نقدٌ لاذع ولهجة متفجّرة.. رسائل غير منشورة للرسّامة فريدا كاهلو

Tuesday 27th of February 2018 06:27:46 PM ,

منارات ,

ترجمة وتقديم: كوليت مرشليان
رسائل متفجّرة وملتهبة كتبتها الرسّامة المكسيكية العالمية فريدا كاهلو صدرت مطلع هذا الشهر في بلدها كذلك في نسخة فرنسية عن"دار كريستيان بورجوا"في باريس، وهي تنشر حالياً وتزامناً مع كتب عديدة عنها وعن فنها وسيرتها الذاتية بمناسبة مرور مئة عام على ولادتها. وإذا كانت هذه المئوية قد حرضّت وشجّعت على نشر كل ما يتعلق بالفنانة،

الى جانب عدد كبير من المعارض التكريمية والاستعادية لأعمالها، فإن رسائل فريدا لا تعوزها المناسبات لتخرج الى العلن من ملفات ورثتها، ذلك أن تلك المرأة التي أضحت بعد موتها أيقونة خاصة ببلدها، تعود الى الواجهة بعد الاهتمام الكبير للنقّاد بأعمالها التي أرخت لحياتها وعذاباتها الكثيرة: عاشت فريدا ثُلثي حياتها مقعدةً بسبب حادثة اصطدام بباص ضخم حطّم لها ساقيها وحوضها، وهي كانت مصابةً أساساً بالشلل منذ طفولتها، مما جعل مشيتها غير سويّة، وما أثر أيضاً في عدم قدرتها على الإنجاب، وهذا كان قمّة يأسها بعد أن أحبّت الرسام دييغو ريفيرا، ولم تتمكن من إنجاب الأولاد بعد زواجها منه.
بدأت فريدا الرسم وهي ابنة 12 عاماً، وما إن أقعدها الحادث وهي مراهقة شابة، حتّى انطلقت بالرسم وهي تستعين بمرآة في سقف غرفتها، حيث أمضت سنوات من حياتها نائمة، فكانت أبرز لوحاتها بورتريهات لوجهها الى جانب بعض الموضوعات التي حاولت تجسيدها في شخصيات وأمكنة بوحي من أحلامها وأوهامها. كما أن فريدا عرفت بطبعها الحاد وانتقادها اللاذع لكل الأمور، وهذا الجانب من شخصيتها يبرز في مراسلاتها التي كانت تصلها بالآخرين حين تعذر عليها التنقل بسهولة. ننقل بعضاً من هذه الرسائل لفريدا كاهلو الصادرة في المكسيك وفي باريس حالياً، الى العربية:

رسالة إلى ليو الويسير
نيويورك، 26 تشرين الثاني 1931
المجتمع المخملي هنا يضرب لي على الوتر الحسّاس، وأشعر أنني غاضبة من كل شيء من حولي، وخاصة هؤلاء الاغنياء لأنني التقيت هنا بآلاف من الناس الذين يعيشون في بؤس أسود، من دون مأوى أو سقف ومن دون طعام، وهذا ما جعلني أتأثر كثيراً بواقع الحال هنا. وأجد أنه أمرٌ فظيع أن الاغنياء يقضون أيامهم ولياليهم في الحفلات الصاخبة، في حين أن الآلاف يموتون من الجوع... وعلى الرغم من كل الاهتمام الذي أوليه للتقدم الصناعي والميكانيكي في الولايات المتحدة الأميركية، إلاّ أنني أجد أن الشعب الأميركي يفتقد الى الذوق والحسّ الرفيع بشكل فاضح. والأميركيون يعيشون كما لو أنهم في مزرعة دجاج كبيرة، وسخة ومقرفة، ومنازلهم شبيهة بأفران الخبز وما يتحدثون عنه من رفاهية في منازلهم، ليس سوى مجرد أسطورة ووهم. ربما أنا مخطئة لكنني أقول بكل بساطة وجهة نظري وما أثر في قلبي (..).

رسالة إلى دييغو ريفيرا
23 تموز 1935 ـ
هل يجب أن امتلك فعلا رأس بغل كي لا أفهم على الإطلاق كل ما يجري من حولي: الرسائل وقصص الفساتين ومعلمات اللغة الانكليزية والغجريات اللواتي يعملن على الجلوس أمامك لرسمهن، وكل النساء اللواتي يظهرن اهتماماً"بفن الرسم"واللواتي يحضرن من الخارج. كل هذا تفاصيل مسلّية، وأنا اعرف أن ما بيني وبينك هو حب بالمعنى العميق للكلمة، وحتى لو عشنا كل هذه المغامرات وكل هذه الخناقات التي يليها دائماً أبواب تقفل وشتائم، فنحن نحب بعضنا على الرغم من كل شيء. وأظن أنني بالفعل غبية الى حدّ ما، لأنني طوال الأعوام السبعة التي عشناها معاً وبعد كل نوبات الغضب التي كنت أمرّ بها، أرى نفسي اليوم أنني ما توقفت عن حبك وإنني أحبك أكثر من جلدي، وحتى لو أنك لا تحبني بنفس القدر، فإنك على الأقل تحبني قليلاً، أليس كذلك؟ وإذا لا، فأنا احتفظ دائماً بالأمل للوصول الى ذلك، وهذا يكفيني.
احبني قليلاً وأنا اعبدك
فريدا

رسالة إلى جوليان ليفي
مكسيكو، 1938
لم أفكر يوماً بالرسم قبل العام 1926، لكنني في ذلك العام، وجدت نفسي مسمرة في سريري بعد تعرضي لحادث طريق. كنت اسأم كثيراً في سريري وأنا محبوسة في الجبس (بعد أن تعرضت الى كسر في عمودي الفقري وعظام أخرى) وهنا فكرت في أن أقوم بأمر ما، فطلبت الألوان الزيتية التي أمّنها لي والدي، أما أمي فقد أحضرت لي خشبة خاصة لأضعها فوق رجلي وأرسم، وهكذا بدأت الرسم.

عن صحيفة المستقبل