صفحة مطوية من تاريخ الفكر العراقي الحديث بين الرصافي والريحاني

Sunday 20th of October 2019 06:51:30 PM ,

ذاكرة عراقية ,

رفعة عبد الرزاق محمد
زارالكاتب العربي الكبير امين الريحاني العراق ثلاث مرات ،ة وفي كل زيارة يترك من الاثار والذكريات الشيء الكثير ، وقدة الممنا سريعا بهذه الزيارات في نبذة نشرتها جريدة المدى قبل نحو عشر سنوات( منارات في 17 تشرين الاول 2009 ) .

وكانت زيارته الثانية لبغداد في نيسان 1932 لحضور المعرض الصناعي والزراعي الكبير الذي نظمته الحكومة العراقية مع الجمعية الملكية الزراعية ، وقد دعته الحكوممة العراقية للاطلاع على التطور الحاصل في العراق خلال عشر سنوات من زيارته الاولى سنة 1922 .
اثمرت الزيارة الثانية عن كتابه الرائع ( قلب العراق) ، الذي ضمنه العديد من الاراء والانطباعات الجريئة ، ورد عليه عدد من الكتاب والادباء العراقيين الذين لم يوافقونه الراي .ومن هؤلاء الشاعر الكبير الرصافي الذي كان مشغولا في تلك السنوات من الثلاثينيات بالبحث عن السيرة النبوية واكتشاف عظمة النبي الكريم بشكل مغاير لما شاع في كتابة السيرة ، اذ سبر اغوار الروايات وقرأ اخبار النبي الكريم قراءة المتأمل المتعمق او ( المتمرد) المعجب بهذه السيرة التي اضيف اليها ما ليس فيها كما يعتقد ..
كانت مجلة ( الرسالة) المصرية قد نشرت كانت المجلة قد نشرت في عددها 105 في 8 تموز 1935 مايلي :
الرصافي في دينه
دفع إلي اليوم وأنا مار في سوق الحميدية أخ لنا من الوراقين الأدباء متدين غيور، كتاباً جديداً لأمين الريحاني اسمه: قلب العراق، صدر في هذه الأيام في بيروت، وأقرأني فيه الفقرة الآتية (ص 265)، ولست أعرف من الكتاب أكثر منها، فأحببت أن أنشرها ليقول فيها الرصافي كلمته، فهو المتهم فيها، وإليه تنسب هذه الآراء. . . وليطلع عليها فحولة الكتاب، وحماة الدين، وورثة البيان القرآني: الرافعي والزيات وعزام، ويروا رأيهم في هذه الأفكار الجديدة!
وهذه هي الكلمة بنصها وفصها:
قال:
إن للرصافي رأياً في الوحي الشعري غريباً: هو لا يؤمن بالوحي، أو بالحري الوحي المنزل، إنما يعتقد أن القوة الشعرية في الإبداع تتعلق بقوة ألباه في الجماع، وأن الضعف الذي يعتري القوة الواحدة يتصل بالأخرى، إذن لابد من التوازن بينهما، بل هو ضروري. . . (إلى أن قال):
. . . ثم ذكر النبي محمداً، وهو في نظر معروف شاعر عظيم على أن أجمل قصائد النبي، أي أجمل السور القرآنية، إنما هي التي جاء بها في عهد الاعتدال الجنسي يوم لم يكن له غير خديجة زوجاً، أما بعد وفاة خديجة فقد أصبح محمد مزواجاً، وكانت القصائد - السور - في هذا العهد مثل نسائه (كذا) أي دون ما تقدم منها ومنهن
فقد كتب الرصافي سيرة النبي محمد، وأطلعني عليها مخطوطة بيده، في سبعة دفاتر من الدفاتر المدرسية، فما أدهشني منها ما فيها من العلم والتحقيق لأن مصادر الموضوع متوفرة لمن شاء معالجته، وأحسن البحث والموازنة، إنما أدهشتني القوة النافذة والمقدرة على التحليل والاستخراج، والتفلسف في عقائد لا تستقيم بغير الإيمان والجرأة والصراحة مع الاتكال على العقل والعلم فيهما
فقد استخدم في (سيرته) المصباح الذي استخدمه العلماء الأوربيون في نقد التوراة، أي مصباح النقد الأعلى الذي ينير العلم بنور العقل والمقارنات التاريخية، ومما يزيدك إعجاباً بالرصافي أنه لا يحسن لغة أجنبية، فقد ركن في كل ما حلل وأول واستخرج واستنتج إلى اجتهاده الخاص وإلى علومه الواحدة العربية
وإنك لتدرك الروح في مصنفه هذا إذا ما علمت رأيه بالله، فقد قال لي مرة: إن الآية لا إله إلا الله، لا معنى لها ويجب أن تبطل، أو تبدل بالآية، لا إله إلا الوجود، أي أن الكون هو الله، والله هو الكون، هي عقيدة البانيتزم أي الحلول وهو فيها على اتفاق والزهاوي، قد يهمل وينسى كثير من شعر الرصافي في المستقبل، وتظل سيرته النبوية من الكتب التي تقرأ وتكتنز
ذاك هو الرصافي في دينه) اهـ
فما هو رأي الشاعر الكبير الأستاذ معروف الرصافي؟. . .
دمشق
علي الطنطاوي
(الرسالة) لم نقرأ كتاب الريحاني لأنه لم ينشر في مصر؛ ولكنا نعلم أن حكومة العراق صادرته؛ وربما كان هذا الهتر من أسباب هذه المصادرة؛ على أن الرصافي قد يقول شيئاً من هذا الكلام في ساعة لهوه ليطوي في بساط الشراب، لا لينشر على الناس في كتاب! فذنب (الفيلسوف) الذي روى، أقبح من ذنب (الأديب) الذي تحدث! والكلمة قبل كل شيء للأستاذ الرصافي

وعادت المجلة فنشرت في العدد 109 في 15 اب 1935مايلي :
نشرنا في عدد مضى ما رواه الريحاني عن الرصافي في كتابه الجديد (قلب العراق) وانتظرنا كلمة الأستاذ الرصافي في هذه الرواية. وقد قرأنا أخيراً في جريدة الاستقلال البغدادية كتاباً من الأستاذ الرصافي ينكر فيه كل ما عزاه الريحاني إليه إنكاراً يؤيد تعليقنا على هذا الخبر أو ذاك، وهذا كتاب الرصافي بنصه:
حضرة الأستاذ الفاضل صاحب جريدة الاستقلال الغراء أرجو نشر الكلمة التالية في جريدتكم ولكم الفضل والشكر:
أطلعني بعض معارفي على ما رواه الريحاني عني في كتابه قلب العراق فعجبت منه واستغربته كل الاستغراب. لقد اجتمعت بالريحاني عدة مرات في أزمنة مختلفة، ومجالس مؤتلفة وغير مؤتلفة، تجاذبنا فيها أطراف الأحاديث من كل نوع، ولا أتذكرها اليوم لمرور الزمان ولاختلال ذاكرتي بالنسيان، فأنا من هذه الناحية لا أستطيع أن أناقشه في صحة تلك الأقوال التي أسندها إلي ورواها عني. ولكنني الآن أستطيع أن أنفي نفياً باتاً صحة كثير مما رواه في كتابه المذكور بدليل أن في تلك الأقوال ما لو قاله اليوم أحد غيري لأنكرته عليه أشد الإنكار. إذن فكيف أقول للريحاني ما أنكره لو قاله غيري؟ وفي الأخير أقول: إن كان كل ما يرويه الريحاني في كتبه من هذا القبيل فويل للحقيقة منه، وويل له من الحقيقة!
معروف الرصافي