الكاتبة العراقية ابتسام عبد الله: العمل الصحفي يُنمّي التجربة الأدبيّة

Wednesday 1st of August 2018 08:10:16 PM ,

عراقيون ,

عيسى الصباغ
المرأة نصف المجتمع، لايمكن التغاضي عن هذه الحقيقة، وإذا أريد لمجتمع ما أن ينهض أبناؤه ويترقى في سلم الحضارة فما عليه إلا أن يستنهض نصفه الآخر لقد دخلت المرأة في مجالات العمل كافة، اثبتت ذاتها وعزّزت كيانها. وفي العراق نساء حزن على الصدارة، وتربعن في مواقع مؤثرة من مسيرة التطور واستطعن أن يضعن أسماءهن في الواجهة، فمنهن الطبيبة المتميزة والمحامية التي يحسب لها ألف حساب في قاعة المرافعات، والمهندسة في ميادين العمل والممارسة الصعبة، وكذلك الصحفية والأديبة في شتى اهتماماتها الكتابية.

الروائية والكاتبة الصحفية ابتسام عبدالله واحدة من نساء هذا البلد، خاضت مشوارها بتفانٍ وشقت طريقها لتثبت أن المرأة لا تقل جدارة أو كفاءة عن أخيها الرجل وحققت لاسمها انتشاراً واسعاً بين القراء ومتابعي الصحافة. أكثر من ثلاثين سنة وهي تواصل عملها في الصحافة بثبات، وقد ارتأينا أن نجري معها هذا الحوار لنطّلع على تجربتها الصحفية ونلقي الضوء على جوانب من شخصيتها وأحلامها وطموحاتها.
* أجرت احدى الصحف الأسبوعية استفتاء حول أبرز صحفيات القرن الماضي في العراق، وقد تم اختيارك ضمن أبرز عشر صحفيات عراقيات. ماذا تمثل لك التجربة الصحفية؟
ـ إن تجربتي عريقة وطويلة بدأت منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ولم أزل أخوض غمارها. بدأت العمل الصحفي في مجلة (ألف باء) بصفة مترجمة ثم محررة وانتقلت بعدئذ إلى جريدة الجمهورية، وهناك ارتبطت بعلاقة حميمة مع عملي في الصحيفة واستمرت تلك العلاقة قرابة (22) عاماً أي منذ 1972 وإلى 1994 مترجمة ومحررة ثم رئيسة في قسم الترجمة وسكرتيرة تحرير فيما بعد. لقد كان العمل في تلك السنوات ـ في صحيفة الجمهورية ـ ممتعاً وتعمقت لديّ روابط الزمالة والصداقة بالعديد من الصحفيين والصحفيات وقد تجلّت بأفضل أشكالها آنذاك، حيث كنا مجموعة متجانسة نحب عملنا ونبذل كل ما في وسعنا لبلورة جهدنا ونشاطنا وأفكارنا من أجل المحافظة على مستوى الصحيفة في تلك الأعوام وقد ازدهرت حقاً، وكانت تصدر أسبوعياً ملاحق متعددة في الرياضة والعلوم وملحق خاص بالأطفال. اعتقد أن مجموع تجاربنا كصحفيين في السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم يمكن اعتبارها مدرسة تعلم فيها من وفد إلى الصحافة من الشباب والأجيال الأخرى.
* وكيف تقيّمين تجربتك الصحفية كأمرأة؟
ـ كأمرأة صحفية لا أفصل تجربتي عن تجارب العديد من الصحفيين الرجال. أذكر انني بقيت ولأكثر من خمس عشرة سنة مستمرة على الدوام يومياً حتى في أيام العطل والأعياد لأن الصحيفة كانت تصدر يومياً. وخلال عملي في نقابة الصحفيين كعضوة في مجلس النقابة لأربع دورات متعاقبة تعمقت تجربتي واغتنت بالعديد من المشاهدات والزيارات. فقد كنت أزور جبهات القتال في الثمانينيات كجزء من مهمتي النقابية والصحفية. في الحقيقة كانت تجربتي حلوة ومثمرة.
* شيء طبيعي أن تكون مسؤولية المرأة العاملة مضاعفة ولاسيما إذا كانت صحفية ذلك أنها تشكّل مسؤولية أكبر لأن الصحافة كما هو معروف مهنة المتاعب وتحتاج إلى تفرغ، وبناءً على ذلك هل شكّل العمل الصحفي ومهمات البيت عبئاً مضاعفاً عليك؟
ـ نعم إن للمرأة معاناتها الخاصة فهي إلى جانب عملها اليومي بصفتها مسؤولة عن تدبير شئون منزلها وأطفالها وزوجها فهي تعمل على إثبات وجودها في العمل أيضاً، الأمر الذي يدفعها أحياناً إلى التشتت كونها موزّعة بين عملين ومسؤوليتين متغايرتين، علماً أن العمل الصحفي بحاجة إلى تفرغ تام، ولكن بقليل من الجهد والمثابرة والتصميم، بإمكان المرأة تجاوز العقبات لتحقيق النجاح في عملها وبيتها معاً. واعتقد أن المرأة الناجحة والمتفوقة هي التي تستطيع أن توفّق بين عملها المهني وشؤونها المنزلية، لاسيما وقد وهبها الله من القدرة والاستطاعة ما تستطيع بهما التوفيق بين ذلك.
* قدمت برنامج (سيرة وذكريات) عبر شاشة تلفزيون العراق وقد حقّق ذلك البرنامج صدىً طيباً وترك انطباعات حسنة بين المشاهدين؟ هلا حدثتنا عن هذه التجربة؟ وهل تفكرين بإعادتها خاصة وأن خبراتك قد نضجت وازدادت اتساعاً؟
ـ قدمت في مسيرتي عدداً من البرامج التلفزيونية ـ إعداداً وتقديماً ـ مثل (مجلة المرأة) وبرنامج (حوار وشخصيات) ثم توجتها ببرنامج (سيرة وذكريات). البرنامج الأول ارتبط باسمي أعواماً طويلة ثم فيما بعد حل بدلاً منه برنامج (سيرة وذكريات) وقد واصلت تقديم هذا البرنامج لمدة سبعة أعوام وضيّفت فيه عشرات الأسماء والشخصيات البارزة والمهمة في مختلف ميادين العمل. لقد أحب الناس هذا البرنامج مع أنه كان جاداً ويستغرق ساعة تقريباً وقد حاولت فيه توثيق سيرة وذكريات أولئك الذين قدّموا خدمات جليلة ورفدوا المجتمع بخلاصة جهدهم ومثابرتهم وعصارة أفكارهم، لكنني لا أعتقد أني سأعود يوماً إلى تقديم البرامج والأمر لا يتعلق بالملل، فأنا أحببت ذلك العمل لاتسامه بالحيوية والديناميكية، ولكن وكما اتصور، فإن العمر مراحل ينتقل فيه المرء من مرحلة إلى أخرى وكل مرحلة لها متطلباتها ورؤيتها وأحلامها ومن يدري كيف سيكون الغد؟
* تجربتك كرئيسة تحرير لمجلة (الثقافة الأجنبية) تلقي عليك مسؤولية أخرى. كيف تتفهمين هذه المسؤولية؟ وما هي مشاريعك فيها وهل هناك رغبة في تطوير العمل بها وإضفاء لمسة خاصة بك عليها؟
ـ مجلة الثقافة الأجنبية من المجلات الجيدة والتي لها قرّاء يتابعونها. أرغب حقاً في أن أحافظ على مستواها بل أريد العودة بها إلى أعوام سابقة عندما كانت مزدهرة قبل الحصار، حيث كانت تقدم كل ما هو جديد من دراسات وبحوث ومقالات مترجمة. الحصار وكما تعلم كان له تأثير فاجع على الواقع الثقافي وقد تأثرت مجلتنا بهذا الواقع وذلك بسبب عدم وصول المجلات والدوريات الأجنبية إلينا.. اننا في عملنا نعتمد على المواد المترجمة لذلك أحاول جهد الإمكان أن أحصل على مجلات أجنبية جديدة كي نقدمها إلى القرّاء مترجمة لإغناء ثقافته بفتح منافذ على الثقافة العالمية.
* ما هي نظرتك إلى المرأة المبدعة؟
ـ المرأة إن كانت مبدعة حقاً، فينبغي أن تكون متحمسة لعملها وأن تتمتع بإرادة قوية، بحيث لا تهتم بالعراقيل التي تصادفها في طريقها وبحيث تجتاز جميع الحواجز التي ترتفع بينها وبين تقدمها ووصولها، فإذا كانت كما وصفت، فإنها تستطيع أن تترك لمساتها في المجال الذي تعمل فيه سواء كان ذلك في الأدب أو الصحافة أو التمثيل أو الرسم أو أي مجال آخر، المهم أن تكون تلك اللمسات واضحة لا تزول عند أول هبوب للريح.. هذا الأمر يتطلب منا ضرورة التواصل عاماً بعد عام، فالتجربة لا تنضج عبر عمل واحد حتى إن كان ناضجاً بل يجب أن تستمر وتتواصل كي تأتي ثمارها ناضجة وكثيفة وعند ذاك يمكن تسميتها ـ حقاً ـ تجربة.
* بصفتك أديبة ما هي أهم إنجازاتك؟
ـ لقد كتبت وطبعت عدداً من الروايات والمجموعات القصصية، فضلاً عن الترجمات، فقد أصدرت رواية (فجر نهار وحشي) و(ممر إلى الليل) و(مطر أسود.. مطر أحمر) ولدي مجموعة قصصية صدرت عام 1999 بعنوان (بخور) ولدي أيضاً كتاب (بستان الهمسات) بالاشتراك مع المصور الفرنسي بان لام دوك، صدر في عام 1999 أيضاً. أما في الترجمة فقد ترجمت (يوميات المقاومة في اليونان) وصدر في بيروت وترجمت أيضاً (مذكرات أنجيلا ديفز) و(في انتظار البرابرة) ومن المؤمل صدور الأخير في القاهرة عما قريب.
* وأين تجدين نفسك في العمل الصحفي أم في الكتابة الروائية والقصصية؟
ـ العمل الصحفي مهنة، ولكنه عمل لذيذ وممتع وهو في الوقت نفسه يعد ميداناً حيوياً للتجربة واكتساب الخبرات، فإننا في مهنتنا هذه نتواصل مع الكتابة يومياً بل كل ساعة مما يزيد في قدراتنا الكتابية وينمّي أساليبنا ويجعلنا وجهاً لوجه أمام تجربة الكتابة، أما الكتابة الروائية والقصصية فإنها تعبير حقيقي عما يجول في أعماقي من مشاعر وأحساسيس وانطباعات، فأنا في الحقيقة أجد نفسي في الكتابة الروائية والقصصية أكثر مما أجدها في العمل الصحفي، ذلك لأنها الميدان الحقيقي للتعبير عن أفكاري وتجسيد تجاربي الحقيقية عبر صور ومشاهد فنية مبدعة ثم أن سمة الخلود غالباً ما تكون في حيازة العمل الروائي، أما الكتابة الصحفية فتتسم بالعرضية وعدم البقاء لأنها استهلاك يومي. في حين أن الترجمة تشكّل لدي ساحة لإغناء ثقافتي والاطلاع على تجارب الشعوب الأخرى لغرض تطوير قابلياتي.