بهيجة الحكيم.. نخلة عراقية

Wednesday 7th of November 2018 06:53:46 PM ,

عراقيون ,

شذى القيسي
الرائدة التشكيلية العراقية بهيجة الحكيم..رحلت وتركت أزهارها معلقة بلوحات...
غادرت بيئتها مبكراً حين تركت كربلاء وجاءت الى بغداد في خمسينيات القرن الماضي، ترافقها والدتها وهي تطارد طموحها وحماسها للدخول الى ساحة الفن من اوسع ابوابه، لكن مغادرتها زادتها اشتباكاً بتلك البيئة فظهرت في اعمالها، القباب والشبابيك والمرايا وكفوف مغرقة بالاخضر والاحمر...

انها الفنانة بهيجة الحكيم (1937كربلاء- 2008) والتي غادرتنا يوم 17/11/2008 في عمان حيث تقيم بسبب سوء حالتها الصحية...
اسمها الكامل (بهيجة نوري مهدي الحكيم) من مواليد 1937، في طفولتها كانت تتطلع بوعي وادراك الى القباب، الذهبي والازرق وقطع القماش الاخضر المعلق على شبابيك من الحلم والامل، حين تعود الى البيت تعيش دفء العائلة الكبيرة أشقاء وشقيقات، كل هذه العوالم استقرت في ذاكرتها الغضة لتتوظف في رأسها الصغير، الوان والوان كثيرة انسكبت بغنائية على القماشة البيضاء تتعشق معها المرايا...
اكملت دراستها في ثانوية الاعظمية عام (1952) , وتخرجت من كلية الملكة عالية / فرع الفن عام 1957 , قامت بتدريس الفن في عدد من مدارس كربلاء ومنها دار المعلمات والفنون البيتية وثانوية الوحدة و معهد المعلمات في بغداد الكرخ وفي ثانوية الخنساء في البصرة وذلك من عام (1957 الى عام 1981).. واصبحت مديرة لمتحف الفنانين الرواد – بغداد منذ عام (1982 الى عام 1994)... ولها العديد من المعارض الشخصية داخل وخارج العراق فضلا عن مشاركاتها المتواصلة في اغلب المعارض التي اقيمت في داخل وخارج العراق..
اكثر فنانة اشتهرت برسوم الطبيعة والورود والازهار والرياحين حيث تميزت لوحاتها بالتماثيل والتشابه وبزخرفية عالية تسمح للفضاء ان يتنفس في حدائقها الغناء، فتمحورت لوحاتها وتفردت بالالوان من تلك الازهار التي زينت مرة بالفضة ومرة اخرى بالذهب وبالوان عدة تبهج النفس قبل التمعن بها.
لها دور كبير في الفن التشكيلي العراقي المعاصر حيث وجدت العديد من الاعمال الفنية واقترحت اشكالا فردوسية كما ان لها القدرة على ان تحلم وتتامل في عالم الروح خارج حدود اللعبة الملكية فتستعين بالرسم لاجل الارتقاء بحواس المتلقي وانطلاقا من عين القلب الى الصمت ومناطق الجمال والمثال.. محاولة ان تبوح بالمستحيلات التي طالما عشقها الفنان العراقي والمهتم بمسالة تحرير اشكاله من اصنام البعد المكاني لصالح الفضاء المفتوح...
وما نتاجات الرسامة القديرة"بهيجة الحكيم"الا نصوصا للامل والحلم والحياة مع فعل الورد منطلقة من عالم النبات المتواضع بمفردة (الوردة) في رحلتها للبحث عن القيم الجمالية التي تمس جدار القلب لتحلق بذاكرة المتلقي الى مناطق الطيف المقدس مراهنة على اظهار الطيف الكامن في الاشياء (الوردة على وجه الخصوص) كونها تسجل احاسيسها بلون مشرق وبتلقائية عالية..مستوحاة بذلك ازهارها من بساتين مدينتها المقدسة (كربلاء).
والفنانة كرست كل حياتها في تصوير الورد وتحريرها لتجعلها بوابة دخول لا بوابة مغادرة فضلا عن انها دائمة التنقيب في اسرار الورد وعبيره وتكويناتها الزهرية تعد رسوم شعرية لا تتقصد انارة الذاكرة بالامل الاخضر (الوطن) فحسب بل تنتج دلالات انثوية بسياقات جمالية جديدة وتتخذ من القيم الروحية فضاءا جماليا ذي طابع حركي بعيدا عن محدودية المكان الواقعي المادي.. فتعلن ان الرسام يستطيع ان يرسم قصائد بلا صوت كما الشاعرالذي يستطيع ان يرسم الشعر بلا اشكال فعندئذ تصبح الروائح موسيقى صامته.
سعت الفنانة"بهيجة الحكيم"في اغلب نتاجاتها الفنية الاخيرة في البحث للفن بحدود عالم النبات مثلما كان جلجامش يسعى عبر الظلمات في الحصول على نبتة الخلود... فالفنانة مشغولة بتكثيف احاسيسها الداخلية الى افكار وتصورات واشكال ضمن حركة جنينية تمنح الروح للمرئي , ومتاثرة بنتاجات الفنون الاسلامية من تزويقات ونقوس في الفنون الزخرفية والفنون المعمارية الى جانب مايحويه الادب والشعر من موروث ثقافي وحضاري وفلكلوري كما في قصص الف ليلة وليلة فان السرور والاحلام والسرور قد ترجمتها الفنانة الى لغات بصرية تؤسس عالم جديد من الاشكال مؤكدة بذلك على ان الرسام يجب ان يطلب في الرسم الايماء اكثر من الوصف كما في الموسيقى.