باسم عبد الحميد حمودي سيرة حياة

Wednesday 14th of March 2018 06:21:18 PM ,

عراقيون ,

أوّل كتاب صدر للباحث (مؤلفاً) في الثقافة الشعبية هو (الزير سالم) عن سلسلة الموسوعة الصغيرة ببغداد عام 1989 وهو كتاب يبحث في سيرة أبي ليلى المهلهل، ويحقق نسبه وشعره ويجمع ديوانه، لكن اهتمام باسم عبد الحميد حمودي بالتراث الشعبي قد بدأ قبل هذا منذ زمن مبكّر، إذ كتب مقالة وأخرى عام 1956 عن التراث الموسيقي العراقي في جريدة (المجتمع) البغدادية.

أيامها خاض الباحث معركة غير متكافئة ضدّ عشاق المقام العراقي إذ كتب (متعجلاً) عن سوء ألحانه وعن بعدها عن الذوق العام ورغبات الشباب العصري.
وكان هذا الكلام كلام مراهقة ثقافية تصدّى للرد عليها نخبة من الكتّاب، بينهم حسين حاتم الكرخي وخطاب العبيدي وغازي عبد الحميد الكنيني وسواهم.. هنا أدرك ذلك (الشاب) مبكراً، أنه يخوض معركة خاسرة ضد الأصالة وعلم الموسيقى، فانصرف إلى القصة والنقد، لكنه لم يغفل التفكير في التراث الشعبي العراقي، فنشر في مايس/ أيار 1957، مقالة مهمة في مجلة (الأديب) البيروتية تحت عنوان (الأدب الشعبي العراقي) تناول فيها معظم الفنون القولية الشعبية، ومنها تجربة الشعر الحسيني والمسرح الملحمي الشعبي الناتج عن (التشابيه)، وكان أن حصل الموضوع على ردود ونقاشات كان في مقدّمة من أسهم فيها أحمد فياض المفرجي وغازي الكنيني.
لم يكن في العراق أيامها (مجلة تعنى بالأدب الشعبي عمارةً وموسيقىً وأدباً وأزياءً وأساطيرَ وأمثالاً، وعندما ظهرت مجلة (التراث الشعبي) في أيلول عام 1963 كانت نتيجة لحاجة الباحثين الذين أسهموا في تمويل اصدارها بعيداً عن سلطة الدولة حتى يستطيعوا نشر بحوثهم وتجاربهم وتجارب سواهم في هذا المضمار الحيوي من البحوث الإنسانية.
وكانت الدراسات والمقالات التي نشرت قبل ضمور هذه المجلة الرائدة في العراق تنشر في جرائد يومية تهتم بالفولكلور اهتماماً بالأدب العام مثل (البلد) و(الأيام) لصاحبها عبد القادر البر، و(الحضارة، محمد حسن الصوري و(البلاد) روفائيل بطي وسواهن قليل.
قبل ذلك كانت تجربة مجلة (لغة العرب) للكرملي قد ساهمت إلى حدّ بعيد في نشر الوعي بالفولكلور وأصناف علم التراث الشعبي.
وفي ما يخص الباحث باسم حمودي، فقد أخذته تجارب القصة والنقد عن الفولكلور مدة طويلة، ولكنه كان دائم الاطلاع عن ما ينتج من بحوث حتى بدأت الأمانة تتكرر في مجلة (التراث الشعبي) الحديثة الصدور وبتشجيع من الرائد الراحل لطفي الخوري رئيس التحرير والشاعر سعدي يوسف سكرتير التحرير في الثمانينيات، فنشر حكاية (حورية الجنة) مع تحليل ضاف لمحتواها ونشر دراسة عن (أسطورة أورست). ودراسة عن (السواتي في عشائر الدغارة) بين الأعوام 73 – 1980 وثالثة ورابعة حتى دخل المجلة رئيساً لتحريرها منتصف عام 1985 وظل يعمل فيها بانتظام حتى مطلع عام 2003 كانت حياة الباحث تمتلك خصوبتها من تنوع أماكن العيش والعمل في العراق، إذ لم تكن حياة رتيبة منكفئة عن ذاتها وعلى مكتبتها وأوراقها.
ولد الباحث في 30 مايس/ أيار 1937 في بيت الحاج سعودي في محلة الست نفيسة ببغداد، وقد انتقل في صحبة الوالد إلى مدينة الناصرية، حيث اختار الوالدان أن يعملا فيها في سلك التعليم، وكان ذلك عام 1938 وقد تركت والدته السيدة نعيمة عبد الرزاق، مهنة التعليم مبكراً عام 1940 لاضطرارها إلى رعاية أولادها، فيما كانت تجربة الوالد في حقل التعليم مستمرة دامت حوالي أربعين عاماً، انتقل فيها لمدارس متعددة في الناصرية والشامية والسماوة (حيث دخل الباحث وهو ابنه الأكبر الابتدائية عام 1944) وابو صخير حتى انتقل إلى بغداد عام 1947.
كانت علاقة الباحث بالوسط والجنوب العراقي علاقة متصلة، ولا تزال لم تقف عند حدود الطفولة وزمن البراءة الأولى وضفاف دجلة في الناصرية، الفرات في الشامية والفرات الكبير في السماوة منذ اندمجت مع هذه الذكريات هناك في تلك المدن وذكريات رحلاته وجولاته المتكررة في مدن عريقة مثل الديوانية وكربلاء والرميثة وعفك والحمزة وآل بدير.
وكان عمله كمدرس في الصويرة (60-1963) ومنذ عام 1965 في الدغارة حتى عام 1973 سبباً في زيادة ارتباطه بهذه المدن التي ارتبط بها عاطفياً واجتماعياً وكانت بعض مقالاته ودراساته في (التراث الشعبي) ناتجة عن هذه العلاقة مثل (السواني في عشائر الدغارة) و(حمد آل حمود) و(المجتمع الريفي شخصيات ومدن) و(الحيوان في المثل الشعبي) وغيرها كثير. كان ارتباطه بالنجف الأشرف قد بدأ منذ الطفولة، منذ عام 1946 عندما كانت العائلة تسكن (ابو صخير) والوالد مديراً لمدرستها الابتدائية، حيث تتم رحلة الخميس أسبوعياً إلى النجف، حيث تزور العائلة الإمام، وتقضي وقتها المتبقي في أسواق النجف أو في زيارة إحدى الدور النجفية. فقد كان معظم معلمي أبي صخير من النجف ذاتها، وتكرّرت تلك الزيارات للنجف في رحلة الخميس التي تأخذ بعض عوائل الدغارة (حيث سكن مدرساً ومديراً لثانويتها) إلى النجف الأشرف للزيارة ثم العودة ليلاً بعد زيارة قد تتم الى مدينة القاسم، حيث مرقد الإمام القاسم بن الإمام الحسن بن علي (ع).
هذه الذكريات اخترت منها مأخذاً مؤثراً في عمله التوثيقي ودراساته عن المجتمع العراقي. فهو لم يعش في بغداد وحدها، حيث ولد، بل في المدن الأخرى، حيث عاش صبياً ومدرساً لسنوات طويلة، وكانت زياراته المتكررة لمساجد أبي حنيفة النعمان والسيد الكيلاني والشيخ معروف، تستكمل ذلك الجانب الروحي المطلّ على عالم السعادة الأبدية.
عند العودة إلى تجربة الباحث في حقل التراث الشعبي، نجد أن كتابه (سحر الحقيقة) الذي نشر عام 2000 قد حوى معظم دراساته المنشورة حتى تاريخ نشر الكتاب في (التراث الشعبي) عدا ما صدر في كتب ودراسات والتي منها كتابه (تغريبة الخفاجي عامر العراقي) الذي صدر عن دار الشؤون الثقافية عام 1989 وأعيد طبعه في القاهرة عام 2000 وصدر عن هيئته قصور الثقافة هناك في سلسلة مكتبة الدراسات الشعبية بمقدمة جميلة للأستاذ علي أبو شادي، والغريب أنه لم يحصل من هذه الطبعة إلاّ على نسخة وحيدة جلبها له الروائي أحمد خلف.
من كتبه الأخرى (القضاء العرفي عند العرب) الذي صدر عن دار (المدى) بدمشق عام 2009 وأعيد طبعه ضمن سلسلة (الكتاب للجميع) من قبل صحيفة (السفير) البيروتية عام 2010 ضمن هذه السلسلة التي توزّع مجاناً من قبل صحف متعددة هي (السفير) في لبنان و(المدى) و(الاتحاد) في العراق و(البيان) في الإمارات و(القاهرة) في مصر و(القبس) في الكويت. ومازالت هذه الطبعات تثرى لهذا الكتاب الذي أنجز من قبل الباحث خلال سنوات من الصبر والتجوال والبحث وهو يستحق هذا الاهتمام والانتشار.
من كتبه الأخرى التي جمعت بين حقلين من حقول عمله كتاب (التراث الشعبي والرواية العربية الحديثة) الذي صدر عن سلسلة (الموسوعة الصغيرة) عام 1998 ونال عنه جائرة الإبداع في النقد الأدبي في نفس العام، لتتبعه الآثار الفولكلورية في مئة رواية عربية، مستخلصاً القول، إن البنية الروائية في العالم العربي بنية تراثية شعبية في حدّها الأولي وبنية دراسية تتعايش مع مجتمعها المشحون بتقاليد الحيّ الشعبية الموروثة وعاداتها وممارساتها اليومية وأحلامها وطقوسها في حدّها الأقصى برغم محاولاتها التحديثية الدائمة للخروج من أسر الفكر الجميل والثورة عليه.
ولم يقتصر نشاط الباحث على الكتب المؤلفة، بل قام ضمن سلسلة (كتاب التراث الشعبي) بإعداد وتحرير ونشر عدد من الكتب المهمّة منها (عادات وتقاليد الحياة الشعبية العراقية) عام 1986 وكتاب (أبحاث في التراث الشعبي) عام 1987 وهي دراسات لمجموعة باحثين أسهموا في ندوة التراث الشعبي السنوية في بغداد، ثم أصدر الباحث كتابه عن (شارع الرشيد) الذي جمع فيه معظم بحوث الكتّاب الموثوقين عن هذا الشارع العتيد والتي سبق وأن نشر معظمها في عدد التراث الشعبي الخاص بالشارع عام 1988 وهذا الكتاب مازال مرحباً حيوياً عن هذا الشارع العتيد، وقد قررت وزارة الثقافة إعادة طبعه وترجمته إلى عدّة لغات بمناسبة بغداد عاصمة الثقافة العربية.
وقد ظل نشاط الباحث واسعاً في هذا الحفل الحيوي من حقول البحث الإنسانية، إذ نشر عدداً من دراساته في مجلات عربية أخرى تهتم بهذا الحقل مثل مجلة (البحرين) الثقافية ومجلة (الفنون الشعبية) القاهرية ومجلة (الحداثة) البيروتية التي أصبح عضواً للهيئة الاستشارية فيها ومجلة (الرافد) الإماراتية وغيرها.
حاز الكاتب على ميدالية التراث الشعبي من لبنان وجامعة المنصورة وتكريم وزارة الثقافة الأردنية عام 1990، حيث قام بتحكيم جائزة الدولة الأردنية في حقل التراث الشعبي، وانتخب لبعض الوقت أميناً عاماً لرابطة التراث الشعبي للكتّاب العرب قبل أن يسدل عليها الستار نتيجة للحرب على الكويت، وما زال باسم عبد الحميد حمودي كاتباً مُنتجاً من كتاب هذا الباب الواسع من الدراسات الإنسانية.