(حبل) إسماعيل فهد إسماعيل الذي انقطع

Wednesday 10th of October 2018 07:52:31 PM ,

عراقيون ,

علي حسين
برز عام 1970 مع روايته الأولى"كانت السماء زرقاء"التي حُوّل فيها عشقه للسينما إلى رواية على الورق، فقد كان يطمح أن يصبح مخرجاً سينمائياً، ولأن الظروف التي عاشها لم تساعده في تحقيق أمنيته، وجد في كتابة الرواية تعويضاً، فكتب حكايات أشبه بالفيلم السينمائي، حيث يجد القارئ نفسه وخصوصاً في رباعيته (كانت السماء زرقاء، المستنقعات الضوئية، الحبل، الضفاف الأخرى)

بمواجهة كاميرا سينمائية تتولى مهمة الراوي، وتكون دليل القارئ، تكشف له وبلقطات خاطفة وجمل قصيرة مصائر الأبطال، وهو الأمر الذي دفع اسماعيل فهد اسماعيل إلى استخدام الجملة"البرقية"في السرد واستبدال دراما الحدث السينمائي بدراما الحوار سواء الحوار مع الآخر"الدايلوج"أو الحوار مع النفس"المنلوج". حفظ مقولة أرسطو التي كتبها في"فن الشعر"من أن المتلقي قابل لأن يصدق كل ما بعد نقطة البداية.. جعل من عمله الأول أشبه بسيرة ذاتية :"العمل الأول إذا ما لامس السيرة الذاتية سيأتي حميماً، ويصل الى القارئ بسهولة".
أعاد كتابة"كانت السماء زرقاء"ثلاثة عشر مرة قبل أن يجازف ويدفعها للنشر لتصدر بمقدمة كتبها الشاعر صلاح عبد الصبور يبشر فيها بروائي جديد يملك عالماً مدهشاً ببنائه الفني، رواية جديدة هذا ما كان يسعى إليه إسماعيل فهد إسماعيل، رواية تصنع شكلها الخاص، ولغتها الخاصة، لكنها لاتبتعد عن هموم الإنسان وقضاياه اليومية :"أنا شخصياً لا اعتقد بوجود أدب من أجل الأدب فقط، العمل الروائي يجلب فائدة للإنسان بغض النظر عن الظروف، إذ أن الروائي يعطي فائدة مباشرة أو فائدة غير مباشرة".
ولد عام 1940 في قرية السبيليات، وهي إحدى قرى البصرة، لأسرة من سبعة أولاد وثلاث بنات، فقد والده البصر وهو في الرابعة من عمره، ولأن الاب يعشق الكتب فقد أصر أن يتعلم ابنه القراءة والكتابة قبل أن يبلغ الخامسة، ليقرأ له كل ليلة كليلة ودمنة، ألف ليلة وليلة سيرة الأميرة ذات الهمة، بعد ذلك تطوّرت الفكرة فراح الأب يقدم ابنه الصغير إلى معارفه وأصدقائه باعتباره حكواتي الأسرة.. قراءة ألف ليلة وليلة كانت سبباً في تمرده على سلطة الأب حيث ترك البيت وهو في العاشرة من عمره، وفي نفس الوقت كانت سبباً في أن تجعل منه راوي قرية السبيليات، حيث كان يجمع الصبية ويروي لهم ما قرأه من حكايات علي بابا، والثعلب المكار، في الرابعة عشرة من عمره جرّب كتابة القصيدة العمودية فنشر في مجلة المعلم الجديد أولى قصائده.
سحرته الوجودية، وأغرم بكتابات البير كامو :"الفترة الزمنية التي امتدت ما بين 1950- 1965 كنت أقرأ كل ما يتعلق بالوجودية والتي كرّست ضغطها على ما كتبته في بداياتي".
وإذا كان العراق يبدو فضاء روائيا في رباعية إسماعيل فهد إسماعيل الأولى، فسنجده فيما بعد يسعى لتنويع هذا الفضاء، فاذا لبيروت حصتها"رواية الشياح"واذا بمصر تنافس الكويت في"النيل الطعم والرائحة"وسيقى الهم الفلسطيني بارزاً منذ روايته الأولى ومروا بمعظم شخوص رواياته الذين شغلتهم قضية الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في استرداد أرضه، ولهذا نجده عام 2017 يستعيد شريط القضية الفلسطينية ليستوقف الزمن في رواية"على عهدة حنظلة"يستذكر فيها اغتيال رسام الكاريكاتير الشهير ناجي العلي.
في معظم رواياته يهتمّ إسماعيل فهد إسماعيل بالتفاصيل العادية الصغيرة التي توحي حياة طبيعية، ويتجنّب الهذر اللغوي في المواقف العاطفية.وسيدمن أيضاً تصدير رواياته بمقدمة قصيرة أو بملاحظة أو إشارة مثلما حدث في روايته الحبل حين أراد أن يوضح للقارئ إن الأحداث تدور عام 1962، ولأنه قارئ جيد فقد سحره فوكنر في روايته"الصخب والعنف"فقرر أن يجعل من رواياته جزءاً من غواية الرواية الحديثة :"أدركت بأني بحاجة الى أن أكتب شيئاً مختلفاً، ولهذا قمت بمحاولات اعتبرها البعض محاولات حديثة".في معظم روايات إسماعيل فهد إسماعيل سيرافقنا المثقف اليساري الذي ينتمي الى منظمة سرية، يصر أن يرسم العالم مثلما يتخيله، فها هو الكاتب اليساري المطارد في"الحبل"يقرر في لحظة يأس أن يتحول إلى لص، حيث يتحول الحبل الذي فتن به خلال طفولته الى رمز تتوقف عليه حياته، ولأن الاتهامات تحاصره"سياسي خطير، متآمر"يجده نفسه بلا عمل، فلا مفر من الهرب الى الكويت، وسيصبح بطل رواية الحبل مثل بطلي الروايتين السابقتين"كانت السماء زرقاء، المستنقعات الضوئية"نزيلاً في أحد السجون، وسيرافق القارئ في الجزء الرابع"الضفاف الأخرى"حيث نجد كريم البصري لايكتفي بمناداة الاجزاء الثلاثة السابقة من الرباعية، بل ينادي اللحظات التي يجد فيها البطل نفسه حائراً بين الهيام بافكار الوجودية والالتزام السياسي بالماركسية، وسيكون زمن الضفاف الاخرى ستة ايام حيث يدع لنا الروائي اليوم السابع مبهما، وكانه يريد من خلال البطل ان يعيد حكاية الخلق في مشاهد محزنة ومفرحة،ومع أناس يعيشون مأساتهم الذاتية يقتبسون حكايات من الكتب ويدمون الثورة على الواقع أياً كانت طبيعته
برحيل إسماعيل فهد إسماعيل سينقطع حبل روايات شكلت وجداننا وذائقتنا الفنية، وسنفتقد بغيابه واحداً من القادرين في سطورهم على اختزال وتلخيص هموم الناس وتطلعاتهم، واحداً من جيل الثقافة الوطنية، جيل لم يكن يريد أن يفلت منه شيئاً من دون أن يكون طرفاً حاضراً في ساحته مشهراً سهامه وإضافته.