كلما مات عالمٌ احترقت مكتبة

Tuesday 21st of May 2019 06:14:01 PM ,

منارات ,

د. محمَّد حسين الرفاعي
الصَّديق- الرَّفيق في مهمَّةِ الفكر والتَّفكير، د. طيب تيزيني فيلسوف الدفاع عن الحرية، والأنْسنة، في ذمة الخلود.
هذا أسوأ خبر تلقيته في هذا العام، وإنه مؤلم جداً أن نودِّعَك على هذا النحو.
لترقد روحك في سلام وطمأنينة.

...وفي حوار مطول مع المفكر المعروف د. طيب تيزيني، يكشف تيزيني أنّ وظيفة الهرمنيوطيقا تتمثل في؛ أنّها تكشف عن الذاتية التأويلية، حيث تدخل ذوات البشر في الموضوعات التي تواجهها. وأنّ الدائرة النصية التي ينطلق منها الباحث، من أجل الذهاب إلى النص تتسع عمقاً وسطحاً، وتشتمل على حقول معرفية مختلفة خمسة: حقل تاريخي وتراثي زماني، حقل سوسيوثقافي، حقل إثني، حقل جغرافي مكاني، وحقل جغرافي سوسيوإقتصادي. مع إضافة دائرة سادسة محتملة، هي ذات البعد الثقافي السيكولوجي. ويلاحظ أنّ تلك الدوائر الخمس تتداخل فيما بينها؛ احتكاكاً وتفعيلاً، أو تهميشاً، أو تأجيجاً، أو تفضيلاً لواحدة أو أخرى على الأخريات.. إلخ. إنّ ذلك تضبطه حيثيات الذهاب إلى النص الديني. وماينبغي التنويه به هنا هو أنّ النص القرآني ترك مساحة أو مساحات متحركة، بحيث يمكن القول بأنّ النص المذكور أدرك خصوصية "الإرسال والتلقي"، فأنت تتلقى الرسالة النصية المقدسة، وتنتج إجابتك سلباً أو إيجاباً، أو بطريقة إيجابية سلبية، وفق ماتقتضيه ثنائية المعارف والمصالح، أو بحسب ما تمليه الدوائر الخمس المذكورة، وما يترتب على العلاقات الإيجابية أو السلبية القائمة بينهما. وقد أسس النص القرآني في بنيته، كما في وظائفه ورسائله، لمثل تلك التعددية المتمثلة بالدوائر الخمس أو الست، كما بثنائية المعارف والمصالح. أسس النص لاحتمالات وإمكانات التغاير في استيعابه، حيث أشار إلى أنّ "الناس أجناس"، وأنّ أفهامهم لا تمثل خطاً واحداً غير قابل للتساؤل، فأتى ذلك بوضوح وبمواقع متعددة منه، كما في الآية: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة"؛ "لكم دينكم ولي دين"؛ "لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً؛ أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"؛ "لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي"؛ "فذكر إنّما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر".. إلخ. إنّ ذلك أسس لقاعدة تبنى عليها احتمالات الحوار والتآخي والصراع، مما لم يكتف بالتأكيد على الاستمرار في فتح النص ضمن الدوائر الخمس الثنائية بين المعارف والمصالح، وفتح جيوب أخرى جديدة عمقت مفهوم "النص المفتوح"، في ضوء القراءة والتفسير والتأويل. يشير د. تيزيني إلى إمكانية إعادة قراءة الأديان بمزيد من العمق، في كونها هُوية البشر، وأسس قيمها الأخلاقية، وذلك على نحوٍ يلبي التحولات العظمى، التي تطرأ الآن على مفهوم "القراءة" الأكثر عمقاً في عصرنا. ومن شأن هذا أنّه يساعد المسلمين والمسيحيين خصوصاً على اكتشاف مزيد من العمق في فهم الدين في المسيحية كما في الإسلام. وواضح أنّ الإمعان في التعمق بالأديان، وفي احترامها الكبير، سيوسّع دائرة التعددية والتسامح والوسطية. وهذا يعني إدراكاً معمقاً لضرورة وضعها محترمةً مع أنماط التفكير البشري الأخرى، مثل العلوم بمختلف تجلياتها وخصوصاً منها العلوم الاجتماعية والإنسانية...