احتفال الدولة العبرية بمرور 50 عاماً على حرب الأيام الستة أصدر كتاباً جديداً يحمل عنوان:”حرب الأيام الستة: كسر الشرق الأوسط”عن مطبعة جامعة ييل في الولايات المتحدة والذي يقول فيه:
“يتذكر الإسرائيليون حرب الأيام الستة باعتبارها واحدة من - أروع لحظاتهم - وهي حالة طوارئ وطنية عاشوها عندما خاضوا هجوماً صاعقاً على ثلاث جبهات ضد مصر وسوريا والأردن، ما أسفر عن تدمير الكثير من اسلحة تلك الدول بما فيها طائرات سلاح الجو المصري خلال ساعات ثم اندفعوا عميقاً إلى سيناء، ورغم أن الحرب كانت سريعة بشكل مذهل، إلا أنها تبدو طويلة حتى وقت قريب حيث سبق وأن تعمقت التوترات بين إسرائيل وجيرانها منذ أزمة السويس عام 1956 مع ظهور حركة مسلحة فلسطينية تدعمها سوريا كانت قادرة على مهاجمة إسرائيل من الأراضي الأردنية فى الضفة الغربية، وقد تعاظمت تلك التوترات في أيار / مايو 1967 عندما ردت مصر على تقرير سوفياتي حول قيام قوات إسرائيلية بالانتشار على طول حدودها فحشدت قواتها حول قناة السويس ثم اغلقت مضايق تيران في مصب البحر الأحمر بوجه السفن المارة منها ومنها الإسرائيلية، إلا أن إسرائيل فاجأت العالم بهجومها يوم 5 يونيو / حزيران على تلك الدول الثلاث وبعد يومين وصل جيشها إلى البلدة القديمة في القدس.
إن غزو واحتلال القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة أدى إلى تغيير جيو سياسي لدى إسرائيل التي كان يراها العالم الخارجي دولة يريد أعداؤها رميها في البحر، وقد غمرت نشوة النصر هذه جميع القطاعات الفاعلة داخل أراضيها حيث قامت بعدها ببناء مستوطنات يهودية يبلغ عدد سكانها الآن أكثر من 600 ألف في القدس الشرقية والضفة الغربية وهي الأراضي التي أطلق عليها الكتاب المقدس يهودا والسامرة من قبل والتي تعتبرها الأمم المتحدة محتلة بشكل غير قانوني، وخلال سني الاحتلال اندلع صراع عنيف من خلال انتفاضة الفلسطينيين تطورت لتشمل عمليات الطعن وغيرها من الهجمات على الإسرائيليين التي مات فيها عشرات الأشخاص.
أما اليوم فإن الفلسطينيين أكثر انفصالاً داخلياً - أيديولوجياً وجسدياً - عن أي وقت مضى من تاريخهم الحديث، وذلك بسبب الانقسام السياسي بين فتح وحماس ومعاناة شعبهم اليومية بسبب الجدران والأسوار ونقاط التفتيش الإسرائيلية ومتطلبات تصريح السفر التي تقيد الحركة بين القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة”.
ومع أن دونالد ترامب وعد بأن يفعل ما لم يفعله أي رئيس أميركي آخر بوضع اتفاق سلام”نهائي"، فإن معظم دول المنطقة تساورهم شكوك قوية في نجاح أيّ صفقة قد تكون موجودة حالياً إما في تحالف بنيامين نتنياهو المتشدد، أو في الكوادر القديمة من السلطة الفلسطينية محمود عباس في رام الله، وفي حالة كحرب الأيام الستة لارون يجعلنا ننظر من جديد في الأحداث التي أدت إلى الصراع بين إسرائيل وجيرانها العرب حيث يقول:”إن الحرب لم تكن من قبيل الصدفة بل كانت بدلاً من ذلك مخططاً لها وكانت هناك رغبة قوية في اشعالها من قبل شخصيات عسكرية بارزة ليس في إسرائيل وحدها بل في دول الجوار العربي لها"، وإذ يتطرق إلى التركيز على الصعيدين الوطني والعسكري لبعض الحسابات السابقة، فإنه يتطرق إلى الدور الذي تلعبه الضغوط الاقتصادية والصراع بين الأجيال والتوترات المدنية والعسكرية في دفع جميع الأطراف نحو حافة الهاوية، فقد كانت مصر في الستينيات من القرن الماضي قد زجت نفسها في تدخل عسكري مكلف وشنيع في اليمن شكل عبئاً على اقتصادها ودفع جمال عبد الناصر إلى أقرب رجالاته عبد الحكيم عامر ونائبه الأول الى أن يغير من أسلوب عمل الجيش كما هو الحال في الدول العربية الأخرى، حيث بات يستخدم إلى حد كبير لأغراض محلية والتجسس على الشعب ورفض المعارضة بتشويه دورها الوطني، جميعها شكلت كارثة حقيقية لهم عندما بدأت الحرب.
أما في إسرائيل فقد كانت هناك أزمة لميزان المدفوعات قوضت سلطة رئيس الوزراء ليفي إشكول مما مهد الطريق لزعزعة الحكومة التي كان من شأنها أن تثبت نجاحاتها في كافة الميادين فاختارت دماءً جديدة من شأنها الوقوف في مواجهة الأخطار التي تهدد إسرائيل فوقع الاختيار العسكري على المخضرم موشيه ديان كوزير للدفاع، وبينما كان اشكول حذراً من قيامة الحرب كان الشباب اليهودي الموجودون في الجيش يدفعون ومنذ أوائل الستينيات من القرن الماضي إلى توسيع حدود دولتهم وتحقيق ما عرف”بالعمق الستراتيجي”وهو مصطلح يستخدمه صناع السياسة الإسرائيلية حتى يومنا هذا، بينما - وكما يقول لارون - كان مسلحو فتح من الشباب يسعون من أجل المعركة أيضاً حتّى تمردوا على قياداتهم بانقساماتهم الواضحة.
لارون خصص ثلاثة أرباع كتابه حول الفترة السابقة للحرب، فعندما بدأ القتال يعود بكتابته إلى ما هو مألوف:”إسرائيل تتصرف بسرعة ويحسب لها يومين أو ثلاثة أيام على الأكثر لتأسيس الهيمنة على الأرض قبل أن تشرع القوى العظمى والمجتمع الدولي بمطالبة الجميع وقف إطلاق النار، وقد عززت الحرب من سمعة الجيش الإسرائيلي ومع إيمان إسرائيل بمذهب هجومي نشرته في العديد من الصراعات الصغيرة في العقود الخمسة منذ ذلك الحين، فقد تركت أيضاً مسؤولية مصير الملايين من الفلسطينيين تحت رحمة احتلالهم حيث أصبح ذلك الاحتلال في عرف لارون”حالة دائمة منخفضة التكلفة”بسبب ما يقدمه العالم لهم من مساعدات، إن ذلك التحدي المتمثل في الكتابة عن هذا الصراع الرهيب ليأخذ بالظلم والإذلال للفلسطينيين أكثر بكثير من مرتبة الوحشية التي عرفت بها الحكومات الشوفينية، وهو أمر شنيع وإن الأهمية الأدبية لا تعطي بالضرورة القدرة على فهم الموضوع بقصة طويلة وأبعاد قانونية وتاريخية معقدة، إلا مع استثناءات قليلة يحاول الكتاب الوصول إليها معتمداً على بعض ما كتبته راشيل كوشنر الصحفية الإسرائيلية التي زارت مخيم شعفاط للاجئين الذي يقبع خلف جزء شاهق من الجدار غير الشرعي داخل حدود مدينة القدس، وكذلك ما كتبته المراسلة الصحفية جيرالدين بروكس التي غطت الانتفاضة الأولى والتي تناولت قضية المراهق الفلسطيني أحمد مناصرة الذي سجن لمحاولة قتله أحد المستوطنين اليهود طعناً بالسكين في موجة العنف الأخيرة التي راح ضحيتها الكثير من المهاجمين والضحايا على حد سواء وكذلك الأطفال.
هذا الكتاب سيجعل الكثير من الإسرائيليين اليمينيين غاضبين على لارون لأنه نقل بأمانة كيف أن الحياة في ظل الاحتلال تحبط حياة العديد من الفلسطينيين وسبل عيشهم.
عن / صحيفة فايننشال تايمز اللندنية