لا تزال تحمل قضايا الحرية والمساواة والعدل بين أولوياتها..نوال السعداوي: الأنثى هي الأصل!

Tuesday 24th of April 2018 05:54:57 PM ,

منارات ,

إبرهيم فرغلي
لا أذكر أيّهما قادني إلى الآخر،"الأنثى هي الأصل"، أم"المرأة والجنس"، وهما الكتابان الأساسيان من بين كتب الدكتورة نوال السعداوي، اللذبن شاركا في توجيه أجيال عدّة في مصر في اتجاه فهم قضية حرية المرأة وفق أسس ثورية ومختلفة. لكني أذكر جيداً أني قرأتهما متتابعين وعمري سبعة عشر عاماً. أظنهما الكتابين اللذين ساهما في تشكيل رؤيتي لقضية المساواة في المجتمع من منظور مختلف،

وفي تغيير الكثير من سلوكياتي وأفكاري الذكورية المتوارثة في مجتمع يقدّم فكرة القوامة باعتبارها مسألة بديهية تماماً، مسيّجة بهالة القداسة الدينية، ومحمية بتراث اجتماعي رهيب من احتقار المرأة والآخر.

أزعم أن اهتمامي الكبير بالجنس في الكتابة الأدبية، ومحاولات تقمص الصوت الأنثوي في العديد من نصوصي، واقتراح كتابة نص أدبي بنبرة محايدة، إنسانية؛ لا ذكورية ولا أنثوية، تعود أصوله الأولى إلى الأفكار التي تعرفت إليها من خلال نوال السعداوي. بدأت تلك الأفكار مما أصبح اليوم بديهياً عن مفهوم"العفة"، الذكوري، والازدواجية المقززة لمجتمع صنّم فكرة شرف المرأة في غشاء البكارة، وتسبب في ممارسات إجرامية عديدة في حق المرأة، وقهرها جنسياً واجتماعياً، فيما الأبواب السريّة لكل مظاهر اللا عدالة والكذب والدعارة الفكرية والأخلاقية مشرعة على اتساعها.
بعدما رسخت وجودها الفكري في المجتمع، أصبحت بعض آرائها تبدو كأنها تبتغي الإثارة وتحمل طابعاً دعائياً، تأخذ أشكالاً من التطرف لا يتناسب حتى مع حركات النسوية الجديدة التي لا ترى في المساواة إلغاءً لأنوثة المرأة وهويتها الجنسية، ولا ترى أن الجمال والموازنة بين المظهر والعقلانية إثم في حق المساواة. أي أنها تعيد التأمل في الكثير من الأفكار النسوية التقليدية من حيث تأكيد الاعتبارات الجسدية الخاصة بكل من الرجل والمرأة، كما تمنح التكوين الطبيعي للمرأة من حيث قدرتها على احتواء روح أخرى (الأبناء) أهمية تقدير اعتبارات عاطفية تميّزها عن الرجل من حيث فطرية الاهتمام بالآخر وغير ذلك من أفكار أعادت إلى المرأة لمستها الأنثوية المسلوبة من أفكار النسوية التقليدية.
يمكن القول من حيث الجوهر، إنه لا يمكن أن نرى في الأنثوية أو أفكار النسوية الجديدة الا اتفاقاً رئيساً مع جوهر مطالب النسوية التقليدية تصب في خانة دعم العديد من المطالب التي لا تخص المرأة العربية فقط، بل تمتد إلى المرأة في الغرب أيضاً؛ مثل قضايا الحقوق الإنجابية، التي تتضمن من دون أن يحدها ذلك، الحق في اختيار إجهاض آمن وقانوني، منع الحمل، ونوعية الرعاية الصحية المتوفرة للأمهات، وقضايا العنف في العلاقات الأسرية، وإسقاط الحمل، والتحرش الجنسي، والتحرش في الشوارع، والاغتصاب، والتمييز، وعدم المساواة في الأجور. هناك العديد من القضايا الخلافية التي تنتج من تطور الفكر النسوي، مع ظهور تيارات جديدة مثل الأنثوية التي تمنح الحرية الجنسية الكاملة للأنثى، وهو ما تعارضه تيارات نسوية أخرى.
تظل الكثير من أفكار نوال السعداوي ذات أهمية كبيرة تتحقق من حيث كونها محاولة تثوير فكري للمجتمع، في اتجاه العقلانية، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية بشكل عام.
تقول السعداوي:"ليست المشكلة عجز العقل البشري، بل النظم الحاكمة الظالمة بقوة الأموال والإعلام والدين والسلاح، واستخدام اللعب السياسية والكلمات المراوغة لإخفاء الظلم والتفرقة"، وتتساءل حول مظاهر اللاعقلانية في المجتمع:"هل توقفت عقولنا عن التطور حتى يسيطر علينا اللا معقول؟ كيف لأستاذ جامعي أن يعلّق في عنقه خرزة زرقاء تقيه الحسد؟ كيف لأستاذة جامعية متخصصة بالنانو تكنولوجيا أن تغطي رأسها لأنه عورة؟"، وتتساءل عن غياب العدل الاجتماعي بشكله الفاجر في مصر قائلة:"كيف يعيش واحد في المئة من المصريين في القصور و95 في المئة في القبور؟".
تظل أفكارها الأساسية التي طرحتها في مطلع السبعينات وتناولتها في أكثر من كتاب، هي ما تناضل من أجله حتى اليوم، وهو ما عبرت عنه في"المرأة والجنس"مثلاً، بقولها:"المقاييس الأخلاقية الي يضعها المجتمع لا بد أن تسري على جميع أفراده بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو الطبقة الاجتماعية. والمجتمع الذي يؤمن بالعفّة في الجنس كقيمة خلقية، لا بد أن ييسر أن تسري هذه القيمة على جميع أفراد المجتمع، أما أن تسري على جنس دون الجنس الآخر، أو على طبقة دون الأخرى فهذا يدل على أن هذه العفة ليست قيمة أخلاقية وإنما قانون فرضه النظام الاجتماعي القائم. وقد رأينا في المجتمعات الرأسمالية كيف كان الحكّام الرأسماليون يفرضون على العمال والأُجراء قيماً أخلاقية معينة تضمن زهدهم في الحياة، وقناعتهم بأجورهم الضئيلة، وخضوعهم للقوانين الرأسمالية الجائرة، وتطوعهم في الجندية للدفاع عن مصالح هؤلاء الحكّام وأطماعهم الاستعمارية. هذا في الوقت الذي يستمتع فيه الحكّام الرأسماليون بقيم الجشع والنهم والربح المتزايد، والإفراط في كل المتع التي حرموها على الطبقات الكادحة. واذا كان الرجال هم السادة في المجتمع فقد دعوا النساء الى التزام قيم الشرف والعفة ليضمنوا خضوعهن على حين ينطلق الرجال مبيحين لأنفسهم الاستمتاع بكل ما حرّموه على المرأة".
لا تزال لمساهمات السعداوي الفكرية اليوم، في مرحلة ما بعد الثورات والانتفاضات العربية أهمية كبيرة، لأنها تؤدي دوراً أساساً ينطلق من يقينها أن الثورة الحقيقية ثورة عقلية، وأن المستقبل هو الذي سيفجر هذه الثورة بعدما بدأت الثورة الاجتماعية والسياسية.
يحسب لنوال السعداوي خوضها المستمر للمعارك المختلفة ضد التخلف والرجعية والأفكار الظلامية، وهذا ما عرّضها للعديد من المتاعب ومحاولات النيل منها، على أيدي خصوم حرية الفكر، الذين كفّروها أكثر من مرة، كما أقاموا دعوى لتطليقها من زوجها، إضافة إلى الحملات المنظمة لتشويهها وتشويه أفكارها باجتزاءات مُخلّة، انتزعت من غير سياقها، من مقابلات تلفزيونية في برامج حوارية مختلفة، وبعض المقالات. فمثل هؤلاء لا يمكن أن يكونوا قد قرأوا لها كتاباً، لا لها أو لغيرها.
هي بذلك تضرب مثلاً مهماً يوضّح كيف أن مجتمعاتنا العربية الذكورية التي لا يزال التخلف سمة أساسية يجول في ربوعها بلا رادع، لا تكتفي بمحاولات قهر المرأة جنسياً واقتصادياً واجتماعياً وعاطفياً، بل ترهّبها فكرياً إذا حاولت أن تناصر الأفكار المناهضة لقمع المرأة.
تعرضت نوال السعداوي للسجن في أيلول 1981، في أواخر فترة حكم الرئيس السادات، كما تعرضت للنفي بسبب إرهاب معارضي آرائها ومؤلفاتها، ورفع بعض الأشخاص المحسوبين على التيارات الإرهابية قضايا ضدها للتفريق بينها وبين زوجها، وتم توجيه تهمة"ازدراء الأديان"لها، كما وضع اسمها على ما وصفت بـ"قائمة الموت للجماعات الإسلامية"حيث هُددت بالقتل. رفضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في مصر في 12 أيار 2008 إسقاط الجنسية المصرية عن السعداوي، في دعوى رفعها ضدها أحد المحامين بسبب آرائها المدافعة عن حقوق المرأة.
عن الاهرام