من تاريخ الصحافة العراقية:صحفي عراقي رائد .. و منسي .. داود صليوا .. كيف بدأ ؟ وكيف انتهى ؟

Sunday 21st of April 2019 07:30:49 PM ,

ذاكرة عراقية ,

رفعة عبد الرزاق محمد
كتب مؤرخو الصحافة العراقية في عهدها الاول الكثير عن جريدة ( صدى بابل ) الصادرة بعد انبثاق العهد الدستوري في الدولة العثمانية مناصرة لهذا العهد ولاحد ابرز وجوهه من ولاة بغداد وهو ناظم باشا .. صدرت ( صدى بابل ) في 13 اب 1909 بالتعاون بين الاستاذ يوسف رزق الله غنيمة احد اعلام اليقظة الفكرية في العراق الحديث والاستاذ داود صليوا .

واذا كان الاول قد كتب عنه كثيرا ونشرت اثاره واخباره بفضل نجله الاستاذ حارث غنيمة رحمه الله ، فان الثاني ندرت اخباره حتى ان طريقة وفاته لم تعرف على وجه التحقيق

وقد وقفت على مقالة للمؤرخ العراقي المنسي رزوق عيسى في مجلة الاحد سنة 1934، يقول انه استله من كتابه ( مطلع القمرين في تراجم ادباء بين النهرين ) ، وهو عن داود صليوا الملقب بالمعلم ، ولعله اعتمد على ما نشره صليوا نفسه في العدد 89 من جريدته ( صدى بابل ) بعنوان ( خصلة من ترجمة المعلم داود صليوا ) ثم اطلعت على بعض اخباره في الصحف والمجلات المتفرقة ، وغير ذلك مما اتاح لنا التعريف به في هذ النبذة الجديرة بالاستدراك .
وهو داود بن يوحنا بن الشماس صليوا بن الشماس توما بن القس صليوا الكلداني ، وامه ابنة سمعان سمحيري شقيق البطريرك انطون سمحيري السرياني المشهور . ولد في الموصل في السابع من تشرين الثاني 1852 ، ولاحت على محياه النجابة والنباهة منذ وقت مبكر من حياته ، وقد توفيت والدته وهو في السنة الاولى من عمره . تخرج في المدرسة الكلدانية البطريركية حيث تلقى علوم اللغة العربية والديانة الكلدانية ، واستفاد من التردد على بعض الشخصيات النافذة مثل يوسف افندي باش عالم الموصلي وعبد يشوع خياط . وبعد ان نال من الدراسة قسطا وافرا عين معلما ثم نيطت به ادارة المدرسة . وفي الثانية والعشرين من عمره قدم الى بغداد بعد ان استدعاه مدير مدرسة الاليانس ليدرس فيها سنة 1875 بعد ان نجح في الامتحان الذي اجرته نظارة المعارف وسمح له بالتدريس ، وبقي فيها عشر سنوات فانتقل الى المدرسة الالمانية وبقي فيها زهاء خمس سنوات ثم تولى ادارة المدرسة البريطانية البروتستانية نحو خمس سنوات ، ودرس في المدرسة الكلدانية في بغداد نحو ثلاثين سنة ، فتخرج عليه عدد كبير من المسيحيين ومنهم المؤرخ رزوق عيسى الذي قال عنه منتقدا : كان للفقيد ملكة وددنا لو انه ترفع عنها لانها لا تلائم روح العصر وهي المدح والهجو ومصداقا لكلامنا ما وقع له مع ابراهيم اليازجي وجرجي زيدان ، ارسل مرة الى ادارة مجلة الضياء لليازجي البتين التاليين وهما :
تالله ما امن العثار ولو مشى
رجل ، يجد الارض في الظلماء
لكن على رغم دعتنا حاجة
نسري لضيق الحال دون ضياء
فارسل اليازجي له ما صدر من مجلته الضياء منذ العدد الاول . وارسل الى ادارة مجلة الهلال البتين التاليين :
لله ما احلى الهلال وخوده
فيه ترى آي الكمال مثيله
كم لي احاول في اجتلائي نوره
لكن عين الحال في كليله
فورد اليه الجواب : ارسل 25 فرنكا تصل اليك اجزاء المجلة منتظمة !! فاجابه :
لقد ابتغيت من الهلال نورا
فتقلصت عني اشعة ضوءه
فكانني يوم الخسوف قصدته
فرايتني كالمستضل بفيئه
وهكذا فأن انشاءه كان سداه الحشو وزخرفه الكلام ، ولو كان يحسن احدى اللغات الافرنجية لرايناه يختلف عما كان عليه انشاؤه .
مؤلفاته :
ــ العقد الثمين لتحلية جيد المعربين
ــ نفح العرف في خلاصة الصرف
ــ النقاوة في علم النحو
ــ الدر المختار في نظم الاشعار
ــ رسالة في المنطق
ــ المحاق في ترجمة ناظم باشا والي العراق
ــ مختارات صدى بابل
ــ كتاب الردودــ ديوان ابن صايوا
وفي الصحافة اصدر : الغرائب هي مجلة فكاهية نصف شهرية صدر منها 12 عددا ، وجريدة صدى بابل وهي جريدة اسبوعية استمرت خمس سنوات وفي اوائل سنتها السادسة توقفت لنفي صاحبها الى ( قيصرية ) بامر الوالي جاويد باشا سنة 1914 ، وبقي في منفاه سنتين وفقد احدى عينيه لما قاساه من الاهوال ، وكان سبب نفيه انه مدح السيد طالب النقيب بقصائد عديدة والنقيب كان احد خصوم السلطة التركية الاتحادية .
وكتب رزوق عيسى ان وفاته كانت عندما خرج في الساعة الواحدة بعد الظهر من يوم الرابع من تشرين الثاني وهو يشكو الما في قلبه ، وبينما كان سائرا بالقرب من جامع مرجان في الجادة العمومية اعترته رجفة شديدة فسقط على اثرها على الارض فاذا هو جثة هامدة، وفي اليوم الثاني دفن باحتفال كبير .
غير اني قرأت في جريدة لسان العرب التي كان يصدرها ابراهيم حلمي العمر ليوم السابع من تشرين الثاني (وهو يوم مولده) 1921 خبرا تحت عنوان: وفاة المعلم داود صليوا في الطري العام ضحية السيارات ، جاء فيه:
علمنا بكل اسف ان احدى السيارات قد صدمت الاستاذ الفاضل داود افندي صليوا صاحب جريدة صدى بابل المحتجبة ومن قدماء صحافيي العراق وادبائه فسقط مغشيا عليه وادركته المنية في الحال وتوفاه الله عن عمر لا يقل عن سبعين عاما وقد كان رحمه الله اديبا فاضلا واستاذا في اللغة العربية وله تلامذة كثيرون في العراق.