طرائف من حياته..مصطفى جواد بين الملك فيصل الثاني وعبد الكريم قاسم

Wednesday 11th of September 2019 07:35:25 PM ,

عراقيون ,

اعداد : انور مصطفى
يقف مصطفى جواد علما بارزا من اعلام النهضة العربية في ثقافتنا وحضارتنا وفكرنا وتاريخنا الانساني فقد كان رحمة اللة عاشقا طبيعيا للحقيقة مخلصا لها تلك الحقيقة هي حبة العميق للغة العربية لغة الحضارة والفكر الانساني.كان موسوعة معارف في النحو والحفظ والبلدان والاثار والتاريخ اعانة على ذلك حافظة قوية وذاكرة حادة

ومتابعة دائمة حتى غدا في ذلك مرجعا للسائلين والمستقين فنهض بما لا ينهض بة اولوا القوة فكان امة كاملة في رجل وعالما في عالم ومدرسة متكاملة قائمة بنفسها وخدم اللغة العربية كما لم يخدمها احد غيره.

مع الملك فيصل الثاني
تحدث العلامة جواد عن ذكرياته مع الملك فيصل الثاني فقال :
في العام 1942 دعيت لتعليم (الملك) الصغير فيصل الثاني اللغة العربية ابتداءً من القراءة الخلدونية و كان قد اهمل تعليمه للغة العربية وامروني بتعليمه لمدة سنة واحدة فبدأت بتعليمه في السنة السابعة من عمره وعلمته القراءة والكتابة، واذكر عندما قرر اهله دراسته في انكلترا امرت والدته رحمة الله عليها الاميرة عالية وكانت خير امرأة في الاسرة باستصحابي اليها فلم استطع الاباء وكنت اود جاهدا ان اجعله ملكاً يشبه صغار الملوك الذين قرأت سيرهم في التاريخ الاسلامي فاعجبتني، الا ان اهله لم يرتحوا لي في ذلك فقد كانت المسكنة تظهر عليه حتى في طلب حاجاته المدرسية وكان يشكو من ذلك، وقلت له ذات مرة انت ملك فقل لهم هاتوا كذا وكذا فلا يستطيعون رفضه، فلما قال لهم بلهجة الاّمر هاتوا كذا وكذا، قالوا له ليس اسلوب كلامك، فمن علمك هذا النوع من الطلب، وهو لضعف ملكة الاستقلال في نفسه، قال لهم الذي علمني ذلك هو معلمي مصطفى جواد فحقدوها علي واعادوني الى التدريس في دار المعلمين العالية في آخر السنة الدراسية الاخيرة خوفا من تربية روح الاستقلال بنفسه. وكنت لما بدأت تدريبه (يقصد الملك فيصل الثاني) وطلبت بعدها نقلي الى مديرية الاثار لصعوبة الجمع بين تدريسي في دار المعلمين العالية وتعليم الملك الصغير،فنقلت الى وظيفة ملاحظ فني ثم رايت سوء الادارة فيها وبقاء راتبي المالي على حاله، فرجعت الى دار المعلمين العالية وبقيت فيها الى ان اُنشئت جامعة بغداد وسميت انذاك كلية التربية ولا ازال في عداد اساتذتها وان كنت مقعدا في مرض عضال.
قل غلطة قلبية ولا تقل جلطة قلبية
اجرى الصحفي الراحل رشيد الرماحي لقاءات مع عدد من عارفي مصطفى جواد اثناء اعداده لملف عنه نشرته مجلة الف باء سنة 1978 ومنه لقاء إجراء مع طبيبه الخاص الدكتور شوكت الدهان الذي ذهب إليه في عيادته في شارع الرشيد وحدثه : انه كان معجباً كثيراً بشخصية الدكتور جواد وكان يتمنى أن يتعرف عليه، وأنه مرة كان قادماً إلى عيادته فوجد الدكتور جواد يتمشى في شارع الرشيد فتقدم إليه وسلم عليه قائلاً: أنت الدكتور مصطفى جواد وأنا الدكتور شوكت الدهان وأحب أن أتعرف عليك... فاشترط جواد أن يعرف اختصاصه الطبي أولاً ولما أخبره بأنه اختصاص قلب ومفاصل وافق على أن يتعرف عليه.
يقول الدكتور شوكت الدهان: جئنا إلى العيادة، ودار بيننا حديث طويل عن الطب والأدب واللغة.
وفي أثناء هذا الحديث شكا لي الدكتور جواد معاناته من مشكلة عويصة تحولت الى آلام مبرحة في الظهر والمفاصل، وأخبرني أنه راجع العديد من الأطباء من دون أن يفلح احد منهم في إيجاد علاج ناجع، فطمأنته إلى أن ما يعاني منه أمر بسيط ولا يدعو الى القلق، واعطيته علبتين من حبوب (دلتابوتوزولدين) وأوصيته أن يتناول منها ثلاث حبات يوميا، وقلت له إذا شعرت بتحسن فاتركها بالتدريج. وبعد ثلاثة ايام جاءني مصطحبا معه ابنته لأعالجها وأخبرني بأنه تحسن كثيرا، وانه لا يدري لماذا لم يرشده الاطباء الذين راجعهم الى مثل هذه الحبوب. وكررت عليه تعليماتي السابقة بوجوب تركها.
ثم غاب عني لمدة شهرين لم اره خلالهما حتى اتصلوا بي هاتفيا لان صحته متدهورة فذهبت الى داره، وفحصته فوجدته يعاني صدمة وضيقاً في التنفس وألماً شديداً في الصدر، فاتصلت بالاسعاف من فوري، ونقلته الى مستشفى (ابن سينا) واجريت له تخطيطا للقلب، فلم أستطع أن اخفي عنه شيئا، واخبرته بأنه يعاني من (جلطة قلبية) وكنت أتوقع ان يحزن مصطفى جواد لهذا الخبر وينزعج منه، ولكنه ابتسم وقال لي: (يا دكتور... قل غلطة قلبية... ولا تقل جلطة قلبية!)

مع عبد الكريم قاسم
فى منتصف عام 1960 استدعى الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم الدكتور مصطفى جواد والدكتور أحمد سوسة والاستاذ محمود فهمى درويش وطلب منهم تأليف دليل للجمهورية العراقية الفتية، وأن يباشروا بذلك فورا، ووعدهم بمساندته الكاملة لهم فى هذا المشروع الوطني. ويُذكر أن الدكتور جواد تقدم برجاء الى الزعيم فى ذلك الاجتماع أن يضم حرف الجيم فى كلمة (جمهورية) بدلا من فتحه كما كان يفعل الزعيم فى خطبه، فضحك الزعيم وقال انه سيفعل ذلك إذا ما شرح له الدكتور جواد السبب. فكان جواب الدكتور أن أصل الكلمة هى (جُمهور) وليس (جَمهور). وتم العمل بالدليل وقدم المؤلفون نسخة منه الى الزعيم فى يوم 14 تموز/يوليو 1961. ومن هنا بدأ التقاعس من المسئولين فى صرف المبالغ التى تكبدها المؤلفون، وتألم الدكتور جواد لذلك خاصة وانه كان قد اقترض حصته من الكلفة من أصدقائه. ولم تصرف الاجور الى النهاية.