وضع الحجر الاساس له في 24 آذار 1957 هكذا ولدت الفكرة وهكذا شيد المتحف العراقي الجديد

Sunday 24th of March 2019 06:43:03 PM ,

ذاكرة عراقية ,

سميرة شعلان كيطان
في عام 1937 زار وزير المعارف يوسف عز الدين إبراهيم في حكومة حكمت سليمان برفقة مدير الآثار القديمة الأستاذ ساطع الحصري ووقف بنفسه على أحواله ، فانتقد تكدس الآثار بصورة عشوائية ، لاسيما ذات القيمة التأريخية الكبيرة والنادرة منها ، وآقتطاع أجزاء من طارمات البناية وآتخاذها محلاً لعدد من شعب المتحف بعد تعذر إيجاد أماكن لها داخل بناية المتحف بسبب آزدحامه بالآثار ،

لأن ذلك قد يؤدي الى سقوطها وحدوث كارثة لا تحمد عقباها على حد قوله ، وقد وصف مدير الآثار القديمة في كتاب بعثه إلى وزير المعارف حالة المتحف في وضعه وقتئذ بـالمخزي وشبه حالته بـ:" عمـارة تقرر نسفها بالبارود ، فأنجزت عملية وضـع الألغام تحتها ، وبقي مصيرها معلقا على اطلاق الشرارة اللازمة لانفجار هذه الألغام " ، وحث في كتابه على ضرورة إيلاء المتحف قدراً كافياً من الإهتمام وللإسراع بإنشاء متحف جديد: " لأن قضية المتحف ليست من الأمور التي يمكن تأجيلها مع بقية المشاريع التي ستدخل في مشروع السنوات الخمس وذلك لاحتمال حدوث ما يضر سمعة الملك الأدبية ضرراً بليغا وما يعود على البلاد بأعظم خسارة عرفها في تاريـخه في أي لحظــة كانت ، وعندها ســوف لا تفيد التأوهات ولا سـاعة ندم ".
وهي بلا شك صورة مؤسفة عما آل إليه المتحف ، وأشرت في الوقت نفسه عجز مديرية الآثار القديمة عن إيجاد حلول ناجحة لمشكلة المتحف العراقي التي بدت مستعصية على أصحابها ، ومع ذلك فإن المديرية المذكورة بدت مصممة على النجاح في تشييد متحف عراقي جديد آنذاك ، بمواصفات عمرانية حديثة ، وكانت أولى خطوات نجاحها في صيرورته هو آستحصالها موافقة وزارة المالية بتأريخ السادس والعشرين من مايس 1938 على تخصيص العرصة العائدة إلى دائرة السكك الحديدية في منطقة الصالحية ، وبلغ مجموع مساحة الأرض عند تخصيصها 63730 ألف مترا مربعا ، قلصت فيما بعد إلى 48000 ألف متر مربع.
عهدت دائرة الآثار القديمة إعداد تصاميم المتحف ومخططاته إلى المهندس المعماري الألماني الجنسية الهر فيرنر مارخ (Herr Verner March) ، وأنجزها قبل قيام الحرب العالمية الثانية ، إلاَّأنَّ المشروع لم يباشر بتنفيذه إلا في عام1940 بسبب معوقات مالية وفنية آعترضت سبل تنفيذه ، وهي لاتعد كونها سوى محاولات تمثلت في إنشاء مدخل على غرار البوابات الآشورية في مدينة الموصل ، وأقيم في حدودها مجسم لأسد بابل وعززت من الداخل بمجموعة من تماثيل الثيران المجنحة من الداخل التي نقلت إليها من خرسباد.
وتم إنشاء تلك البوابة على قطعة الأرض المخصصة للمشروع في موقع سياحي ممتاز جداً من مدينة بغداد ، في الركن الذي يتقاطع فيه شارعان رئيسيان ، وروعي في آختيار المكان أمور عدة منها إنَّه يقع في نقطة تتفرع عنها طرق المواصلات التي تربط العراق بالأقطار المجاورة ، كما تربط العاصمة بغداد بأهم المدن العراقية ، فالمسافر القادم إلى العراق أو الذاهب إلى خارجه عن طريق سورية البري أو بواسطة القطار من تركيا أو من الموصل أو البصرة ، كذلك القادم بطريق الجو والهابط في مطار بغداد المدني ، سيمر في طريقه ببناية المتحف العراقي ،إلاّ أنّ لأعمال الإنشائية في بناية المتحف توقفت بسبب آضطراب الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية في سنوات الحرب العالمية الثانية وآنشغال الحكومات المتعاقبة في معالجة الآثار الناجمة عن الحرب.
وخصصت الحكومة العراقية مبلغاًمقداره عشرون الف دينار في ميزانية الأعمال الرئيسة للبدء بهذا المشروع ، ومن باب الأنصاف أن مديرية الآثار القديمة آستغلت كل مناسبة لتذكير الحكومات المتعاقبة بضرورة إنشاء متحف عراقي جديد آنذاك يتناسب مع تأريخ العراق وحضارته ، ففي أثناء طرح مشروع العشر سنوات العراقي من حكومة أرشــد العمري الأولى (الأول من حزيران1946-الرابع عشر من تشرين الثاني 1946) طلبت المديرية المذكورة من وزارة المعارف إدراج مشــروع بنايـة المتحف الجديد آنذاك مــن ضـمن مشـاريعها ،وفــي ذلك الســياق كتبت قائلة: " ننتهز فرصة ما تفضل به صاحب الفخامة رئيس الوزراء حول مشروع العشر سنوات العمراني ، فنرجو عد بناية المتحف العراقي من جملة مشاريعه بل أوائل ما يجب تحقيقه ".
دفع تحسن الأوضاع الإقتصادية في البلاد في خمسينيات القرن الماضي لاسـيما بعد توقيع اتفاقية مناصفة الأرباح مع شركات النفط الاحتكارية عام 1952 وتأسيس مجلس الإعمار ، إلى إعادة طرح مشروع المتحف العراقي من جديد ، فأُدرج ضمن المنهاج العـام لمشاريع مجلس الإعمارللأعوام1951-1955.
وحظي بآهتمام بارز من نائب رئيس مجلس الإعمار أرشد العمري والأعضاء الإجرائيون ، وفي أثناء مناقشة المشروع ومضامينه داخل أروقة المجلس أثار الأعضاء الإجرائيين شكوكاً حول قدرة بناية المتحف على آستيعابها للآثار ، وآقترحوا توسعة بناية متحف المأمون ومخازنه ، وعلى إثر ذلك تم دعوة مصمم المشروع المهندس الإستشاري الهر مارخ إلى بغداد لذلك الغرض ، فوصل إليها 1951 وأضطلع بمهام إجراء التعديلات على تصاميم المشروع ومخططاته آستناداً إلى توصيات مجلس الإعمار.
أحيلت مناقصة المشروع الى شركة درويش يوسف حداد على أساس أوطأ الأسعار في العطاءات ، وقد آثار إحالة المشروع الى الشركة المذكورة حفيظة المهندس الإستشاري للمشروع الهر مارخ ،إذ كانت تساوره الشكوك حول مقدرة الشركة على تنفيذ المشروع على وفقالمواصفات الفنية المطلوبة ، وطالب مجلس الإعمار بإحالتها الى شركة زبلن.
وتبعاً لذلك عقدت اللجنة التوجيهية الخاصة بالمشروع جلسات عدة لمناقشة تقرير المهندس الإستشاري الهر مارخ ، والكتب الرسمية الواردة من شركة درويش يوسف حداد بذلك الخصوص ، وآستمعت في جلسة عقدت بتأريخ الحادي عشر من أيلول 1955 إلى وجهة نظر المهندس الإستشاري للمشروع ،إذ أكد أمامها تمسكه برأيه بعدم إحالة مناقصة المشروع الى شـركة درويش يوسف حداد على أساس أوطأ الأسعار ، وكرر مطالبته بإحالتها إلى شركة زبلن لقدرتها على تنفيذ مشروع المتحف الجديد آنذاك في الصالحية على نحو أفضل ، على الرغم من أن فرق السعر بين الشركتين يزيد عن مائتي الف دينار عراقي.
وحسماً للموضوع قرر مجلس الإعمار إحالة مناقصة إنشاء المتحف في الصالحية بعهدة اقل المناقصين سعراً بسعر عطائها الذي قدمته البالغ 652283,190 الف دينار عراقي على أن لايزيد المبلغ المضاف إلى سعر المقاولة عن 31500 الف دينار عراقي ، أي بمجموع 683547,035 الف دينار عراقي فضلاً على مبلغ الاحتياط ومقداره 46145,650 الف دينار عراقي وأجور المراقبة والمهندس الإستشاري ليصبح مبلغ الكلفة العمومية لمقاولة إنشاء المتحف الجديد آنذاك730000 الف دينار عراقي.
بدأ العمل في الأعمال الإنشائية لبناية المتحف الجديد آنذاك من الشركة المنفذة بتأريخالثامن والعشرين من كانون الأول 1955 ،وفي الساعةالخامسة من مساء الرابع والعشرين من آذار 1957 جرى الإحتفال بوضع حجرالأساس رسمياً للبناية الجديدة للمتحف العراقي آنذاك ومديرية الآثارالعامة في جانب الكرخ بغداد ،وحضرالحفل الملك فيصل الثاني وولي العهدعبدالاله وعدد من الوزراء العراقيين ورجال الهيئآت الدبلوماسـية والمهـندس الألمانـي الهـر فيرنرمارخ،وكـان ذلك الإحتفال ينقل مباشرة من الإذاعةالعراقية ، وكان من المؤمل الإنتهاء من بنائه في التاسع والعشرين من كانون الأول 1957 على وفق شروط المقاولة ، إلاأنَّ صعوبات عدة أعاقت سبل إنجازه على وفق التوقيتات الزمنية المحددة ،وبالإمكان إيجاز الصعوبات على النحو الاتي :-
1- تعذر مجيئ المهندس الإستشاري الألماني الهر فيرنر مارخ إلى العراق بسبب تدهــور حــالته الصحية لكبر ســنه ، أذ طلب مــن الحكومــة العراقية تعيين مهندس معماري عراقي بدلاً عنه.
2- تأخر وصول بعض المواد الإنشائية المستوردة من خارج البلاد لأسباب مختلفة.
3- تماهل الشركة المنفذة للمشروع لافتقارهاإلى وجود إدارة هندسية وإدارية فاعلة ، ولم تجد المقترحات التي قدمت لتحسين أدائها ، آذانا صاغية.
4- فشل الشركة في إنجاز بعض فقرات المشروع على وفق المواصفات الفنية المطلوبة.
5- خسارة الشركة المنفذة في أغلب فقراته ، مما آنعكس سلباً على تقدم سير العمل.
6- عدم آستحصال إجازة بناء أصولية من دائرة أمانة العاصمة قبل الشروع بالأعمالالإنشائية للمتحف.
وعلى أي حال ، أُنجز مشروع بناية المتحف العراقي الجديد آنذاك بداية عام 1963 وجرى تسليمه إلى الدائرة المستفيدة في نيسان من العام نفسه، وأُنجز المشروع على مساحة كلية بلغت 45000 الف متر مربع ، فيما بلغت المساحات السطحية للمباني المختلفة 11500 الف متر مربع ، تخللت المشروع مساحات خضراء و مساحات مكشوفة وزين الركن الجنوبي منه ببرج مربع الشكل بآرتفاع يبلغ 17 متراً ومساحته السطحية 130 متراً مربعاً وزينت بناية المتحف من الداخل بزخارف عباسية وأندلسية ، فيما بلغ مجموع قاعات المتحف 13 قاعة متباينة المساحة احتضنت ما مجموعه 158 خزانة عرض حديثة.
عن رسالة (المتحف العراقي نشأته وتطوره حتى عام 1963 )
( سميرة شعلان كيطان)