في ذكرى وفاته في 17 اب 1942 .. ناجي السويدي رئيسا للوزارة الصامتة الباكية !

Sunday 18th of August 2019 07:31:31 PM ,

ذاكرة عراقية ,

قصي محمود الحسناوي
بعد انحلال الوزارة السعدونية الرابعة، وذلك بانتحار السعدون في 13 تشرين الثاني 1929، أصدر الملك فيصل الأول إرادته الملكية إلى ناجي السويدي، وزير الداخلية في الوزارة المنحلة بإسناد منصب رئاسة الوزارة بالوكالة اليه وفي 18 تشرين الثاني 1929، صدرت إرادة ملكية أخرى تقضي بتأليف ناجي السويدي للوزارة، فأصبح رئيساً للوزراء إلى جانب احتفاظه بمنصب وزير الخارجية.

وقد خلف ناجي السويدي، السعدون في الوزارة كونه الشخص الذي يليه في زعامة "حزب التقدم" فألف الوزارة، كما احتفظ بجميع زملاء السعدون (الوزراء) مضيفاً إليهم خالد سليمان، وزيراً للزراعة والري، لإكمال النقص.
وقد وصفت جريدة "العالم العربي" استيزار ناجي السويدي، لرئاسة الوزراة بـ"حفلة الاستيزار الصامتة الباكية"، فبعد أن قام أعضاء "حزب التقدم" بزيارة قبر السعدون توجهوا إلى بناية الحزب، حيث القيت الخطب في ذكر محاسن أخلاق السعدون، وسجاياه السامية وكرروا المواثيق بتأييد مبادئ الرئيس الراحل، كما قام الوزراء أيضاً بعد مغادرة البلاط الملكي، بالتوجه إلى جامع الحضرة الكيلانية، حيث كان أعضاء "حزب التقدم" ومعظم النواب من الأحزاب مجتمعين في المكان، فقام ناجي السويدي، بقراءة سورة الفاتحة على قبر السعدون، كما تعهد الوزراء عند قبر السعدون، بأن يسيروا على برنامجه.
وإلى جانب ذلك، فقد شكر ناجي السويدي، إعلان الملك فيصل الأول، لإسناده منصب رئيس الحكومة اليه، حيث فاتح زملاءه الوزراء في الأمر فسارعوا إلى تلبية الإرادة الملكية. وفي ضوء ذلك، اجتمع أعضاء "حزب التقدم" وقرروا بالإجماع انتخاب ناجي السويدي رئيس الوزراء، ليكون رئيساً لـ"حزب التقدم".
وتنبغي الاشارة، إلى أن ناجي السويدي، أكد خلال لقائه بالملك فيصل الأول، أن الوزارة ستواصل السير على النهج الذي اختطه عبد المحسن السعدون، إلا أن الوزارة الجديدة واجهت مشاكل معقدة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، فدار الاعتماد البريطاني في بغداد لم تكن منسجمة مع الوزارة، لأنها أعلنت أنها ستسير على منهاج الوزارة السعدونية السابقة، كما أن الأزمة الاقتصادية العالمية القت بظلالها على العراق مما جعل مهمة الوزارة غاية في الصعوبة.
وعلى ما يبدو، أن أعضاء "حزب التقدم" قد انقسموا ما بين مؤيدين وغير مؤيدين لوزارة السويدي، فقد عقد الحزب اجتماعه فتجلت فيه ظاهرة جديدة، فخطب بعض أعضاء الحزب خطباً شديدة اللهجة وحملوا على بعض أعضاء الوزارة، فلم يشأ آخرون من أعضاء الحزب أن يسكتوا تجاه هذه الحركة التي تؤثر على مكانة الوزارة وموقفها وتضعضع أركانها، كما أنها تصدع جوانب الحزب. ثم خطب رئيس الحكومة ناجي السويدي، فأشار على أعضاء الحزب، أن يحرروا أفكارهم من البلبلة، فأما أن يبقوا على ثقتهم بوزرائه، واما أن يسحبوا هذه الثقة ووزارته مستعدة لأن تنسحب من الميدان بكل إقدام، فأجمع أعضاء الحزب المجتمعون على تجديد الثقة بالوزارة وأيدوها كل التأييد، يستثنى منهم نفر ضئيل من المعارضين لها. وهذه الحالة خاصة في داخل الحزب.
وقد سبقت هذا الاجتماع، جلسة صاخبة في مجلس النواب، قام خلالها عدد من أعضاء "حزب التقدم"، بمطالبة وزارة ناجي السويدي، بتبيان عملها والخطط التي تسير عليها .
ومن الجدير بالذكر، فقد كان حكمت سليمان، أحد أقطاب "حزب التقدم"، من أبرز المعارضين لوزارة ناجي السويدي، ولاسيما أنه أصطف مع المعارضة البرلمانية ضد الوزارة. وتجدر الإشارة، إلى أن "حزب التقدم"، تظاهر إثر انتحار رئيسه السعدون بالتكاتف والتراص، واخذه شعور عميق بالثبات على المبدأ، إلا أن الحزب في ظل رئاسة ناجي، انتابه الانشقاق، فقامت جماعة من أعضاء الحزب بالاقتراب من المعارضين ليشكلوا كتلة معارضة قوية ضد وزارة ناجي السويدي، ويعود ذلك، إلى أن بعض قيادات الحزب، لم ترغب بالسويدي، لا رئيساً للحكومة ولا رئيساً للحزب، فبرزوا كمعارضين له.
وفي ضوء ذلك، عقد "حزب التقدم" جلسة هامة، في 6 شباط 1930، القى فيها رئيس الوزراء ورئيس الحزب خطبة مسهبة، أنكر فيها على الحزب الحال البادي فيه
وقال :" أن حال الحزب هذه لا تؤيد الحكومة في موقفها ولا تظاهرها في المعترك السياسي مع الأجنبي تسير إدارة البلاد بالحزم والقوة، وأن الحكومة الآن في نضال مع الأجنبي في القضايا الراهنة".
فرد عليه الشيخ أحمد الداود، مبيناً أن الحزب متراص وأنه شاعر بمسؤوليته عن إدارة البلاد، وأن واجبه يقضي بمحاسبة الحكومة، التي تستند إليه في كل وقت وزمان و أن الحكومة قد أهملت مبادئ الحزب، وأنها حاكمة بغير المنهاج الذي أقره الحزب وأقسم الشيخ احمد، على أن يكون له دستور في العمل، وهذا المنهاج، هو منهاج المرحوم عبد المحسن السعدون، الذي خطه بيده، وقال أن الحكومة إذا كانت عاجزة عن تطبيق هذا المنهاج فلتنسحب .
أما حكمت سليمان، فقد اتهم وزارة ناجي السويدي، بأن ليس لها منهاج في عملها، ثم خطب بعد ذلك، عدد آخر من أعضاء "حزب التقدم" مؤكدين ما قيل عن عدم التزام وزارة السويدي بمنهاج السعدون، وبعد ذلك توجه الوزراء التقدميين إلى الملك فيصل الأول، للنقاش والمداولة.
وإلى جانب ذلك، فقد عانت وزارة ناجي السويدي أيضاً من السياسة البريطانية المعادية تجاه وزارته، مما دفعه ذلك، للوقوف موقف المعارض لتلك السياسة.
ونتيجة لذلك كله، اضطر ناجي السويدي إلى تقديم استقالته إلى الملك فيصل الأول، في 9 آذار 1930 .
وإثر استقالة وزارة ناجي السويدي، أعرب "حزب التقدم" عن احتجاجه، كما حدث احتجاج شعبي، إذ تقرر إقامة مظاهرة شعبية في بغداد في (جامع الحيدرخانة)، تمر باتجاه البلاط الملكي، ثم إلى دار الاعتماد البريطاني، ثم تقصد مقر "حزب التقدم"، وتطلب منهم موقفاً مشرفاً يحفظ قضية البلاد ويصونها من التراجع.
وفي السياق ذاته، عقد "حزب التقدم"، بعد ظهر يوم 12 آذار 1930، جلسة خطيرة للنظر في الوضع السياسي الراهن، فقام السويدي رئيس الوزارة المستقيلة ورئيس "حزب التقدم" والقى خطبة أوضح فيها كيف أرادت وزارته أن تنفذ منهاجها، وتقتصد في النفقات وتمارس السلطة في الحكم وحدها، مضطلعة بأعباء المسؤولية التي اعتقدت انها تسلمتها، وكيف اصطدمت مع الاستشارة البريطانية، في وضع الميزانية والاستغناءعن ثمانية مفتشي شرطة وخمسة مفتشين إداريين، وكلهم من البريطانيين، وكيف عارضت الجهة البريطانية هذه الخطة، ووقفت عقبة في سير الميزانية ووصولها إلى البرلمان تامة حسب رأي الوزارة ومنهاجها، كما أكد أيضاً أنه قبل 25 يوم وردت برقية من وزارة المستعمرات، إلى المعتمد السامي في بغداد، أشارت إلى أن تمارس الحكومة العراقية السلطة الحقيقية، لا السلطة الأسمية. كما قال أيضاً :" أننا ربما في استقالتنا قد أثرنا على الوضع، بحيث نحمل الجهة البريطانية على التسليم بالمبدأ الذي تريده الحكومة العراقية".
وفي سياق ذلك، تكلم ناجي السويدي وغيره، بوجوب تكليف الحزب لـلسويدي، بصفته رئيساً للحزب، في أن يكون واسطة للتفاهم، مع المراجع العليا في نقطة الخلاف الأخير، وفي إبلاغ تلك المراجع بأن الحزب متمسك بمنهاج الوزارة وهو منهاج الحزب. وقد لقيت هذه الفكرة تأييداً من أكثر أعضاء الحزب الحاضرين، حيث تكلم أحمد الشيخ داود، وبيَّن:" أن هذه الطريقة لم تكن معروفة في تقاليد الحزب قبل اليوم، وأن الدستور قد أودع للملك اختيار من يراه كفؤاً لتأليف الوزارة ويختار الرئيس أعضاء وزارته، ثم تأتي الوزارة إلى الحزب وتناقش معه في منهاجها".
اجتمع ناجي السويدي في 17 آذار 1930، بالهيئة الإدارية لـ"حزب التقدم"، وبعد المداولة بين رئيس الحزب وهيأته الإدارية،اعلن السويدي أنه غير راغب في كرسي رئاسة الوزراء، وأن الرئاسة ستكون لأحد الثلاثة (نوري السعيد أو حكمت سليمان، او عبد العزيز القصاب).
عن رسالة(حزب التقدم في العراق ودوره السياسي
1925- 1931 دراسة تاريخية )