في العهد العثماني الاخير .. مدارس الاليانس الاهلية في مدينة الحلة

Sunday 27th of January 2019 07:12:15 PM ,

ذاكرة عراقية ,

علي كامل السرحان
اضطلعت جمعية الاتحاد الإسرائيلي في باريس و(الجمعية اليهودية في لندن) و(اللجنة اليهودية في بغداد) بمهمة تأسيس مدارس الاتحاد الإسرائيلي (الأليانس) وإدارتها والإشراف عليها، وقد اعتمدت مدارس الاتحاد في مناهجها الدراسية أول الأمر على المناهج الحديثة للمدارس الابتدائية الأوربية. وفي سنة 1864 أتخذ التعليم الخاص بيهود العراق منعطفاً جديداً تمثل بقيام (جمعية الاتحاد الإسرائيلي) المسماة بـ (الاليانس) بفتح مدارس حديثة في ولايات ومدن العراق ومنها مدينة الحلة

كانت اللغة الفرنسية هي لغة التدريس الأساسية في مدارس الاتحاد في بادئ الأمر، ومن ثم أدخلت تدريس اللغات العربية والعبرية والتركية والانكليزية إلى مناهجها، إلى جانب مواد دراسية أخرى كالنحو والصرف والإنشاء والجغرافية والتاريخ والحساب وعلم الفيزياء والكيمياء.
وضمت هيئة التدريس في مدارس الاتحاد الإسرائيلي (الاليانس) عدداً من المدرسين الفرنسيين والانكليز الذين كانوا يقومون بتدريس اللغتين الفرنسية والانكليزية والعلوم الحديثة لطلبة مدارس الاتحاد، واستعانت جمعية الاتحاد الإسرائيلي بأبناء البلاد من الأقلية اليهودية في تدريس اللغتين العربية والعبرية والفرنسية في بعض الأحيان، فضلاً عن استعانتها بأبناء البلاد من المسلمين في تدريس المواد الاجتماعية من تاريخ وجغرافية واللغة العربية، على أن أدارة المدرسة كانت تناط بصورة مستمرة بأحد الفرنسيين الذي كان يعين من قبل المركز العام لجمعية الاتحاد الإسرائيلي في باريس.
وفي أطار الخطة التي أعدتها جمعية الاتحاد الإسرائيلي في عملية إنشاء المدارس في العراق، فقد أخذت على عاتقها دفع جميع مصاريف التأسيس، ومن ثم اتخاذ التدابير اللازمة لإشراك أبناء الأقلية اليهودية المحلية بتلك المصاريف والنفقات بصورة تدريجية.ولم تكن الدراسة مجانية في مدارس الاتحاد، إلا أن الطلاب الذين لا يتمكنون من دفع أجور الدراسة كانوا يعفون منها لمدة معينة، في حين يأخذ من الطلبة الآخرين من ذوات الدخل المرتفع (الأغنياء) ضعف الأجر المعتاد.
وقد أنشأت جمعية الاتحاد الإسرائيلي وفق خطتها مجموعة من المدارس في بعض المدن العراقية الكبرى والرئيسية مثل بغداد والموصل والبصرة والحلة وغيرها من المدن العراقية الأخرى، ففي مدينة الحلة أسست جمعية الاتحاد الإسرائيلي مدرستها الابتدائية الحديثة سنة 1907، وتم فتح المدرسة عن طريق الدكتور (ويغرام A.WIGRAM) احد أعضاء البعثة التبشيرية التي أرسلها رئيس أساقفة (كنتر بيري) في لندن إلى الأشوريين في العراق حيث ضمت البعثة خمسة قساوسة، وقد نصح (ويغرام) جمعية الاتحاد الإسرائيلي بتأسيس مدرسة لها في مدينة الحلة لما تحمله المدينة من تسامح ديني، وكان أول مدير لها مسيو (نهامه)، وقد بلغ عدد طلابها سنة 1910 (175) طالباً، وقد أنخرط للدراسة فيها الكثير من أبناء الأقلية اليهودية، والبعض من أبناء الحلة المسلمين.
وكانت تدير تلك المدرسة الحديثة في مدينة الحلة نخبة مثقفة من أبناء الأقلية اليهودية، ومن طلابها الذين سطع نجمهم على الساحة الثقافية في العراق (أحمد نسيم سوسة وأنور شاؤول)، وكان يطلق على المدرسة أسم (الاسكول)، وأشهر مدرائها (نسيم ملول) وهو احد ابرز أقطاب الحركة الصهيونية العالمية، أحضرته جمعية الاتحاد الإسرائيلي من القدس إلى الحلة لتنشيط الحركة الصهيونية في المدينة سنة 1927، ولكن أقيل بعد سنة ونصف من ذلك لفشله في استقطاب اكبر عدد ممكن من يهود الحلة إلى الحركة الصهيونية. وقامت جمعية الاتحاد الإسرائيلي بتأسيس مدرسة ابتدائية لتعليم الفتيات في مدينة الحلة سنة 1911، وقد انتظمت بها الكثير من بنات الأقلية اليهودية.
عند اندلاع نيران الحرب العالمية الأولى أختل الدوام في جميع المدارس الرسمية والأهلية، وعند الاحتلال البريطاني للعراق أغلقت جميع المدارس الرسمية ومدارس جمعية الاتحاد الإسرائيلي (الاليانس) في مدينة الحلة، واستمر الإغلاق حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى سنة 1918، وبعد ذلك تم تأسيس لجنة من كبار الشخصيات اليهودية للإشراف على إدارة مدارس الاتحاد من جديد.وفي أعقاب الانتداب البريطاني على العراق تألفت لجنة للمدارس التابعة للأقلية اليهودية، مهمتها الإشراف على مدارس الأقلية، وقد تطورت بعد ذلك صلاحيات وواجبات لجنة المدارس بحيث أخذت على عاتقها أدارة مدارس الأقلية، ولذلك تحول أسمها من لجنة (مشارفة المدارس الإسرائيلية) إلى (لجنة المدارس الإسرائيلية) بعد إعلان الانتداب على العراق سنة 1920.
كان المعلمون اليهود في مدرسة (الاسكول) في لواء الحلة يقدمون خدماتهم لسلطات الانتداب البريطاني، من خلال تعليم بعض رجالهم اللغة العربية من اجل تسهيل مهمة رجال سلطة الانتداب البريطاني في كيفية التعامل مع أبناء الشعب العراقي، وقد كتب لنا بهذا الصدد (سند رسن باشا) في مذكراته بأنه تعلم وأتقن اللغة العربية على يد معلم يهودي من أهل الحلة، وبفضل ذلك المعلم اليهودي أجتاز (سندرسن باشا) أختبار في اللغة العربية الذي أجرته سلطات الانتداب البريطاني، وحصل على مكافأة مالية قدرها (مائة وخمسون روبية) من إدارة سلطة الانتداب البريطاني لأجادته اللغة العربية بصورة جيدة وسريعة).
أما أهم الواردات المالية التي تعتمد عليها مدارس جمعية الاتحاد الإسرائيلي (الاليانس) في تسيير أمورها الدراسية: هي مخصصات المجلس الجسماني الإسرائيلي، وواردات الأجور الدراسية، وواردات أوقاف المدارس من محلات تجارية وأسواق وخانات وأراضي زراعية، فضلاً عن المعونة السنوية لوزارة المعارف العراقية لمدارس الطوائف والمدارس الأهلية.
أن مورد الأجور الدراسية في مدارس جمعية الاتحاد الإسرائيلي (الأليانس) كان بسيطاً بالقياس إلى مخصصات المجلس الجسماني الإسرائيلي التي كانت تشكل المورد الرئيسي الذي تعتمد عليه مدارس الجمعية في تسيير أمورها الدراسية.
وتعد سنة 1942 نقطة تحول سلبي في مسار مدارس تلك الجمعية، إذ وقف صندوق الطائفة اليهودية عاجزاً عن دفع المخصصات اللازمة لتمشية الأمور الدراسية بسبب النقص الحاصل في واردات الصندوق فضلاً عن مظاهر الأزمة الغذائية التي حدثت في أعقاب اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، وأدى ذلك العجز إلى ارتباك كبير في تسيير الأمور الدراسية في جميع مدارس جمعية الاتحاد الإسرائيلي (الأليانس)، إذ تراكمت للمعلمين رواتب من ثلاثة إلى ستة أشهر، وقد تمت معالجة ذلك العجز من خلال الزيادات المتتالية التي فرضتها مدارس الجمعية على الأجور والخدمات المدرسية التي فرضت على الطلبة، ففي السنة الدراسية (1944-1945) فرضت الجمعية مبلغ نصف دينار سنوياً في المدارس الابتدائية وثلاثة أرباع الدينار في المتوسطة ودينار في الإعدادية كأجور أضافية، ثم أدخلت تعديلات على تلك المبالغ حتى أصبحت ديناراً واحداً في الثانوية وخمسة دنانير في الابتدائية.

عن رسالة(الأقلية اليهودية في لواء الحلة (1921-1952)