وجوه عرفتها..عبد القادر البراك ورحلة الحرف الصعبة

Sunday 15th of September 2019 08:36:03 PM ,

ذاكرة عراقية ,

رفعة عبد الرزاق

( المقال نشرته جريدة الاتحاد في عددها 39 في 15 كانون الثاني 1987 .. وهو جدير بالاستدراك في قابل الايام . ..... الكاتب )

الوقفات التاريخية الطريفة التي يكتبها استاذنا الفاضل عبد القادر البراك عن ( ذكريات ايام زمان) هنا وهناك ، تجد لها رصيدا كبيرا من القراء الذين يجدون متعة فائقة عند اطلاعهم على اسرار العراق الحديث التي تاتي على شكل مذكرات يكتبها مطلع على خفايا الامور مثل الاستاذ عبد القادر البراك .

وهذا ما دفع كتاب اخرين الى تسجيل ذكرياتهم على شكل نبذ او تعقيبات ، غير ان ما يميز مقالات البراك اختياره الموفق لحوادث معينة من وحي المناسبات والاحداث ، ويسبغ عليها شكلا ادبيا عرف به منذ سنوات .

وارجو وان لا تكون امنيتي بعيدة المنال وانا ارى كتابا يحمل اسم البراك يضم نخبة من مقالاته عن شخصيات العراق السياسية والادبية والاجتماعية وما يحيط بها من حوادث وقضايا لا يعرفها الا القليلون ممن اتصلوا بشكل او باخر بتاريخ العراق القريب .
• والذي اعرفه عن الاستاذ عبد القادر حمد البراك انه من مواليد عام 1923 في احدى محلات الكرخ القديمة وهي محلة ( الست نفيسة) التي اخذت اسمها من مسجد جامع انشأته احدى السيدات الفضليات من اسرة القشطيني . والاجواء المحافظة التي كانت مسيطرة على الحياة البغدادية في العشرينيات ربما كانت السبب الرئيس الى اتجاه البراك نحو دراسة العلوم الاسلامية التقليدية ، غير ان ظروفا خاصة جعلته ينخرط في المدارس الرسمية الحديثة التي بدأت تنتشر في العراق ، فدخل مدرسة ( دار السلام الابتدائية) في الكرخ ثم التحق باعدادية الكرخ ولم يكمل دراسته .. بيد انه اخذ بتثقيف نفسه ثقافة ادبية عالية من خلال قراءة امهات الكتب العربية القديمة والحديثة ومطالع اغلب الصحف والمجلات المحلية والعربية ، وقال لي انه كان في البدء معجبا بجريدة اسمها ( بغداد) اصدرها المرحوم عبد الرحمن البناء شاعر الاستقلال ، وقد توجه صاحبها نحو تشجيع الاقلام الادبية المبتدئة فنشر فيها بعض المقطوعات الشعرية الوجدانية وبعض الخواطر الرقيقة .
• وفي الايام الخيرة من الثلاثينيات ، كانت االبدايات الصحفية للبراك ، فقد وجد في الصحافي القدير رزوق غنام صاحب جريدة العراق التي كانت من اوسع الصحف العراقية يومذاك ، اهتماما بالاقلام الشابة الجديرة بالعناية . ومن هنا بدأت رحلته في عالم الصحافة ، فانتقل الى جريدة الرأي العام للشاعر الكبير الجواهري حيث اصبح محررها الاول بعد التحاق محررها حسين مروة بالتدريس وعدم تفرغه للعمل الصحفي ببغداد ، ثم عمل في جريدة ( صوت الاهالي) التي تعد مدرسة صحفية قائمة بذاتها وعرفت بالرصانة لما ينشر فيها من مقالات ومواد بعيدة عن السفاسف والتوافه ، ثمة عمل في جريدة ( الاخبار) لجبران ملكون وغيرها من الصحف ، وقد اكسبته هذه التنقلات دراية واسعة بالعمل الصحفي واطلعته على اسرار مهنة صاحبة الجلالة .
• وبعد ان وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها وانفرج الوضع السياسي ، تقدم البراك طالبا امتياز جريدة ادبية سنة 1946 ، وسرعان ما وجد وزير الداخلية السيد سعد صالح بتأثير من خيري الهنداوي ان البراك جدير بالاستفادة من خدماته للدولةاداريا ، واراد منه الانخراط بقالسلك الاداري ، ولم يتحقق الامر .. وعلى كل حال منحت وزارة الداخلية امتياز جريدة باسم (الامالي) كان البراك يريد بها تقليد جريدة بالاسم نفسه كان يصدرها عمر فروخ انذاك . غير ان هذه الجريدة لم تعمر طويلا فاحتجبت بعد صدور عددين فقط ، اذ تاخر صدورها الى ايام حكومة ارشد العمري التي عرفت بحربها على الحريات العامة .
• لقد تنقل البراك بين الصحف العراقية واشغل فيها اخطر المراكز من رئيس تحرير الى سكرتير تحرير الى محرر اول ، واصبح اسمه من الاسماء اللامعة في سماء الصحافة، فيما حاولت الجهات السياسية المختلفة الاتصال به بشتى الوسائل ، وعندما اتفق جمع من الشخصيات الوطنية والديمقراطية ( المعتدلة ) على تاليف كتلة سياسية موحدة باسم ( الجبهة الشعبية المتحدة ) ، كان البراك المرشح الاول للعمل في سكرتارية جريدة الجبهة ، وكان المرحوم صادق البصام احد اقطاب الجبهة من رشحه لهذا ، ثم ايد الاستاذ كامل الجادرجي هذا الترشيح ، واسندت المسؤولية الادارية للجريدة الى المرحوم عبد الرزاق الشيخلي النائب المعارض المعروف باندفاعه الشديد ضد الوصي عبد الاله .
غير ان الخلافات ما لبثت ان دبت داخل صفوف الجبهة الشعبية المتحدة منذ البداية حتى قيل ان (( التناحر بدأ منذ اليوم الاول الذي كان يعد فيه العدد الاول من الجريدة بين الشيخ محمد رضا الشبيبي وصادق البصام فيمن سيكون له المقال الاول في الجريدة ، وبعد مشاجرة ( طريفة) وقعت له مع عبد الرزاق الظاهر ، استقال البراك من الجريدة )) .واتفق في تلك الايام ان شغف صادق البصام بالصحافة وقد بدأ ذلك منذ خروجه وزارة حمدي الباججي واستمر بمعارضته المعتدلة للوزارات مع احتفاظه بصداقة الامير عبد الاله ، واصدر البصام بعد خروجه من الجبهة جريدة باسم الدفاع واسند للبراك مهمة تحريرها حتى اغلاقها على عهد حكومة فاضل الجمالي الذي كان يعتقد ان الجريدة صدرت لاجل النقد السياسي ليس الا .
• كان البراك عندما كان يعمل في جريدة الدفاع يمتلك امتياز مجلة باسم ( الميثاق) وقد اقترح البصام عليه ان ( يقدم) مجلته الى الاستاذ خالد الدرة بعد اغلاق مجلته ( الوادي) لصراحتها في نقد السلطة ، فاستمرت (الميثاق) بمنهج الدرة اللاذع حتى تم اغلاقها .
• عند قيام ثورة 14 تموز 1958 كان عبد القادر البراك احد محرري جريدة ( الاخبار) لملكون ، وسرعان ما اغلقت حكومة الثورة الجريدة وصادرت مطبعتها وبدأت بطبع جريدة ( الجمهورية) عليها ، فآثر البراك الالتحاق بجريدة (الاهالي) لسان حال الحركة الديمقراطية ليعمل فيها بشكل مؤقت ، وكان ذلك في سنة 1959 .
• اصدر البراك جريدة باسم الايام سنة 1962 ثم تحول اسمها الى ( البلد) بعد انقلاب شباط 1963 وهي من الصحف العراقية المتميزة لاهتمامها الكبير بالحركة الفكرية فضلا عن كونها جريدة سياسية يومية ، لقد جمعت ( البلد) بين رصانة (الاهالي) وادبيات (البلاد) وتنوع( الاخبار) ..
وفي اواخر السبعينيات اشتغل البراك في جريدة (الجمهورية) حتى طلبه التقاعد سنة 1979 ، ليبدأ صفحة جديدة من حياته الكتابية وبجهد ادبي جديد ، يتجسد بكتابة المقالات الادبية والتاريخية التي نوهنا عنها في صدر هذا المقال .
( كتب المقال وكان البراك حيا يرزق فاضاف الي الكثير من المعلومات والفوائد ، ثم صدر له كتاب باسم ( ذكريات ايام زمان) سنة 1989 ، وكان كتابه الاول قد صدر سنة 1950 باسم ( اعلام من الشرق) ، وقد توفاه الله يوم الخميس الخامس من كانون الثاني 1995 ) .