الحوار الاخير للراحل مؤيد نعمة: الكاريكاتير فن المستقبل

Wednesday 18th of October 2017 06:28:14 PM ,

عراقيون ,

حاورته: خالدة حامد
ولد مؤيد نعمة في بغداد عام 1951. وحينما كان في السادسة عشرة من عمره نشر أول رسم له، وشارك بعد عامين في تأسيس أول مجلة للأطفال في العراق. تخرج في معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1971. حصل على بكالوريوس سيراميك من أكاديمَّية الفنون الجميلة في بغداد. وشارك في العديد من المعارض داخل الوطن وخارجه.

تم انتخابه عام 1991 رئيساً للجنة الكاريكاتير العراقي. يعمل في الصحافة منذ سن مبكرة ولا يزال يواصل نشاطه الآن في صحيفتيّ ”المدى” و»النهضة”العراقيتين.

* يقال إن البورتريه فن وسيط بين الكاريكاتير والفن التشكيلي، والملاحظ على رسوماتك أنها توظفه بشكل مميز، ما أهمية هذا الفن بالنسبة للكاريكاتير؟ وما علاقتك بالفنون التشكيلية الأخرى سيّما أنت تخصصت بالسيراميك؟

- مثلما تعرفين فإن اختصاصي هو السيراميك، وهوايتي كانت الكاريكاتير، لكن الحالة أصبحت أن صار الكاريكاتير هو الاحتراف وأصبح الخزف هواية. لكنها هواية ممتعة مكملة لعملي ولشخصيتي الفنية. أما عن الكاريكاتير فهو فن تشكيلي متنوع، فأين الوساطة في هذا؟ والبورتريه الكاريكاتوري ينطوي على معالجات رائعة في رسم الوجوه قد لا يتوصل لها الرسام الاكاديمي بمعنى الاهتمام بالتعبير والايحاء والمبالغة والابتعاد عن التطابق في الخطوط وايهام المشاهد (نفسياً) بفرضية ان الصورة متطابقة مع الموديل. ولتوضيح الكلام ارجو ان نتأمل رسوم وبروتريهات الفنان (جورج البهجوري) لكي نصاب بالدهشة في كيفية تنفيذها المذهلة من خطوط والوان توحي للمشاهد بان الشخص المرسوم لابد وان يكون كما نراه في اللوحة.
كذلك الحال وبطريقة مختلفة عند الفنان عبد الرحيم ياسر الذي يتميز حقاً بتخيير ملامح الشخصية المرسومة دون المساس بحجم الحقيقة في تلك الملامح.. أليس هذا فناً تشكيلياً رائعاً؟ وهكذا اعمل على الايحاء بتطابق الشبه بين بورتريه النحت الكاريكتوري وشخصية الموديل.

*تقول في إحدى المقابلات التي أجريت معك إن الكاريكاتير”شامل لكل الفنون، هو فن المستقبل”ألا ترى أن في هذه المقولة شيء من المبالغة؟

- فن المستقبل.. هو فن التعاطي مع المشاعر.. فن التلويح بالمعاني المكبوتة… فن شامل لبقية الفنون؛ فن المبالغة التي لا يدركها التصوير والرسم الاكاديمي او الرسم الحديث (التجريدي) فن الاحساس بالموسيقى التي تنساب بين الخطوط.. فن السحر والإلهام الذي يجسده رسام الكاريكاتور بخطوط والوان قد لا تسعف القواعد الأكاديمية في تنفيذها. وبذا فهو فن شامل بتخطيطه، ألوانه، نحته، غرافيكه، موسيقاه، شعره المفعم بالأحاسيس التي تظهر على رسوم الفنان. ولابد من الالتفات إلى مسألة مهمة، وهي أني أتحدث هنا عن فئة الكاريكاتور اللوحة والموقف وليس كاريكاتير النكتة السمجة والضحك المسطح البليد والشائع في الصحافة..
خذي مثلاً رسام الكاريكاتير الروسي (سميرنوف) والتشكيلي (ادولف بورن) صاحب الجوائز الكبرى في المهرجانات الدولية.. والفنان العراقي (عبد الرحيم ياسر) والفنان الألماني (هنري بوتنر) والفنان المصري (محيي الدين اللباد) والفنان الكوبي (رينيه ويلانويز) والفنانين السوريين (يوسف عبد مكي وعلي فرزات) والفنان الاميركي الروماني الاصل (سول شتاينبرك) والفنان الروسي (سيرجي تيونن) والفنان الفرنسي (فولون) … وعشرات الأسماء المحلقة في سماء الكاريكاتير.

* للشأن السياسي في رسوماتك الآن حضور يطغى على الجوانب الأخرى، كالاجتماعية مثلاً إذ توقفت عن زاويتيّ (طبق الأصل) و(نساء ورجال) اللتين تناولتهما في السبعينيات والثمانينيات، ما السبب؟

- مما لاشك فيه أن الظروف التي مر بها بلدنا كان لها تأثير كبير على أبناء المجتمع، ومنهم رسام الكاريكاتير قطعاً، مما دفعني إلى أن أعكس المعاناة السياسية في رسوماتي. المعاناة كبيرة ولهذا شغلت حصة كبيرة من تفكيري. وكانت هناك أسباب موضوعية ومعروفة في تلك السنين لكي ارسم خلف عناوين”رجال ونساء”و”طِبْـق الأصل”. وجاءت الأحداث الأخيرة بسقوط النظام الديكتاتوري لكي تفجر مخزوناهائلا من الأفكار المكبوتة والمؤجلة إلى حين. لذلك تجديني ارسم الان في صحيفتين يوميتين اتخذت في إحداها عنوان”طبق الأصل”ليشمل المواضيع السياسية والاجتماعية.

* هل حقاً أن الكاريكاتير هو فن التحريض؟

- نعم الكاريكاتير فن التحريض ضد الظلم والتعسف والخطأ والشاذ والسيئ ويمكن ملاحظة ذلك جلياً في اية لوحة تنتمي لفن الكاريكاتير وليس لفن التهريج.

*هل علاقة هذا الفن بالحكومات سيئة دائماً؟ وهل تعرضت رسوماتك إلى المنع؟

- علاقة الكاريكاتير بالحكومات متقاطعة غالباً وسبب ذلك يعود إلى طبيعة هذا الفن المنفلت من اية قيود حكومية او ديكتاتورية.. الكاريكاتير ينشد الخلاص من كل القيود يتمكن من ان يكون مؤثراً ومتميزاً. وفي طبيعة الحال فقد تعرضت بعض من رسومي إلى المنع في الثمانينات بسبب (المبالغة) كما ادعى سكرتير التحرير في إحدى المجلات، والتي كانت عن أسعار البيض تحديداً، إذ ذكرت أن سعر طبقة البيض في تلك الفترة وصل إلى عشرين ديناراً، والحقيقة أن سكرتير التحرير قال إنها بثمانية عشر ديناراً. تصوري! وبعد أسبوع فقط قفزت الأسعار إلى خمسة وعشرين ديناراً و مائة دينار وهكذا! كما تم تشويه إحد الكاريكاتيرات التي رسمتها وذلك بواسطة الحبر الاسود لإخفاء شخصيتين داخل الكاريكاتير يرتديان الزي العربي، وقد اخبرني المصمم بأن رئيس التحرير هو الذي طلب ذلك”لحساسية الموقف”!

* تبعاً لإحصائيات لجنة حماية رساميّ الكاريكاتير في العالم التي يرأسها روبرت راسيل فإن (43) رساما كاريكاتيريا في دول العالم الثالث صاروا ملاحقين بسبب رسومات لا تتقبلها بلدانهم، ولا تخفى عليك قصة اغتيال ناجي العلي، هل يدفع ذلك برسام الكاريكاتير إلى الترميز والتشفير؟ وهل سيؤدي ذلك إلى تحجيم”رسالته”؟

- اصبح الترميز من اساسيات فكر الكاريكاتور في البلدان العربية لضرورة التحايل على مقص الرقيب أو الملاحقة الأمنية، والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى.. ففي مصر كان رسامو الكاريكاتير يتفننون في تمرير أفكارهم”المشاكسة”على مقص الرقيب لتنشر بعدها وتبدأ الجماهير بالغمز واللمز على هذا المسؤول او ذلك الوزير. وفي سورية كذلك والعراق والجزائر وبمستويات مختلفة حسب هامش الحرية الممنوح للصحافة في كل بلد.
ويستدعي ذلك فطنة رسام الكاريكاتير واجتهاده وشجاعته في ايجاد التبرير المناسب عند استجوابه من قبل السلطات الأمنية (وأنت وحظك).
وبالتأكيد يصبح”التشفير”عبئاً مضافاً على الرسام ويضعف من قدرته على ايصال كل ما يجول في مخيلته إلى المشاهد ويقلل من امكانية التوغل الاعمق في موضوعات قد تكون ملتهبة ومهمة لا يمكن للرسام تحت هذه الظروف من تناولها.

* هل الغليان الذي يشهده عالمنا اليوم يسهم في سرعة إنضاج هذا الفن، بمعنى آخر هل يزدهر هذا الفن في الأزمات؟

- إن مهمة رسام الكاريكاتير هي الكشف عن الممنوع ونزع استار المبهم والصراحة القاسية احيانا في قول الحقيقة او البحث عنها ويقترح الحلول او يفترضها بالايحاء والاشارة لذلك فالكاريكاتير وليد الازمات ومروّضها وكاشف المستور منها. ولأن هذا الفن يهتم بشؤون الانسان ومشاكله الاجتماعية والسياسية والفكرية لذلك يستجيب لكل هذه المواضيع ويستمد منها أفكاراً ومواقف مختلفة ويزدهر بها.

* أيصح القول إن الكاريكاتير هو فن الفكرة أساساً وإن مقياس الرسم والمهارة يأتي بالدرجة الثانية؟

- نعم الكاريكاتير من الفكرة ولكن الوسيلة لإيصال هذه الفكرة هي الأسلوب الفني المدهش بالتنفيذ الذي يساعد في ترسيخ الفكرة ويعزز من مصداقيتها لدى المشاهد. وأنا أعتمد الفكرة أساسا، أي أنها عندي قبل الأسلوب الفني، قبل التخطيط، قبل الخطوط. أعتمد الفكرة، وتنفيذها يبقى سهلاً. المهم أن الفكرة تصل مباشرة، أو بشكل غير مباشر، إلى المتلقي. وأتمنى في كل عمل أنجزه، أن يشاركني القارئ أو المشاهد باستنباط أفكار جديدة من الفكرة التي أطرحها أنا.
نشر في صحيفة المدى عام 2005
بعد يوم من رحيل مؤيد نعمة