العلامة محمد إقبال.. أعماله عالمياً

Tuesday 31st of October 2017 06:47:55 PM ,

منارات ,

خديجة جعفر
كان محمد إقبال أمّة في رجل، جمع مختلف الفلسفات والعلوم، كتب نثراً، ونظم شعراً، وأجاد لغات شرقية وغربيّة، حمل همّ الأمة الإسلاميّة في قلبه وكيانه، استقرأ داءها ووصف دواءها، وسخر قلمه لبعث نهضتها، فتغنت بأشعاره، واهتدت بأفكاره، فكان نموذج المفكر والأديب الملتزم.

بدأ إقبال رحلته الفكرية والأدبية، في موطنه سيالكوت، وفيها تتلمذ إلى مير حسن، شمس العلماء، ثم رحل إلى لاهور؛ ليدرس الفلسفة والقانون، في كلية الحكومة، وكلية لاهور للقانون، وتتلمذ إلى المستشرق توماس أرنولد. وبعدما تحصّل على شهادة الماجستير في الفلسفة الإسلامية، عمل بالتدريس في الكلية الشرقية، وكلية الحكومة، وفي أثناء سنيّ الطلب هذه، نظم إقبال الشعر بالأردية، وأصدر كتابه الأول بالأردية كذلك، «معرفة الاقتصاد”في عام 1903، لم يتوقف نهم إقبال للمعرفة عند هذا الحد، بل قرر أن ينال من علم الغرب حظّاً، فشدّ الرحال إلى لندن؛ حيث التحق بكامبريدج، وتحصَّل على شهادة في فلسفة الأخلاق والقانون، ودرس شيئاً من السياسة والاقتصاد، ثم سافر إلى ألمانيا؛ ليقدّم بحثه لنيل درجة الدكتوراه عن رسالته: «تطور ما وراء الطبيعة في إيران”عام 1908.
ثمّ عاد إلى الوطن؛ ليبدأ رحلة جديدة في الحياة، رحلة العطاء والنضال، مارس التدريس في كلية الحكومة، والكلية الشرقيّة في جامعة البنجاب. كما مارس المحاماة، ومنها كان يتعيش، وكتب مئات الرسائل في المشكلات السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية التي عاصرها في بلده الهند، وأوروبا، والعالم الإسلامي، ولكنّ ظل الشعر هو الرفيق الأعز، والصديق الأثير، في خضم مسؤولياته والتزاماته، وفيه تجلت فلسفته الإنسانيّة في أسمى معانيها.
أمّا أعماله ودواوينه فتصل إلى ثمانية عشر عملاً وديواناً: معرفة الاقتصاد، بالأردية (1903) - تطور ما وراء الطبيعة في إيران، بالإنكليزية (1908) - ديوان أسرار الذات، بالفارسية (1915) - ديوان رموز نفي الذات، بالفارسية (1918) - ديوان رسالة المشرق، بالفارسية (1923) - ديوان صلصلة الجرس، بالأردية (1924) - ديوان أناشيد فارسية، بالفارسية (1927) - إعادة بناء الفكر الديني في الإسلام، بالإنكليزية (1930) - ديوان رسالة الخلود، بالفارسية (1932) - ديوان المسافر، بالفارسية (1936) - ديوان ماذا ينبغي أن نفعل يا أمم الشرق، بالفارسية (1936) - ديوان جناح جبريل، بالأردية (1936) - ديوان عصا موسى، بالأردية (1937).

دعا إقبال إلى استقلال مسلمي الهند في أرض خاصة بهم، فهو يرى أنّ شعباً ما لا يستطيع أن يكوّن أمّة، إلاّ إذا كان ذا روح واحد. لم يشهد إقبال قيام دولة باكستان (1947)، ومع ذلك فقد اعتبرته حكومة باكستان الأب الروحي لها، فأنشأت أكاديمية إقبال في عام (1951) والتي شملت قسمين: قسم دراسة أعمال إقبال، وقسم دراسة الاتجاهات الفكرية، والفلسفية، والسياسية، والأدبية، والثقافية، التي تساعد على فهم أعمال إقبال.
ولقد نجحت الأكاديميّة في إصدار مئات الدراسات، تشمل ترجمات لأعماله إلى ثماني عشرة لغة في أنحاء العالم، وتشمل دراسات فكرية ونقدية تتناول الجوانب المختلفة لفكره وشعره، كما أصدرت دورية فصلية؛ لمراجعة ما يكتب حول إقبال، باللغتين الإنكليزية والأردية، بلغت أعدادها إلى الآن 150 عدداً، وفي عام 1985 قررت أن تخاطب قراء الفارسية والعربية والتركية، فأصدرت مجلة «إقباليات»، وبلغ الإصدار الفارسي عشرة أعداد، والإصدار العربي عددين، والإصدار التركي عدداً واحداً.
وفي السنوات الأخيرة، أعادت إصدار أعماله الشعريّة الكاملة بالأردية، وأعماله الشعريّة الكاملة بالفارسية، كما أعادت طبع كتابه الشهير «إعادة بناء الفكر الديني في الإسلام”بالإنكليزية، وترجمته إلى الإسبانية والألمانيّة، وأطلقت موقعه على الإنترنت، وتمنح الأكاديمية «جائزة إقبال”لمن يكتب دراسة متميزة عن أي جانب من جوانب فلسفة إقبال وشعره.
أمّا في الخطط المستقبليّة للأكاديميّة، فإنّها تسعى إلى إصدار مزيد من الدراسات حول الفكر الإقبالي، وتعمل على إنشاء بنك معلومات للأساتذة الذين تخصّصوا في الفكر الإقبالي، وتتعاون مع الجمهورية الإسلامية في إيران، لإصدار فيلم وثائقي عن سيرة ومسيرة إقبال، وغير ذلك من النشاطات والخطط. ومن هذه النواة، نمت مؤسسات عدة أخرى تهتم بالفكر الإقبالي، منها: أكاديمية إقبال الإسكندنافية في الدنمارك، أكاديمية إقبال في تورنتو، كندا، أكاديمية إقبال في دكّا، أكاديمية إقبال في حيدر آباد الدكّن، مؤسسة إقبال في بورما، كرسي إقبال في جامعة كلكتا بالهند، مؤسسة إقبال في جامعة جامو وكشمير، أكاديمية إقبال في المملكة المتحدة، أكاديمية إقبال في إندونيسيا، جماعة أصدقاء إقبال في القاهرة.
إنّ هذا الاهتمام العالمي المتنامي بإقبال، بل والتخطيط لنشر فكره وشعره في العالم، بعد مرور تسع وسبعين سنة على وفاته، ليشهد أنّ فكر إقبال تميز بقدرته على الاستمرار في الزمن، وأنّه لم يستنفد أغراضه بعد.

كان أول من اهتم بإقبال في العالم العربي هو د.عبد الوهاب عزام الذي عاصر محمد إقبال، وكتب سيرته الذاتية: «محمد إقبال: سيرته وفلسفته وشعره». وقد صدر الكتاب في طبعتين متواليتين، ثانيتهما في بيروت عن الدار العلميّة، عام (1972) وترجم ديوانيه «رسالة الشرق/ بيام مشرق»، «أسرار خودي ورموز بيخودي/ الأسرار والرموز”إلى العربيّة، ثم صدرت للأخيرين ترجمة ثانية، في القاهرة عن المجلس الأعلى للثقافة عام (2005) لسمير عبدالحميد إبراهيم، وقد نقل الشيخ صاوي شعلان المصري ديوانه «صلصلة الجرس» إلى العربيّة نثراً ثمّ صاغه بالعربية شعراً، ثمّ صدرت للديوان ترجمة أخرى في القاهرة عن المجلس الأعلى للثقافة، عام (2003) لجلال السعيد الحفناوي أمّا ديوانه «أرمغان حجاز/ هدية الحجاز”فقد ترجمه الدكتور حسين مجيب المصري.
أمّا كتابه الأكثر شهرة «إعادة بناء الفكر الديني في الإسلام”فقد ترجمه عبّاس محمود إلى العربية في القاهرة عام 1952، ثمّ أعاد ترجمته يوسف عدس في طبعة صدرت في 2014. أمّا كتابه (تطور ما وراء الطبيعة في إيران) فقد ترجمه الدكتور حسين مجيب المصري عن الفرنسية، عام 1986، وأعاد ترجمته د.حسن الشافعي ود. محمد السعيد بالاشتراك، عام 1989 عن الأصل الإنكليزي، تحت عنوان: «تطور الفكر الفلسفي في إيران: إسهام في تاريخ الفلسفة الإسلاميّة».
أمّا الأعمال التي كُتبت حول سيرته وحياته وأعماله فهي أكثر من أن تحصى، نذكر منها: الصاوي علي شعلان. فلسفة إقبال والثقافة الإسلاميّة بالهند وباكستان. القاهرة: دار إحياء الكتب العربي، 1950؛ ونجيب الكيلاني. إقبال الشاعر الثائر. بيروت: دار الكتب العلمي، 1959؛ وعلي حسون. فلسفة إقبال. دمشق: دار السؤال، 1986؛ ومحمد العربي بوعزيزي. محمد إقبال: فكره الديني والفلسفي. دمشق: دار الفكر، 1999؛ وسيد عبد الماجد الغوري. محمد إقبال: الشاعر المفكر الفيلسوف. دمشق: دار ابن كثير، 2000.
وفي النهاية، فإنّ محمد إقبال كان ولا يزال من أهم مفكري القرن العشرين الذين أثّروا فيه في الأدب والفكر والسياسة على السواء