تيد هيوز... الشاعر أم الوحش؟

Tuesday 12th of December 2017 06:33:38 PM ,

منارات ,

فاضل السلطاني
هناك في التاريخ الأدبي، كما في غيره، ما يمكن أن نسميه أساطير أدبية تكونت نتيجة ظروف معينة، يختلط فيها الشخصي والأدبي، وقد يطغى الأول على الثاني غالباً، أو يزيحه إلى حد كبير. ولعل الموت المأساوي المبكر لشخصية أدبية وفنية، خاصة إذا كانت ضحية، يلعب لعبته هنا، كما حصل مع الشاعرة الأميركية سيلفيا بلاث، التي ارتبطت ببريطانيا من خلال دراستها وإقامتها،

والأهم زواجها من الشاعر البريطاني الشهير تيد هيوز، ومن هنا بدأت أسطورتها الخاصة، التي لا تزال تكبر وتكبر.
منذ انتحارها المفجع في فرن غاز عام 1963، لا تكف سيلفيا بلاث عن الحضور، ويعاد إنتاج قصتها من جديد. كل تفاصيل هذه القصة الاستثنائية صارت معروفة، وكنا نتصور أنها انتهت بعدما استهلكت طويلاً، خاصة مع موت تيد هيوز، شريك بلاث الآخر في صناعة الأسطورة. ومن المعروف أيضاً، أن الرجل شبع اتهاماً بأنه وراء انتحارها بخيانته لها مع صديقتهما المشتركة آسيا ويفل، التي انتحرت هي أيضاً بعد 6 سنوات من انتحار بلاث، وبشكل أكثر مأساوية منها، إذ قتلت طفلتها أيضاً، طفلة هيوز. ماذا كان يفعل هيوز بنسائه؟
آخر فصل في هذه القصة - الأسطورة التي لا تريد أن تنتهي - رسائل من بلاث تم اكتشافها حديثاً، وخصصت لها صحيفة «الغارديان"البريطانية صفحة كاملة نشرت في الحادي عشر من هذا الشهر. وهي 9 رسائل كانت بلاث قد بعثتها إلى الدكتور راوث بانهاوس، أول من عالجها في الولايات المتحدة بعد محاولتها الانتحار للمرة الأولى عام 1953. وهذه هي الوثائق الوحيدة التي تروي ما جرى في الشهور الأخيرة من حياة الشاعرة. وكان هيوز قد مزق دفتر يومياتها بعد انتحارها؛ مبرراً ذلك بقوله: «لقد مزقته، أو مزقت أجزاء منه لأنني لم أرد لأولادي أن يقرأوه». لكن أين الأجزاء غير الممزقة؟ لا أحد يدري. وتتحدث بلاث في هذه الرسائل عن العنف الجسدي الذي كان يمارسه هيوز ضدها، قبل وقت قصير من إجهاض ابنهما الثاني عام 1961، الحدث الذي أشارت إليه بلاث في بعض قصائدها، كما ذكرت في رسالة لها أن هيوز قال لها إنه «يريدها ميتة».
هل كان هيوز وحشاً حقاً؟ من المعروف، أنه صمت تماماً منذ انتحار بلاث، ولم يرد على الاتهامات المنصبة عليه وخاصة من المنظمات النسوية بكونه السبب الأساسي وراء ذلك الانتحار، الذي مضى عليه أكثر من نصف قرن... لم يقل شيئاً، ما عدا مرات قليلة كان يصحح فيها هذه المعلومة أو تلك.
قضى وقته متوحداً مع الطبيعة، بشكل شبه صوفي، كما كان دائماً، وخاصة منذ مجموعته «غراب»، التي أطلقت شهرته. لكنه فاجأ الجميع عام 1998 في الذكرى الخامسة والثلاثين لانتحار بلاث، وقبل أشهر قليلة من موته، بمجموعته «رسائل عيد الميلاد"التي كرسها لها. غطت هذه المجموعة، التي ضمت 88 قصيدة تقطر حزناً وحباً ورقة، على قصتهما الحزينة، ولو لحين، واكتشف الناس في سطورها أي حب كبير كان يكنه الرجل لتلك المرأة التي اختارت له حتى اسمه الأدبي، تيد.
لكن جاء كشف الرسائل التسع ليعيد القصة لبدايتها الأولى، وليعيد الأسئلة ذاتها. هل كان هيوز، وهو واحد من أهم الشعراء البريطانيين في القرن العشرين، وشاعر البلاط من 1984 حتى وفاته عام 1998، وحشاً حقاً؟ هل يمكن أن يكون شاعر مثله، أو أي شاعر، وحشاً؟ أما تُرانا، مرة أخرى، أمام ذلك الانفصام المريع، الذي يمتلئ به التاريخ الأدبي، بين الإنسان والمبدع؟ هل نصدق هيوز الشاعر، أم هيوز الإنسان؟