مقاربة فكرية بين الرافديني علاء مشذوب ورواد المدرسة الواقعية الأوربية

Wednesday 27th of March 2019 07:24:35 PM ,

عراقيون ,

نعمة الدهش الجنابي
الدكتور علاء مشذوب كاتب وروائي عراقي قدير وروايته الموسومة (بابل سامي مور ) هي الرواية الثانية عشرة له من بين منجزاته الادبية البالغة ثلاثين منجزا فخما. وقراءتي( لبعض منجزاته ) ادعي انه منتمي للمدرسة الواقعية التي ظهرت في اوربا في القرن التاسع عشر ومن روادها العظماء (بلزاك وإميل زولا وفيكتور هيجو ومارسيل بروست والموسيقار فاجنر والفنان التشكيلي غوستاف كوربيه وشارل بودلير ).

علاء مشذوب تولد كربلاء 1968 اكاديمي حاصل على شهادة الدكتوراه في تخصص (الاخراج التلفزيوني ) وروايته (بابل سامي مور )تكتسب أهمية تاريخية حيث تتحدث عن حضارات العراق القديم السومرية والبابلية والاشورية والاكدية ، كتبها باسلوب ادبي رفيع المستوى من حيث فخامة اللغة.
وهنا اود ان اتحدث عن مفهوم الرواية كونها سرد قصصي طويل تصور شخصيات فردية من خلال سلسلة من الاحداث والافعال والمشاهد، كان ظهور الرواية مع صعود البورجوازية في اوربا بعد المرحلة الرومانسية في الادب والفن، في حين ظهرت في العراق في مرحلة الاحتلال العثماني والبريطاني الذي اسس الحكم الملكي عام 1921 وبرز كتاب رواية عراقيون عظماء، فالرواية اذن سرد يحتوي على العديد من الشخصيات كما اسلفت لكل منها اختلاجاتها وانفعالاتها، وتعد الرواية من اجمل انواع الادب النثري فهي تتناول مشكلات الحياة وموقف الانسان منها واهم عناصرها القصصية في العالم الروائي الشخصيات فهناك شخصية رئيسية وشخصيات ثانوية اضافة الى المكان وتنوعه والزمان وامتداداته والحبكة القصصية للاحداث الماضية واعتماد الحوار بين الشخصيات الذي يكشف عن نفسياتها و ابراز السيرة الذاتية لها، كما تمتاز بمبدأ البناء القصصي من تتابع الاحداث وصولا الى الخاتمة التي يريد ان يوصلها الروائي للقارئ كمحاكمة واستنتاج واستخلاص الحلول لما تضمنته من احداث.
فالدكتور علاء مشذوب برع حتى في اختيار اسماء ومدلولات شخصيات الرواية الذي وزعهم على حضارتين تاريخيتين اولا السومرية وجغرافية شخوصها من (لواء المنتفك) محافظة ذي قار حاليا واختار (نذير) كشخصية رئيسية لروايته ووصديقيه (حميد وجاسب) واضاف شقيق نذير (امجد) ومنحه دورا هامشيا بسيطا محدد في رغبته الاقتران بشقيقة احد الشخصيات التي سنتعرف عليها في الشخصيات الذين ينتمون الى جغرافية الحضارة البابلية (لواء الحلة ) محافظة بابل الآن وهم (تموز ،معروف ،علوان ،حسناء شقيقة تموز ).
ولان الرواية تتحدث في اغلب فصولها عن آثار سومر وآلهة وملوك هذه الحضارة وملوك دويلات المدن السومرية ،اور ،اوروك ،لارسا ،لكش ،نيبور المدينة المقدسة. فأعطى دورا مهما لنذير الذي عمل مع الآثاريين الاجانب الذين نقبوا في اور وتعلم منهم قراءة الرقم الطينية بحروفها السومرية والمسمارية والذي تألم على ما قام به الآثاريون الاجانب من سرقة ماعثروا عليه من آثار ولقى ورقم طينية نقلوها الى بلدانهم .
حدد الروائي د. علاء مشذوب فترة احداث روايته ما بين اواخر عهد الاحتلال العثماني وقرب نهاية الحرب العالمية الاولى من (1917/1930 )التي شهدت الاحتلال البريطاني وتأسيسه للمملكة العراقية عام 1921.
كان انتقال نذير وصاحباه حميد وجاسب الي لواء الحلة اولا ليكون قريبا من اطلال عاصمة الامبراطورية البابلية وثانيا لانتهاء عمله مع المنقبين في اور لذلك قرر شراء ارض زراعية مجاورة لمدينة بابل الآثارية بعد ان ساعده تموز الذي وافق ان يكون صديقا وفلاحا لنذير في ارضه فساعده على بناء غرفة ليتخذها نذير سكنا لهم .كان تموز رجلا صوفيا بتأثير شيخه والذي هو صوفي ايضا .
نجد ان الروائي علاء مشذوب قد وفق في اظهار حسه الوطني من خلال جعله كل شخوص الرواية من الطبقة الفلاحية الفقيرة المضطهدة جراء واقع العلاقات الانتاجية في العراق منذ العهد العثماني وحتى ثورة 14 تموز الخالدة علاقات نظام شبه اقطاعي كون اراضي العراق اميرية وليست ملكا للاقطاعي كما هو الحال في النظام الاقطاعي في اوربا الذي ظهر منذ العام 376 للميلاد حيث كان ( الفيوداليون )النبلاء هم الطبقة الاقطاعية وهم ملاك الارض ففي العراق كانت مهام بعض شيوخ العشائر هي جباية الضرائب من الفلاحين المعدمين لتسليمها للوالي العثماني واختلف الحال بعد الاحتلال البريطاني وتأسيس المملكة العراقية الى تغيير نظم واقع الارض في العراق بحسب قوانين مثل اللزمة والتسوية ومن ثم الطابو.
بعد استقرار نذير وفرحته بشراء الارض المجاورة لنهر الفرات الذي يشطر المدينة الآثارية شطرين وقيامه بزراعة بعض المغروسات اعلن رغبته بالتجول في مدينة الحلة واعتبر وصوله الى مكتبة الفرات لصاحبها (معروف ) انعطافا مهما في حياته حيث غمرته الفرحة عند حصوله على كتب مهمه جدا تتحدث عن تأريخ بابل ومشاهدات (هيرودوت) وكتاب (كنا في بابل) حول عظمة الامبراطورية البابلية ودور ملوكها العظام منهم نبونئيد و(رافئ) حمورابي ونبوخذنصر ، اعتبر نذير حصوله على هذه الكتب مغنما مهما له.
أخيرا ينقلنا علاء مشذوب بانعطافة مهمه لنذير عندما ساهم فلاحه تموز بتعريفه بعلوان حارس المدينة الآثارية كما ان قراءات معروف لكتاب هيرودوت اعطى صورة مهمة وواضحة عن دور دولة بابل وعظمتها وتطورها الى امبراطورية، لم يغفل علاء مشذوب عن اعطائنا صورة لما كانت عليه حياة ابناء الحلة من بؤس وارتفاع في نسبة الفقر وبدائية مستلزمات حياة العائلة الحلية آنذاك بسبب الاحتلال العثماني .ثم انعطافة اخرى ينقلنا اليها الروائي الى غايات ورغبة نذير في التنقيب في خرائب بابل بمساعدة صاحبيه حميد وجاسب وتموز ايضا الذي كان يعمل على تمتين العلاقة بين نذير وعلوان الحارس وقد حصل نذير على مبتغاه بالحفريات التي قاموا بها فحصل ع رقم طينية مهمه في المكان المجاور لبوابة عشتار وشارع الموكب والمعبد البابلي العظيم (إساكيلا)لكبير الآلهه مردوخ اله بابل وسومر وبعد قراءة نذير للرقم وترجمتها وكتابتها الى العربية واطلاعه على ما قامت به البعثة الآثارية (الالمانية) التي اكتشفت باب عشتار وشارع الموكب وكيفية تقطيع البوابة ونقلها لاحقا بسيارات عسكرية مع تماثيل ورقم اخرى وبموافقة الحكومة الملكية في العراق، وكان نذير قد متن علاقته بالآثاري الالماني روبرت وكانت احاديثه هو وتموز تبتعد عن الجانب الآثاري الى مسار ديني فالروائي علاء مشذوب برع في دمج السرد في الجانب الآثاري ثم الديني ومن قبل الطريقة الصوفية التي كان عليها تموز اضافة الى ادخاله علم الاجتماع لتستكمل الصورة للقارئ، فالجانب الآثاري تحدث عن مرحلة عظمة بابل وتحولها من دولة الى امبراطورية وتسمية ملكها بملك الجهات الاربع كذلك مرحلة افول نجمها على يد العيلاميين الذين خربوا كل معالم بابل العظيمة ،اما الجانب الديني فكان السرد يتناول الحوار بين الآثاري روبرت وبين تموز عن ديانة بابل الآثارية والحديث عن الالهة المهمه والالهة الاقل اهمية اي الديانة ذات تعدد الالهة فالعظيم هو مردوخ والاقل اهمية الاله سين وبين الديانات السماوية ومن ان الرقم الطينيه التي تحدثت عن الديانات البابلية والسومرية هي ذات القصص التي وردت في الكتب المقدسة السماوية وحتى الشخصيات كالنبي نوح وايوب وابراهيم وغيرهم ،فالسرد الروائي ينتقل مرة للتأريخ القديم واخرى الى التأريخ الحديث اما القراءات النصية للرقم الطينية التي تتحدث عن الملوك العظام واهتمامهم بالعلوم والهندسة والمعمار والفنون والقانون كل هذا عندما كانت دول المنقبين الآثاريين اوربا وامريكا تعيش حالة الجهل والتخلف والظلام .كما يستعرض الروائي علاء مشذوب بعض القضايا المهمه للملوك من حيث الاهتمام بالجيش البابلي وتحصين المدينة تحسبا للعدوان من الشمال والشرق وحرص الملوك على تطوير العلاقات الودية مع بعض الدول في الغرب كمصر الفرعونية.
نستنتج من كل هذا ان رواية الدكتور علاء مشذوب تناولت: اولا: التأريخ القديم لبابل قبل الميلاد. ثانيا: التأريخ الحديث والمعاصر لبابل. ثالثا: الديانات متعددة الآلهة والديانات السماوية. رابعا: العلاقات الانتاجية في العراق سواء الاقطاعية او شبه الاقطاعية. خامسا: علم الاجتماع قديما وحديثا.