روايات خالدة: الخاسر ينال كلَّ شيء

Tuesday 6th of March 2018 06:04:46 PM ,

منارات ,

رباب محمد
عندما ينتهي المرء من قراءة رواية "الخاسر ينال كل شيء" للروائي البريطاني غراهام غرين، يتساءل عما يجمعها مع رواية «المقامر» للروائي الروسي فيدور ديستوفسكي، قطعاً إنها تلك الشخصية التي تحب المقامرة وتضحّي في سبيلها بكل شيء، حتى الحب الذي يجلب السعادة، لكنه لا يجلب المال كما المقامرة، والحب والمقامرة هما محور رواية «الخاسر ينال كل شيء"التي كتبها غرين عام 1955.

عندما مات الروائي البريطاني غراهام غرين عام 1991 عن عمر ناهز التسعين سنة، قال عنه الروائي السير وليام غولدنغ"كان غراهام طبقةً لوحده، وسيقرأ ويُذكر كسارد لتاريخ ضمير وقلق رجل القرن العشرين".
والحال أنه ليس عالم الأدب وحده من سيفتقد هذا الروائي الكبير، بل أيضاً السينما وذلك لأن «غراهام"كان سينمائياً بامتياز، فقد كتب العديد من السيناريوهات بشكل مباشر للسينما، بل إن رواياته مكتوبة من الأساس وفق الأسلوب السينمائي الذي يجعلها جاهزة للتصوير من دون صعوبات تقنية.
كان غرين الذي ولد في بريطانيا عام 1904 مهتماً بالصراع الروحي في عالم آخذ بالانهيار. وقد درس لاحقاً في جامعة أوكسفورد وعمل في الصحافة ثم ككاتب متفرغ، كما عمل موظفاً في وزارة الخارجية البريطانية في غرب أفريقيا خلال الحرب العالمية الثانية. وبعد الحرب سافر في رحلات مطوّلة.
من أهم أعماله الروائية: «الأميركي الهادئ» (1955) و«رجلنا الذي في هافانا» (1958) و«القضية المحترقة"(1961) و«ممثلو الكوميديا» (1966) و«القنصل الفخري"(1973) و«العامل الإنساني» (1978) و«الرجل العاشر» (1985). وقد تحوّل كثير من رواياته إلى أفلام سينمائية ناجحة. فقد كان اسمه يقف خلف أفلام شهيرة مثل فيلم (الرجل الثالث) الذي أنتج عام 1949 والمأخوذ عن روايته التي تحمل نفس الاسم. وكذلك مع روايتيه الأخريين"نهاية علاقة"و «الأميركي الهادئ» اللتين حوّلتا إلى السينما بنجاح كبير في مناسبات عدّة. كما كتب القصص والمسرحيات وكان غزير الإنتاج.
تتميز أعمال غرين بالتفاصيل الحيوية وتنوع الخلفيات (كوبا، أفريقيا، هاييتي، فيتنام) والتصوير الموضوعي للشخصيات الواقعة تحت مختلف الضغوط الاجتماعية والسياسية أو النفسية. الشر كلّيُ الوجود.
في أعماله المتأخرة، فإن بُعداً من الشك والصراع الأخلاقيين قد أضيفا إلى الرعب والتشويق. في روايته «مونسينيور كيخوته» (1982) فقد قارن ما بين الماركسية والكاثوليكية، ولكن لهجته فيها كانت أرق. كما نشر له بعد وفاته كتاب: «عالم يخصني: مذكرات حُلم» (1994) الذي كتبه غرين في الأشهر الأخيرة من حياته، وهي مذكرات جزءٌ منها خيالي، وآخر يتعلق بسيرته الذاتية.
رواية «الخاسر ينال كل شيء"التي نشرها «غراهام"في العام 1955 تحكي قصة السيد «بيرتراند» المحاسب البسيط في شركة لندنية معروف عنه حبه للمقامرة، وهو مقبل على الزواج من زميلته ـ حبيبته كاري التي لا تشجعه على الاستمرار في لعب الورق وتبحث عن صيغة مناسبة للدخول إلى عش الزوجية مع بيرتراند الذي يتعرض لإغراء الموائد الخضراء يجعله ينسى أهمّ الأشياء في حياته.

تنطلق أحداث الرواية من لندن من مقر الشركة التي يعمل فيها «بيرتراند» حيث يُستدعى للقاء مالك الشركة في اجتماع عملٍ ينتهي بأن يُعرض على «بيرتراند» أن يسافر فوراً إلى شاطئ مونتي كارلو في فرنسا، لكي يتم زواجه من حبيبته «كاري» على نفقة مالك الشركة.
وعند وصوله إلى هناك، يجد أمامه صالات القمار التي تستفزه وتقوده إلى المغامرة، ولأنه صاحب منطق رياضي صرف، فإنه يقدم على التجربة لينسى بعد ذلك زواجه وحبيبته وكل شيء له معنى في حياته.
بداية يخسر بيرتراند كل نقوده، ولا يجد ما يسد رمقه في ذلك الفندق التابع لصالة القمار ولا يجد مخرجاً من تقريع زوجته المقبلة التي بدأ حظها يخبو مع شريك لا يقيم وزناً للمستقبل، آنذاك يعرض عليه مدير الكازينو مبلغاً على سبيل الدَين مقابل اللعب لصالح شخص آخر، يوافق بيرتراند ويبدأ اللعب ليربح ملايين الفرنكات.
ولكنه في خضم لهاثه نحو الفوز، تبدأ كاري بالابتعاد عنه كليّاً، ويتبيّن له بعدها أن (الآخر) الذي يلعب لصالحه هو مدير شركته في لندن والذي سيصل مركبه لاحقاً لحضور الزفاف، وهنا ينصب اهتمام بيرتراند على استعادة فتاته، ولكن مقابل التخلي عن النقود.. الملايين منها لصالح الحب!
وختاماً يختار المقامر الحب تأكيداً لنزعة أخلاقية ثبتها غراهام غرين في مقدمة الرواية القصيرة عبر رسالة موجّهة إلى صديقه على سبيل الإهداء:"عزيزي فرير: لأننا ارتبطنا بزمالة العمل والصداقة مدة ربع قرن، فإنني أهدي إليك هذا الطيش بلا إذن منك. فأنا أعرف أنك تخطئ وتعتبرني أكتب هذه الحكاية للتشجيع على المقامرة".

ولاشك أن المؤلف وجد مخرجاً لطيفاً للتملص من محاكمته أخلاقياً من قبل النقّاد الذين يرون فيه كاتباً سينمائياً من طراز رفيع، فالرواية كتبت بأسلوب وصفي جميل يرسم الصورة بوضوح ويتابع حركة الشخصيات دون الغوص في الأعماق، ورغم أن موضوعها يعطي مجالاً للخوض في الجانب النفسي مثلما فعل «ديستوفيسكي"في قصته الشهيرة «المقامر»، إلا أن غراهام يفضّل روح البساطة والتسلية ويتفرغ لصناعة الفضاء الروائي برشاقته المعهودة، ومع ذلك لا يترك تضميناته التي تلمس من بعيد أفكاراً مؤرقة كعلاقة العلم بالإيمان من زاوية الرجل العصري الذي يفضل لغة الأرقام ويقدّمها على كل ما لا يراه.
الرواية تحولت إلى السينما مرتين عام 1956 في فيلم بريطاني يحمل نفس الاسم والثانية في العام 1990 في فيلم أميركي بعنوان (طيش الغني) من إخراج جيمس سكوت، ومن المؤكد أنهما نالا حضوراً واسعاً في تاريخ السينما.
عن البيان الاماراتية