الحاج ناجي الراوي والـ7 صنايع

Sunday 30th of July 2017 05:40:26 PM ,

ذاكرة عراقية ,

عبدالوهاب الشيخلي
صحفي راحل
قال لي فنان معروف:
يعجبني في الحاج ناجي الراوي اندفاعه وحبه الشديد للفن.
وهذا في اعتقادي خير وصف لهذا الفنان الذي لا يكل عن العمل. شعلة ملتهبة تزداد توهجاً بمرور الايام.. يميل الى الترحال ومزاولة عدة اعمال في آن واحد..

تخرج سنة 1948 في فرع التمثيل بمعهد الفنون الجميلة.. وعين قبل سنتين استاذاً ((للمكياج)) بمعهد الفنون الجميلة.. تخاله وانت تراه للمرة الاولى طبيباً أو رجلاً من رجال الاعمال.. دب الشيب الى رأسه مبكراً وتركت الايام في وجهه تجاعيد واخاديد عديدة.. ضعف بصره فأضطر الى شراء ((نظارة)) كي يرى الناس جيداً.. وان كان هو يعكس الآية بقوله.

- أشتريت النظارة ليشاهدني الناس جيداً؟؟
والحاج ناجي الراوي يمتاز بصراحة متناهية ويميل الى الفكاهة وهو يقول النكتة الجيدة ولا يفوتها حتى اذا كانت على حسابه. وهو يهوى التصوير الفوتوغرافي وان كان لحد الآن يعد من الفاشلين في هذا المضمار.. ولكنه بطبيعة الحال يؤمن بالممارسة ولا يعرف معنى الفشل.
دخلت عليه في قسم ((المكياج)) بمعهد الفنون الجميلة.. ولمست بنفسي مدى الجهد الذي يبذله من اجل تلاميذه.. كان لا يمل من اعطاء النصائح والملاحظات.. وكان يبعث في نفوس تلاميذه روحاً من التفاؤل كان يؤكد لهم ان في امكان الانسان الوصول الى هدفه بالتمرين المستمر والعمل الدائب..
وبعد انتهاء المدرس كنا نجلس في كازينو المعهد حيث تجمع التلاميذ في حلقات وهم يتحدثون في الفن احاديث اقرب الى الهمس.. فان الفنان يميل بطبعه الى الهدوء والسكينة.. وفي كثير من الحيان الى الصمت..
قلت له بعد ان رشفت من فنجان القهوة التي دفع حسابها ناجي:
• ما هي علاقة المكياج بالتمثيل..
فأجابني.. بعد فترة من الصمت خلتها اطول مما يجب..
- كان من الأنسب ان تسأل عن العلاقة بين المكياج والانارة.. ولكن هذا لا يمنع من اشراك التمثيل في هذا الموضوع.. وقال وهو يرشف من فنجانه.
- ظهر المكياج بظهور المسرح.. وتقدم بتقدمه.. وقد وصل الآن الى أعلى مراتبه في الامم المتقدمة.. وقد نشأ في البداية في اليونان والرومان.. وكانوا يستعملون (الماسكات) وهي عبارة عن وجوه اصطناعية كبيرة.. والسبب في كبر حجمها يعود الى سعة المسارح آنذاك.. وعن هذه - الماسكات كانت تعرف شخصية الممثلين.. كان بعضها يمثل الشخصية الدرامية.. والبعض الآخر يمثل الشخصية الكوميدية.. وقد تقدم هذا الفن.. فأخذ الممثل يرتدي ماسكاً واحداً.. ذا وجهين وكان الماسك في البداية يصنع من المعدن ثم صاروا يصنعونه من الكارتون والورق لأسباب مادية ومن اجل السرعة في العمل- ثم استعملوا في الصين والهند لولباً يدير الفك الأسفل ثم تطور بمرور الزمن فأصبح في وضعه الحالي حيث يستعملون اليوم ألواناً زيتية وجافة.. والزيتية تنفع لذي البشرة الجافة.. أما الألوان الجافة فتستعمل لذوي البشرة الدهنية..
• من أين يؤخذ الشعر الذي يستعمل للشوارب واللحى ((البيروكات))؟.
فأجابني بكلمة ((ها)) طويلة وقال:
- هناك عدة مصادر للشعر.. انسبها للمكياج. وأغلاها هو الشعر الطبيعي الذي يؤخذ من الرأس البشري.. وعمله يمتاز بالدقة المتناهية ويعتمد على (الضفر).. والحياكة. وهناك اختصاصيون بعمل ((البيروكات)).
وهناك مصادر اخرى.. هي الحيوانات.. وهي مقاربة الى شعر البشر ولكنه لا يرقى الى جماله ودقة صنعه ونعومة ملمسه. اما المصدر فهو النباتات.. كالليف وهو قليل الاستعمال.. وغير مرغوب فيه.
• ما هو المصدر الذي تعتمدون عليه في العراق؟
- الخروف.. ذو الصوف الجيد الملون.. ونحن نمشطه قبل ان نستعمله ونخلطه بالنسبة لسن الممثل.
• هل أفهم من قبولك تدريس ((المكياج)) انك تميل اليه..
- كنت أهوى (المكياج) منذ الصغر.. وكنت اصنع المكياج لجميع افراد فرقة الزبانية.
• هل هناك شخصيات معينة تحب ان تصنع لها نموذجاً؟
- نعم.. الشخصيات الشاذة.. مثل سيرانو.. دي برجراك.. والشيطان.
• ما هو المصدر الذي تعتمد عليه في خلق صورة الشيطان؟
- أعتمد في الدرجة الاولى على مخيلتي.. واحياناً أستند على تصاوير الاساطير.. القديمة.
• كم تستغرق من الوقت في عمل المكياج.. لشخصية سيرانو دي برجراك مثلاً؟
- نصف ساعة.. اذا كانت المعدات كاملة طبعاً.
• هل تضع ((المكياج)) لنفسك دون الاستعانة بأحد؟
- الممثل الناجح هو الذي يضع المكياج لنفسه.. ويتحتم على كل ممثل ان يحسن ذلك اختصاراً للوقت.. وابتعاداً عن الاحراج الذي قد يتعرض له الممثل في مسرحية تتطلب السرعة في عمل مكياج لعدة شخصيات يقوم الممثل بادائها.
• ماذا تعني كلمة ((مكياج))؟
- التجميل.. بصورة عامة.
• ولكن قد يتطلب الدور زيادة في القبح؟..
- قلت لك بصورة عامة.
• منْ هم في اعتقادك أحسن الممثلين الذين يعملون المكياج لأنفسهم..
- يأتي بالدرجة الاولى شارلي شابلن.. واورسون ويلز.. وفي الشرق يوسف وهبي.. وافراد الفرقة المصرية.
• قلت في بداية حديثنا ان هناك علاقة وطيدة بين المكياج والانارة.. (وتذكر الحاج ما فاه به) فقال:
- والله كدت ان انسى ذلك اشكرك.. ثم استطرد قائلاً:
الحقيقة ان المكياج والانارة يمثلان كفتي ميزان في كل مسرحية.. فكلما كانت الانارة ناجحة كلما كان المكياج اقرب الى الواقع.. ومن البديهي ان الماكيير ومهندس الانارة والمخرج ((يتدانشون)) فيما بينهم اثناء قراءة المسرحية ويدرسون المسرحية من كافة الوجوه.
• هل هناك أمنية تود تحقيقها..
وتنهد الحاج.. وقال:
- أمنيتي الوحيدة في الوقت الحاضر هي السفر الى الخارج ودراسة الفن من منابعه الأصيلة وقال بلهجة بغدادية ((لازم اسافر للخارج وادرس لو يبقى من عمري يوم واحد)).
• اراك متحمساً لهذا الموضوع؟
فأجابني بلهجة ((جدية)) أكثر من اللزوم.
- كيف لا اتحمس وقد رأيت بأم عيني مظاهر الحياة الفنية هناك؟
• هل سافرت الى ((هناك)) حقاً..
- هل هناك منْ يجهل قصة سفري الى الخارج؟..
يا سيدي سافرت الى اوربا في سنة 1950 وسافرت السفرة الثانية سنة 1956..
كنت في السفرة الاولى مثل ((أطرش بالزفة)) لجهلي اللغة الأجنبية.. ولحرصي على عدم صرف كل فلس الا في محله.
تجنبت دخول أي محل يشم منه رائحة الثمن العالي.. ولكني في الرحلة الثانية شاهدت ما لم اشاهده في الرحلة الأولى مما ترك في نفسي الرغبة في الدراسة هناك..
• ما هو الشيء الذي جلب انتباهك في ايطالية..
- النشالة بالنسبة للرحلة الاولى.. وقد كدت ان اصبح ضحية لهم رغم الاحتياطات الكثيرة التي اتخذتها..
• ما هي الاحتياطات التي أتخذتها؟
- ((خيطت كل جيوبي)).. وبرغم ذلك فان احدهم كاد ان يضعني في موقفاً حرج.. لقد رأيته بأم عيني وهو يسرق من جاري في القطار ثم ينزل في احدى المحطات..
• ولماذا لم تنبه جارك الى ذلك؟
- وكيف انبهه وانا اجهل اللغة الايطالية؟.. ثم من قال لك انه سوف لا يتهمني بسرقة محفظته.
المهم انني لم اكن الشخص المسروق.
• ماذا كنت ترتدي في ايطاليا؟..
- زياً عراقياً صرفاً.. بنطرون خاكي. ثوب أبيض (دلع) ((عرقجين)).. ((كالة بريسم)) وعلامة الزبانية على جانب من غطاء الرأس..
• ما هي انطباعاتك عن رجل الشارع الايطالي؟
- فضولي.. كلهم كانوا ينظرون أليَّ وكأنني نزلت عليهم من المريخ..
• ما هو أخر فلم ((شاهدته))؟
- سعيد افندي مفخرة السينما العراقية.
• ما هي أحب الأطعمة الى نفسك؟
وضحك الحاج بقوة اثارت فضول كل الموجودين.. وهمس في أذني..
- كل الأطعمة حبيبة الى نفسي.. المهم ان اكون ((جوعاناً)).
• بصفتك تهوى التصوير الفوتوغرافي.. هل تستطيع ان تجيب على سؤال بهذا الصدد؟
- وابدى استعداده بأشارة من رأسه.
• في الصيف.. والوقت الساعة الرابعة بعد الظهر.. والكاميرا ذات عدسة 1-2-8 كم هي السرعة والفتحة المناسبة لذلك مع العلم ان المنظر المطلوب يقع في الشمس؟
وأطرق الحاج قليلاً... وقال:
- الفتحة 4 والسرعة 25..
• ما هي أنسب الأوقات لالتقاط الصور؟
- الظهر عندما تكون الشمس عمودية فاستغربت لهذين الجوابين وعرفت مدى معرفة الحاج بفن التصوير الفوتوغرافي.
مجلة الاسبوع 1957