مسلسل أسـمهان.. ســيرة تغلفهـــا أخطـــاء تاريخيــة

Tuesday 4th of July 2017 07:01:30 PM ,

منارات ,

عادل الهاشمي
كاتب راحل
ان حشداً لا حد له من الملامح الفنية جرى في مسلسل «اسمهان”بجدول في بعض مساره فاقد الضفتين، منها على سبيل المثال لا الحصر، التواريخ ميلاد أبطال المسلسل منها على وجه الخصوص فريد الاطرش واسمهان، الى جانب ذلك غياب الدقة في بث الاغاني التي ملأت عصرها، كأن يبث المسلسل اغنية (رق الحبيب) التي لحنها الموسيقار محمد القصبجي لصوت ام كلثوم في الثلاثينيات، بينما الصائب ان هذه الاغنية ولدت في العام 1944

وهو العام الذي شهد نهاية اسمهان، وان يغني الموسيقار محمد عبد الوهاب اغنية (الحبيب المجهول) امام اسمهان في بداية مشوارها الفني وهي الاغنية التي ولدت في العام 1944، ثم هناك الاشارة العابرة الى الفنان فريد غصن حيث يكنيه فريد الاطرش وشقيقه فؤاد بالعم مع ان ولادة غصن في العام 1912 في الاسكندرية اسقاط ذكر زواج اسمهان من المطرب المصري المغمور (فايد محمد فايد) بالقدس في العام 1942 ولم يدم هذا الزواج سوى عشرين يوماً، سعت من خلاله اسمهان للحصول على سمة الدخول الى مصر بعد ان طرأت على علاقتها مع الانكليز علامات الشك والريب!

وعلى امتداد المسلسل (اسمهان) تمر بنا سلسلة صور ومشاهد من اجيال وتتسع هنا وهناك من مسار،اسمهان، خطوط من الاحداث والمواقف والمتغيرات وتتراقص في وتيرة العمل الفني ومضات تتبدى وتتلألأ وتختفي من مناطق السطح التاريخي، ومن ثم يؤدي ذلك الى اتساع التفاوت بين القوى الابداعية المحركة لاحداث المسلسل.
بلا جدال ان مسلسل (اسمهان) ايقظ روح العظمة في هذه المطربة الخارقة وايقظ ايضاً جميع امكاناتها الفنية في صراع شجي بغية صيانة تاريخها الحقيقي، ذاك الذي تداهمه قوى من الفوضى والتغييب الذي تهمهم وتدمدم محاولة لتشويه هذا الاسم الخالد في موكب الغناء العربي العريق والاصولي، ان اكتمال اسمهان الظاهري والباطني في الملحمة الغنائية العربية هو مغزى جميع الذروات التاريخية في مجراها وديمومتها واسمهان الاسم الذي مر في واحة الغناء، كما مر (رامبو) في واحة الشعر على حد تعبير (مالارميه)، ومرور اسمهان كلما اقترب من ذروة تألقه، ضبطاً وشدة، عراقة وعصرنة، يزداد الخط الحضاري لغنائها نقاءً وصفاءً.
ان الصبوات الى الحقيقة، الى الخير، الى التقدم، تؤلف جزءاً لايتجزأ من تصورنا للجمال، والصوت الملائكي لاسمهان المقترن بالعذوبة والجزالة والقوة والتمكن والابهار، هو نبع من ينابيع الجمال، لذلك فان الحس الجمالي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بشبكة كاملة من الافكار. ان احساسنا بجمال صوت أسمهان لم يكن في يوم من الايام ترفاً ولامحض ذوق، انه مران خلقه التدرج في المعارف الصلبة لمعايير الجمال، واذا كانت اسمهان صاحبة حنجرة لا مثيل لها في الغناء من حيث التكوين الفسيولوجي والتكوين البيداغوجي، فأنها كإنسانة طمحت بغير حدود الى معانقة روح الحرية في فنها وانسانيتها، واذا كانت الحرية هي اللعنة فهي الحرية المصدر الوحيد لنبل الانسان، لقد اختلط في حياة اسمهان القصيرة مفهومان، مفهوم الحرية الشخصية لحياتها الانسانية، ومفهوم ضرورية الفن كواجب ينطوي على نفع اجتماعي، فبين المفهومين عند اسمهان ضاعت الابعاد وتلاشت الحدود، ان الاستنساخ للحياة في الفن عملية سوسيولوجية كبرى، هو ملكة يتوجب علينا الا ننسى ادخالهما في حساب نظرية التركيب التاريخي للصوت والاسم والشخصية، فالفنان بأستنساخه حياته في اعمال فنية، يعد نفسه لحياة اجتماعية ويتكيف معها، لكن الامر مع اسمهان ربما يختلف قليلاً او كثيراً، انه محاولة لاقحام مفهوم الحرية ازاء موقف شخصي من الفن، ولذلك تداعت في حياة أسمهان الكوارث لتؤكد ان الصدق الفني شرطه الوحيد، هو اتحاد الهم الانساني بالهم الفني اتحاداً لا انفصام فيه.
لماذا اراد والدها ان يسميها (بحرية)؟
كان موت رافائيل وميكل انجلو وليوناردوا دافنشي المبكي سيترك في فن عصر النهضة الايطالي ثغرة، وكانت هذه الثغرة ستترك اثراً بالغاً في مظاهر ثانوية عدة من تاريخه، ولكن ماكان هذا التاريخ ليطرأ عليه تبدل جوهري اذا لم تحدث في مسار التطور الفكري لايطاليا تحولات عميقة! المهم ان موت اسمهان الغامض والمفاجىء والمبكر، كان من الممكن ان يحدث ثغرة كبيرة في فن الغناء، لو لم تفيض الاقدار السعيدة صوت ام كلثوم، التي استمرت تغني على مدى ستة عقود من السنين قبل اسمهان وبعدها.
من هي اسمهان؟ التي حمل المسلسل اسمها وجسدت شخصيتها الممثلة السورية (سولاف) ومثل الموسيقار فريد الاطرش (احمد شاكر) الممثل المصري، واخرجه المخرج المغربي (الماجري) وكتبه (المالح).
اراد ابوها الامير فهد الاطرش ان يسميها (بحرية) لانها ولدت بالبحر في الرابع والعشرين من تشرين الثاني- عام 1914، حين كان يعود بعائلته سراً الى الشام بعد هزيمته عسكر السلطان الذي كان يقودهم في بعض الممتلكات العثمانية بأوروبا، في الحرب العالمية الاولى، لكن والدتها الاميرة عالية المنذر سلسلة آل المنذر في حاصيبا (لبنان) اسمتها «امال”لانها ولدت مع امل النجاة اثر ليلة كادت فيها الباخرة تغرق، اما العرب والاسماع في كل مكان عرفوها وعظموها بالاسم الذي اطلقه عليها الموسيقار داود حسني 1870-1937 اسمهان على اسم مغنية عربية مجيدة من عصر سابق على عصرها، وكان اول بر وطأته قدمها الطفلة الوليدة ارض بيروت قبل ان تعود الى موطنها الاصلي سوريا (الجبل) وقد سبقها الى هذه الدنيا من والديها اخواها الاكبر فؤاد 1909- 1995 ثم الموسيقار الشهير فريد الاطرش 1912-1974 ولما استتب الامر للحلفاء وانهزمت الدولة العثمانية في العام 1918 وهو عام انتهاء الحرب العالمية الاولى، عمل والدها الامير فهد الاطرش معتمداً للدروز لدى الفرنسيين في بيروت وكان اعتماده سنوات عز وترف، وكانت والدة اسمهان الاميرة عالية ثوار اول سيدة قادت سيارة في بر الشام ولم يكن لهذا العز امكانات الدوام حيث استقر ثورة جبل العرب بزعامة سلطان باشا الاطرش سنة 1922، عندما اقدم الفرنسيون على اختطاف الثائر (ادهم خنجر) وقد انضم فهد الاطرش الى الثورة، ثورة جبل العرب وكان على الاميرة عالية ان تلحق بزوجها حيث يقاتل، لكنها خشيت سوء العاقبة، ولم تلحق به، وما كان لامير من اشراف الدروز ان يدع زوجته تعيش وحيدة فقد طلقها ثم جاء من يخبرها بان الفرنسين الذين خسروا ألاف القتلى في حرب جبل الدروز جبل العرب يسعون الى اختطاف الاطفال لاتخاذهم رهائن انتقاماً من ال الاطرش، وكان لابد من الهرب، فهربت الاميرة عالية المنذر بأطفالها فؤاد وفريد واسمهان من بيروت بالقطار الى حيفا في فلسطين ثم الى مصر في العام 1923.
في العام 1923، كان عام الاغزر ثمراً في مسار الحركة الموسيقية العربية، استقرار المجودة العظيمة ام كلثوم نهائياً في القاهرة قادمة من قريتها (طماي الزهايرة) ثم انتظام الموسيقار محمد عبد الوهاب في صفوف معهد فؤاد الاول للموسيقا العربية، ثم رحيل العبقري سيد درويش 1892-1923.
ان سيكولوجيا الشخصيات الفنية تكتسب في انظارنا اهمية قصوى، على وجه التحديد، لانها سيكولوجيا طبقات اجتماعية بكاملها او في الاقل شرائح اجتماعية بكاملها، ولان العمليات التي تجري في نفوس شتى الشخصيات الفنية، هي بالتالي اظهار الحركة التاريخية، ان تطبيق الدروس على الظاهرات الفنية التاريحية يحمل معه مضموناً جديداً كل الجدة لكلمة «معاصر»!
وفي القاهرة ومع اسمهان، تبدل العز الى فاقة ونقل الاولاد باحسان المحسنين الى المدارس، وعرف لقبهم هذه المرة من ال(كوسة) اخفاءاً لاسم عائلتهم الحقيقي خشية بطش الفرنسيين، وكرت السنون وانتهت ثورة الجبل العرب في العام 1926، لكن العائلة استقرت في القاهرة وبدأت تنسج خيوط حياتها الجديدة، بما فيها من قسوة وصراع وخشونة وتهافتت مسالك المجد السياسي التي ورثها ابناء الاميرة عالية المنذر، من عمومتهم لتحل محلها مسالك النزوع نحو الفن الذي ورثوه عن أخوالهم، وكان خالهم (خليل المنذر) الذي وافته المنية في عز شبابه.

تتزوج اربع مرات والحصيلة بنت واحدة
صاحب حنجرة تسيل عذوبة وحلاوة، وكانت ايضاً عالية المنذر تضرب على العود وتغني بأجر زهيد في روض الفرج، واوكلت الى علمين من اعلام الموسيقا العربية مهمة تعليم فريد الاطرش واسمهان اصول الفن، هما دود حسني ومحمود صبح حيث توسما الاثنان في فريد الاطرش امكانات النبوغ بصياغة الالحان والعزف على العود، ورأى الاثنان ان اسمهان امل جديد في الغناء العربي كله، ولما تحول بيت الاطرش الى مزار الفنانين، عمل فؤاد الاطرش على مقاومة هذا النزوع الفني فقد وعى ملامح الزعامة السياسية لآل الاطرش، فثار على مسلك الاتجاه نحو الفن الذي اخذ فريد الاطرش واسمهان يقطعان فيه شوطاً لفت اليهما الأنظار، بل هو مقدمة تنبئ عن احتراف لابد ان يأتي في يوماً ما، فغادر الى جبل الدروز عام 1929 الى والده الذي انصرف الى زوجة جديدة وعائلة جديدة، والتقى هناك بابن عمه الامير حسن الاطرش الذي اعطاه الكثير من اهتمامه رغم مشاغله الكثيرة، وقد طلب فؤاد من ابن عمه ان ينجده في طريق اسمهان الموغل في الفن، واستجاب الامير حسن وتزوج من ابنه عمه اسمهان، واستطاع فؤاد ان يبعد عن بيت امه في القاهرة حشود الفنانين وان يبعد شقيقه الى دمشق ثم الى الجبل او هكذا كما اظن.
اما فريد الاطرش فبقي في القاهرة مع امه يشيد بناء شهرته ومجده الموسيقي درجة درجة، لكن اسمهان بعد ان انجبت من حسن الاطرش ابنة اسمتها (كاميليا) ضافت بها الارض بما رحبت، فأقدمت على الانتحار في دمشق اول مرة ثم انتهزت فرصة سفرها الى القاهرة عام 1935 لزيارة امها لكي تنشد الاستقرار في عاصمة الفن العربي ثم اصرت على البقاء في القاهرة طالبة من الامير حسن الطلاق فطلقها.. انصياعاً لحبها الشديد للفن.
ومابين عامي 1936-1944 سنة رحيلها عملت اسمهان على صنع المدهشات في الفن الغنائي لتسعد جمهوراً واسعاً وكبيراً وضعها في مكانة متقدمة في عصر العمالقة لاتدانيها مكانة، وفيما كانت تلهث وراء يوم تسعد فيه نفسها، فانها لا تصادف الا الماسي، لاختلاط الرؤية وافتراقها بين الهم الشخصي والهم الفني، كما اشرنا، حيث جرت محاولة انتحار ثانية في القاهرة وثالثة في القدس، ثم زواج ثان من المخرج (أحمد بدرخان) مخرج فيلمها الاول مع شقيقها فريد الاطرش (انتصار الشباب) 1939 لايدوم سوى اربعين يوماً، ثم زواج ثالث من المطرب المصري المغمور (فايد محمد فايد) في القدس عام 1942 وهو زواج حتمته الضرورة وكان عمر عشرين يوماً فقط سعت اليه اسمهان للحصول على حجة لدخول مصر بعدما حل الخصام والصراع مع الانكليز الذين تحالفت معهم اول الامر للانتقام من الفرنسيين الذين قتلوا أبناء شعبها.
زواج رابع واخير من الممثل السينمائي (احمد سالم) لم يدم سوى اشهر معدودة حيث انتهى بتبادل اطلاق الرصاص الذي كان يزهق روح احمد سالم وروح ضابط الشرطة، غرقت اسمهان في النيل مع وصيفتها (ماري قلادة) في الرابع عشر من تموز في العام 1944 وهو اليوم ذاته الذي ولدت فيه ابنتها كاميليا، وتشكل هذه الحادثة حلقة المؤامرة الكبرى التي شاركت فيها اطراف عديدة.
القيمة الفنية لصوت اسمهان تتجلى، في انها مثلت بعمق وحنان ودفء الخط المتأثر بالروح العصرية في فن الغناء عند الحناجر النسائية، بينما بقيت ام كلثوم حتى اليوم الاخير من حياتها تمثل الخط الكلاسيكي التقليدي في فن الغناء عند الحناجر النسائية، على ان تاثر اسمهان بالغناء العصري لم يجعلها تتغرب عن فنون الاداء العربي الكلاسيكي واصوله الضاربة في اعماق الباطنية التاريخية العربية.
ان ام كثلوم قفزت بالغناء الاصولي والكلاسيكي قفزات مذهلة تجاوزت احلام استاذها الاول الشيخ ابو العلاء محمد (1878-1927) على ان التجديد العائد لام كلثوم في انماط الغناء العربي الكلاسيكي، كان تجديداً لاصول ذلك الغناء لا تغرباً عنه، اما في الظاهرة التي مثلتها اسمهان، فان الامر يختلف باختلاف الانطلاق الفني عندها، فقد عملت على ادراج عناصر التجديد الاوروبي في الاداء الذي حمل رايته ثلاثة من كبار ملحني الموسيقا العربية، هم محمد عبد الوهاب، محمد القصبحي، فريد الاطرش، على ان صوت اسمهان كان يأخذ من اساليب الغناء الاوروبي المختلف عن اساليب الغناء العربي باكثر من اتجاه وتنوع، لعل في المقدمة من هذا الاختلاف.
موت غامض سبقته حياة مضطربة
ان اسمهان كانت تجيد اخراج الصوت من الرأس، وهذا هو جوهر الغناء الاوروبي والغربي عموماً، بينما ام كثلوم كانت تقف بغنائها العظيم عند اخراج الصوت من الصدر، وهو جوهر الغناء العربي الكلاسيكي، من هذا التحديد نكتشف اقتران اللون الغنائي بين الحنجرتين الصادحتين، ولم يقف الامر عند هذا الافتراق بين لوني الحنجرتين، انما عمل على تكتيل جهود الملحنين الكبار لخدمة صوت اسمهان الخارق، فبينما كان صوت ام كلثوم يحظى بجهود ثلاثة من الملحنين يتقدمهم محمد القصبجي وزكريا احمد ورياض السنباطي، قبل ان يدخل جلبة صوتها المعجز محمد عبد الوهاب ومحمد الموجي وكمال الطويل وبليغ حمدي في المقابل كان صوت اسمهان يقوم على جهود ملحن واحد هو فريد الاطرش، قبل ان يتجه الى صوتها ملحــــنون من وزن محمد القصبجي ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي ثم فريد غصن ومدحت عاصم وايضاً الشيخ زكريا احمد.كان لصوت اسمهان خصائص عظمى قلما تتوفر عند غيرها من المطربات، ان لم نقل انها عسيرة على الاجتماع تمامً في صوت من الاصوات، حيث تستطيع اسمهان ان تؤدي مختلف المقامات بسهولة ويسر، هرع الى صوتها الموسيقار محمد عبد الوهاب، حيث وجد فيه القيمة والاتساع والبلاغة الادائية تلك التي تمكنه من ملامح المقابلة مع صوته العظيم، لكي تؤدي معه مغناة (مجنون ليلى) الخالدة : شعر احمد شوقي، ومدحت عاصم فقد وجد في صوتها مقدرة مكتملة تستطيع ان تؤدي المقامات الخالية من ربع الصوت، فأعطاها لحن (دخلت مرة بجنينة) والموسيقار رياض السنباطي الذي عقد على صوتها الامال في القصيدة الحديثة التي كان قد بدأ بها اتجاهه الفني في تطوير قالب القصيدة (يالعينيك وبالي) شعر احمد فتحي، شاعر الكرنك التي لحنها وغناها محمد عبد الوهاب وفريد الاطرش شقيقها الذي وجد في صوت اسمهان المدى العريق الذي يغنيه عن جميع الاصوات، فعبر صوتها ارقى سمات التلحين فأصبح الموسيقار الذي لحن اكثر اغانيها على الاطلاق، فالى جانب قيامه بتلحين اغان وحواريات طقاطيق وقصائد واوبريت ليل الاندلس لفيلم (انتصار الشباب) لحن لها اغان من وزن (نويت اداري الامي) و(رجعتلك ياحبيبي) ثم (عليك صلاة الله وسلامه) ثم (ليالي الانس في فيينا) (انا اهوى) وموال (ياديرتي مالك علينا لوم) ثم (اعمل أيه علشان انساك) وكثير غيرها.
ومحمد القصبجي، الموسيقار الذي عمل على تكريس صوتها لالحانه المشرقة القوية، وهو الذي اعطى ابعاد هذا الصوت العظيم كل المدى الذي يستطيعه من دون ارهاقه أو ان ينقص شيئاً من عذوبته (ليت للبراق عينا) (اسقينها بأبي انت وامي) (هل نيم البنان) ثم (امته حتعرف) (انا اللي استاهل) وسواها.منذ البداية ادركت ام كلثوم انها امام خصم عظيم القدر فحاولت من جانبها على حصر الحان القصبجي لحنجرتها دون غيرها، لكن عاشق الاصوات الجميلة لم يستطع الايفاء بما طلبته منه ام كلثوم، ولعل هذا اول جفاء يحصل بين القصبجي وام كلثوم وكاد الامر يتطور الى محاولة طرد القصبجي من تخت ام كلثوم لولا تضامن افراد الفرقة معه وبعد هذا الاثر الخطير من الاغاني التي قدمتها اسمهان اضحت قمة في الغناء والاداء، حيث لم تعد تفكر كثيراً في ام كلثوم وموقف ام كلثوم منها، كانت في مجد يشبه المجد الذي وقفته ام كلثوم، وهي تتحدى بفنها وصوتها مطربات عصرها، بعد ان هوت عروشهن ونهض عرشها.المهم لم تثر الابداعات النقدية في الموسيقا أي جدل فيما يتعلق بعظمة صوت ام كلثوم وعظمة صوت اسمهان، لكن الجدل احتدم وفاق وانتشر في المفاضلة بين اسمهان وام كلثوم نفي ما كان يرى الموسيقار محمد القصبجي ان اسمهان اعظم صوت ادى ضروب التحديث الغنائي، وجد الموسيقار، ان اسمهان كانت ستقود المنافسة مع ام كلثوم (فيما لو عاشت) الى ذروتها، واضاف ان اسمهان لو عاشت، لما احتاج الى الحانه أي صوت اخر! بينما يرى الموسيقار، محمد عبد الوهاب، ان اسمهان صاحبة نبرة جديدة لا تخطر على بال احد في الغناء العربي، ويرى الموسيقار رياض السنباطي، بان اسمهان هي المطربة العربية الوحيدة التي ارتقت الى مرتبة المنافسة الندية مع ام كلثوم.
صوت اسمهان من حيث المساحة الصوتية يضم من التصنفيات للصوت النسائي فئتي (السوبرانو) ثم الاوكتاف (سبعة درجات ويقفل بالثامنة) وخامة صوت اسمهان أي نبرته، هي لاشك من اجل الاصوات المعروفة شرقاً وغرباً وفيه من الانوثة والدفء الانساني مايجعله متفوقاً بالمعايير العالمية.لقد اتاح مسلسل (أسمهان) ان نتحدث عن الكنز المخبوء في حنجرتها الصادحة، وان نكتشف عناصر حية في حنجرتها في سلم تعبير الفن، عناصر مطابقة في سلم ايقاع الاشكال الحياتية، ان اسمهان بقيت الصوت المحضر والواسع والسليم والغني والثري بمقاماتــــــــه ودقته وتعبيره، وصوت اسمهان يكشف عن معرفة غزيرة بمســـــــالك الغناء، والمعرفة قوة، ومن خلال ذلك تشكلت عناصر العظمة في صوت اسمهان الخارق.

هذا المقال سبق ان نشر
في جريدة المدى عام 2008