صفحة من تاريخ الحياة الحزبية في العراق.. هل أسرعت الانشقاقات في انهيار حزب صالح جبر وحله ؟

Sunday 14th of April 2019 08:01:23 PM ,

ذاكرة عراقية ,

رحيم حسن الشامي
كان حزب الأمة الاشتراكي الذي اسسه صالح جبر أسوةً بالأحزاب السياسية الأخرى عرضة إلى الانشقاق في صفوفه ، ووقع الانشقاق الأول فيه إثر الانتخابات النيابية التي أجرتها وزارة نور الدين محمود في 17 كانون الثاني 1953 ، عندما قرر الحزب الاشتراك في هذه الانتخابات ، وبسبب إخفاقه في الحصول على تأييد الوزارة بمساعدته على الفوز ، فضلاً عن التدخلات ضد مرشحيه بشكل سافر من الحكومة ، قرر مقاطعة الانتخابات وسحب مرشحيه منها ،

فأدى ذلك إلى حدوث انشقاق في صفوف الحزب عندما أصر عدد من أنصاره من رؤساء العشائر ومنهم سوادي الحسون وهو أحد رؤساء العشائر في الديوانية على الاستمرار بالمشاركة في الانتخابات وعدم مقاطعتها مفضلاً الاستقالة من الحزب . وقد أسفرت نتائج الانتخابات النيابية عن فوز عدد من الأعضاء الذي انشقوا من حزب الأمة الاشتراكي وحصلوا على (8) مقاعد في المجلس النيابي

ووقع الانشقاق الثاني في صفوف الحزب بعد ان أعلن نوري السعيد حل حزبه (حزب الاتحاد الدستوري) في 3 آب 1954 بحجة فسح المجال لكل من يجد في نفسه الكفاءة لتمثل الأمة تمثيلاً صحيحاً دون تفريق أو تحيز ، وبتحريض من نوري السعيد ، انقسم حزب الأمة الاشتراكي إلى رأيين ، رأي يؤيد الانتخابات وحل الحزب ، وقد تبناه توفيق وهبي ومجموعته التي ضمت كمال السنوي وفاضل معله وعدنان القاضي وغيرهم ، وقد اتخذوا هذا القرار من دون الرجوع إلى الهيئة العليا للحزب ، والرأي الثاني يؤيد ترك قضية حل الحزب والدخول في الانتخابات إلى رئيس الحزب صالح جبر وأبرزهم السيد عبد المهدي ونظيف الشاوي وأحمد الجليلي وحنا خياط .
وأصدر توفيق وهبي نائب رئيس الحزب وهو من مؤيدي سياسة نوري السعيد بياناً في 17 آب 1954 نص على حل الحزب والسماح لمن يجد في نفسه الكفاية من أعضائه خوض المعركة الانتخابية بصفة شخصية . وقد سوغ توفيق وهبي بيانه الذي أصدره من دون الرجوع إلى الهيئة العليا للحزب بما يلي: ((لقد دلتنا التجارب على ان خدمة البلاد الصحيحة تحتاج إلى تضحيات في مقدمتها نبذ الخلافات الشخصية بين أبناء هذه الأمة ، ولما كان حزب الأمة الاشتراكي بغالبية أعضائه يؤمنون كل الإيمان بضرورة خدمة البلاد خدمة إيجابية يتعسر عليهم أداؤها مع بقاء الحزب بوضعه الحاضر لاسيما بعد الظروف العصيبة التي مر بها ، الأمر الذي جعلني استشير لفيفاً غير قليل من زملائي أعضاء اللجنة العليا وارتأينا على ان المرحلة الخطيرة التي تمر بها البلاد والوضع الحرج الذي صار إليه الحزب يقتضي حل الحزب وخوض المعركة الانتخابية بصفة شخصية)) ، في حين أكدت الوثائق البريطانية ان السبب الرئيس الذي حدا بتوفيق وهبي إصدار بيان حل الحزب هو رغبة منه بالتقرب من نوري السعيد والحصول على ما اسمته ((حصته من السلطة)) .
كان صالح جبر في لبنان لغرض الاستجمام حين أُذيع بيان توفيق وهبي ، فعاد على وجه السرعة إلى العراق ، والتقى بأعضاء الهيئة العليا للحزب التي عقدت اجتماعاً في 20 آب 1954 ، حضره كل من السيد عبد المهدي ونظيف الشاوي وأحمد الجليلي وحنا خياط وعبد الحميد رشيد وعبد القادر أسعد وعبد الهادي البجاري وصالح بحر العلوم وجعفر المكوطر وجعفر القزويني وعبد اللطيف آغا جعفر وسالم آغا جعفر وسامي شوكت وادور جرجي وسلمان الابراهيم ورفيق السيد عيسى . ولم يحضر الاجتماع كل من محمد النقيب وحسن السهيل ومكي الشربتي وجواد جعفر ورشيد الصوفي لوجودهم خارج العراق ، والشيخ حبيب الطالباني لمرضه وعدم استطاعته المجيء إلى بغداد.
وبعد ان استعرضت الهيئة أوضاع البلاد آنذاك بصورة عامة وأوضاع الحزب بصورة خاصة قررت بالإجماع ما يلي :
1- فصل توفيق وهبي وكمال السنوي وفاضل معله أعضاء الهيئة العليا من عضوية الحزب وذلك لقيامهم بعمل يعد خروجاً على النظام الداخلي للحزب .
2- تفويض صالح جبر بإذاعة البيان الذي يجدد فيه موقف الحزب من الانتخابات النيابية.
3- فصل عدنان القاضي عضو الهيئة الإدارية لفرع بغداد من عضوية الحزب ، وفق النظام الداخلي لقيامه بعمل يعد خروجاً على نظام الحزب الداخلي .
أصدر توفيق وهبي وعدنان القاضي وكمال السنوي بياناً استنكروا فيه قرار الهيئة العليا للحزب الخاص بفصلهم من الحزب والأوضاع السيئة التي يمر بها الحزب ، وفي الوقت نفسه استنكر عدنان القاضي وكمال السنوي قرار الحزب الخاص بفصلهما وعدوه مخالفاً لنصوص النظام الداخلي لعدم انطباقه على المادتين (97 و 98) من النظام الداخلي ، وأوضحا انهما قدّما استقالتهما قبل صدور قرار الفصل . وهكذا جاء فصل هؤلاء الأعضاء بدوره مكسباً لسياسة نوري السعيد بسبب اشتراكهم في الانتخابات بعد ان أصبحوا قريبين من نوري السعيد ، لاسيما بعد حصول عدد منهم على العضوية في مجلس النواب ، وكان توفيق وهبي أحد هؤلاء ، مع العلم ان معظم أعضاء اللجنة العليا حبذوا حل الحزب ليتسنى لهم خوض المعركة الانتخابية بصفة شخصية ، وان صالح جبر هو نفسه حاول التوصل إلى اتفاق مع نوري السعيد بشأن تشكيل جبهة موحدة ، ولما فشل في ذلك أعلن مقاطعة الحزب للانتخابات .
وكان صالح جبر قبل ذلك يميل إلى تجميد الحزب ثم حله وتأييد مشروعات نوري السعيد السياسية التي تتعلق بالسياسة الخارجية ومكافحة الشيوعية بكل ما أوتي من حول في حالة اتفاقه معه والاطمئنان إليه وبخاصة فيما يتعلق بسير الانتخابات حرصاً على حفظ كرامته والوفاء لجماعته.
بعد هذه التطورات توالت الاستقالات من حزب الأمة الاشتراكي حيث قدم يوم 22 آب 1954 ثلاثة من أعضاء الحزب استقالتهم ، وهم عبد الهادي البجاري عضو الهيئة العليا والهيئة المركزية للحزب وعبد اللطيف آغا جعفر عضو الهيئة العليا وأمين الصندوق للحزب وأدور جرجي عضو الهيئة العليا . وقدم الشيخ ثعبان سالم الخيون استقالته من الحزب يوم 19 آب 1954 . وبدورها قررت الهيئة العليا للحزب قبول استقالة عبد الهادي البجاري وأدور جرجي وعبد اللطيف آغا جعفر وعبد الحسين كمونه وعلي أبو التمن وكاظم أحمد وثعبان سالم الخيون وشلاكه المزعل ، وتم انتخاب ناجي الجوهر أميناً للصندوق بدلاً من عبد اللطيف آغا جعفر المستقيل .
وقررت الهيئة العليا للحزب أيضاً عد كل من حسين الفايز وكامل الغثيث وحسين علوان الشلال ومحمود الملا وبكر دلير وعبد الله آغا وفارس حسين مستقيلين من الحزب لمخالفتهم قرار الحزب بمقاطعة الانتخابات وترشيح أنفسهم للانتخابات النيابية.الجدير بالذكر ان الذين فصلوا من الحزب أصبحوا نواباً بعد فوزهم في الانتخابات التي أجراها نوري السعيد كمكافئة لهم على موقفهم .
وبحسب ما أورده مراسل محطة الشرق الأدنى في بغداد لم يتوصل صالح جبر -عند اجتماعه بالهيئة العليا للحزب الذي استمر أكثر من أربع ساعات إلى التوفيق بين وجهات النظر المختلفة لتلافي الأزمة القائمة في الحزب ، مما قد يؤدي إلى إعلان حل الحزب . مع ان هناك ما يشير إلى ان الحزب كان في طريقه إلى الاختفاء من الحياة السياسية العراقية .

عن رسالة ( حزب الامة الاشتراكي 1951 ــ 1954 )