كيف مات عاهل مصر العظيم؟

Monday 14th of August 2017 05:59:44 PM ,

كان زمان ,

مرض قديم
كان جلالة الفقيد العظيم وعاهل مصر الكريم يشكو من وقت بعيد اعتلال صحته الغالية.. ويذكر المتتبعون للحوادث ان اخبار مرض جلالته كانت تتطاير في الصحف من حين الى حين لاسيما في شتاء سنة 1934 حتى ازعجت هذه الاخبار الرأي العام في عهد الوزارة النسيمية وكان من جرائها ظهور مسألة"الوصاية والرفادة"و"الانابة"مما يذكره القراء

آثار..
وقد غالب جلالته ذلك المرض وسار بمشورة الاطباء جانحا الى الراحة والهدوء.. ويقول الذين شهدوا جلالته اثناء سفره الى الاسكندرية انهم ادركوا عليه آثار المرض اذ كان بادياً عليه في شحوبة وهزالة، وقد عاد جلالته الى عاصمة ملكه ولا يزال يعاني اثر مرضه الطويل ولكنه كان يجالده.

أزمات مجهدة
وحدثت في الشهور الاخيرة ازمات سياسية متلاحقة اشترك في حلها جلالته واتصل بها اتصالا وثيقاً على الرغم من ضعف صحته الغالية وحاجته الى الراحة، فكان يجهد نفسه من اجل وقاية شعبة مكاره السياسة الطارئة وكان في الحقيقة عاملا في الميدان وان استتر خلف الجدران..
ومن هذه الازمات ازمة دستور سنة 1923 وممانعة الانجليز في إعادته، وأزمة سقوط الوزارة النسيمية وتشكيل الوزارة الماهرية وأزمة طلب الانجليز الدخول في مفاوضات سريعة وتأليف الوفد الرسمي للمحادثات.

يشكو ألم أسنانه
ويقال ان هذه الحوادث اجهدت اعصاب جلالته واثبت فبدأ يشكو في اواخر مارس الماضي بألم في اسنانه واخذ الاطباء يعالجونه حتى قرروا بعد طول البحث وجوب خلع الأسنان.. ومنذ 35 يوما بدأوا يخلعون الاسنان واحدة، واحدة، وانتهوا من ذلك في مساء الاربعاء 23 ابريل.

النشرة الطبية الاولى
وفي صباح 25 ابريل صدرت النشرة الطبية الاولى وهي:"لقد حدثت مضاعفة سير مرض حضرة صاحب الجلالة الملك فانه نشأ التهاب تفشى في الفم اتخذ بسبب الحلة شكلا غرغرينياً وفي المساء طرأ نزيف له خطورته اثر تأثيرا غير محمود في الحالة العامة".
وقد احدثت هذه النشرة قلقاً عاما في الشعب وأعقبتها نشرات متوالية فصدرت النشرة الثانية في المساء وجاء فيها:"حوالي منتصف الليل امكن ايقاف النزيف مع استعمال التخدير الموضعي وهو مع ذلك كانت الليلة هادئة نوعاً، والالتهاب التعفني في الفم مع ما يصحبه من الغرغرينا والحمى على حاله.. وقد ازداد الهبوط العام وهبوط الدورة زيادة محسوسة".
وجاءت النشرة الثالثة ولم تزد على هذه شيئاً.

انزعاج وقلق
وزاد خوف الشعب وانزعاجه على صحة مليكه.. وبدأت الصحف تتكلم عن استدعاء سمو الامير فاروق.. ونشطت دار المندوب السامي في الاتصال بدولة توفيق نسيم باشا ومعالي محمود فخري باشا"وهما من الاوصياء كما أشيع".
وبعد ظهر يوم 26 ابريل اذيعت النشرة الطبية الرابعة فأنبأت الشعب بان الحالة العامة باقية على ماكانت عليه.. وفي صباح يوم 27 منه ظهرت النشرة الخامسة في الصحف وجاء فيها ان"حدة التعفن الموضعي آخذة في النقصان وان البنية اصبحت احسن مقاومة".

مضاعفات طارئة
وقيل ان جلالته انتقل من غرفة نومه في فجر هذا اليوم الى غرفة اخرى فأثر هذا في صحته واحدث مضاعفات طارئة منها قيء متلاحق اضطر الى استدعاء الدكتور فرجولي الى قصر القبة في الساعة الخامسة صباحا كما اقلق القصر وشغل صاحبة الجلالة الملكة وجعل الاطباء يجرون له تنفساً صناعياً ويغذونه بحقن مغذية لاستحالة تغذيته من فمه بسبب تورم الفكين، كما حقنوه بحقن مضادة للتسمم وأذيعت النشرة الطبية السادسة وكانت مزعجة للغاية اذ جاء فيها:"قضى جلالته ليلة لم تخل من الاضطراب ولوحظ فيها هبوط مفاجئ في الدورة الدموية. وقد عاد التعفن الموضعي على وجه يبعث على القلق".
***
وفي الساعة 12:15 من بعد ظهر يوم 27 ابريل رغبت جلالة الملكة في رؤية زوجها العظيم فوافته في غرفته مع صاحبات السمو الملكي الاميرات وقضين مع جلالته بضع دقائق.
وفي صباح هذا اليوم نفسه ابدى جلالته رغبته الكريمة في رؤية وحيده وولي عهده المحبوب، ومن هنا اذيعت الاخبار باستدعاء سمو الامير فاروق، كما قيل ان سموه تحدث الى جلالة الملكة والدته بالتليفون مرتين فطمأنته على صحة والده المحبوب.

صحوة الموت
وفي صباح يوم 28 ابريل. اي في يوم الوفاة كان جلالته اقوى صحة من الايام السابقة، فقد استيقظ نشيطا، واجتمع بكبار رجال الرأي وتحدث معهم منفردين ووقع بعض الاوراق والمراسيم وتباحث في شؤون شتى حتى خشي الاطباء ذلك وأشاروا عليه بعدم اجهاد نفسه بالكلام، كما طلب جلالته الاطلاع على الصحف وطالع جريدة"الجورنال ديجيت"وسر من الصورة المنشورة بها عن تظاهرات الطلبة والجماهير في ميدان قصر عابدين.
وكذلك قابل جلالته في الصباح دولة علي ماهر باشا وطلب من دولته ان يتقلد منصب"نائب الملك"وصدرت النشرة الطبية الثامنة بعد ظهر ذلك اليوم وجاء فيها"امضى جلالة الملك ليلة حسنة.. وقد نقصت الحمى وظهر تحسن في الحالة العامة بفضل ما لجلالته من عظم القوة النفسية".

يموت وهو يقرأ خطاب وحيده
وفي الساعة الواحدة والدقيقة 27 تسلم جلالته خطاباً وصله من ولي عهده المحبوب سمو الامير فاروق فتهلل له وتناول نظارته ووضعها على عينه واخذ يقرأه على ضوء المصباح الموضوع الى جوار مقعده الطويل"الشزلونج".. واذا بيديه ترتميان فجأة الى جنبيه والخطاب يسقط منهما، فاسرع الاطباء الى جلالته، فاذا به قد اسلم الروح!..
وأذيعت الكارثة الهائلة على الشعب بالراديو وكان كاتب هذه السطور في ذلك الوقت جالساً على قهوة يستمع لأغنية ينشدها"محمد صادق"فتعطلت الاذاعة بغتة.. واذا بالمذيع ينعى عاهل مصر الأكبر.. فوقف الناس جميعاً واجمين مصعوقين لهول الخبر وفداحة المصاب.
وعقب ذلك نكست الاعلام واعلن الحداد العام في جميع انحاء البلاد، وابلغ النبأ الفاجع الى المفوضيات والقنصليات والمحافظات والمديريات والى السودان.. ونودي بفاروق الاول ملكا على مصر..
فمات الملك.. وليحيى الملك
وفي ذمة الله والتاريخ يا ملك المآثر والتاريخ..

اللطائف المصورة /
آيار- 1936